باريس تؤجل القمة الفرنسية ـ الأفريقية بسبب الهجمات الإرهابية في النيجر

TT

باريس تؤجل القمة الفرنسية ـ الأفريقية بسبب الهجمات الإرهابية في النيجر

مرة أخرى، يقفز ملف الأمن في بلدان الساحل الأفريقية ومصير القوة الفرنسية «برخان» المنتشرة فيها منذ العام 2014 على بساط البحث. وكان مقرراً أن يكون «الطبق» الرئيسي في القمة الفرنسية الأفريقية التي كانت مقررة في 16 الحالي، والتي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون، في مدينة بو (جنوب البلاد) عقب مقتل 13 ضابطاً وصف ضابط من القوة الفرنسية في حادث تصادم طوافتين أثناء عملية عسكرية في جنوب شرقي مالي، ضد مجموعات إرهابية، قريباً مما يسمى «الحدود الثلاثة» (مالي، النيجر، بوركينا فاسو). لكن الهجوم الدموي الذي استهدف معسكراً للجيش النيجيري، في منطقة إينياتيس، قريباً من حدود مالي، والذي أوقع 71 قتيلاً، دفع الرئيس الفرنسي، بالتوافق مع نظيره النيجري محمد إيسوفو، وفق ما أعلنه قصر الإليزيه أمس، تأجيل القمة إلى مطلع العام المقبل.
حقيقة الأمر، أن ماكرون كان يراهن على القمة السداسية (دول الساحل الخمس وفرنسا) للنظر في الأوضاع الأمنية ومصير قوة «برخان» وما تحقق على طريق توفير الإمكانات البشرية والعسكرية لمحاربة المجموعات الإرهابية التي عادت تنشط بقوة في 4 من بلدان الساحل الخمس منذ العام 2015. بالإضافة إلى ذلك، كان ماكرون قد حدد، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في لندن يوم 4 من الشهر الحالي، بمناسبة القمة الأطلسية، الأهداف الإضافية التي يريدها من القمة المؤجلة. وبحسب ما أعلنه، فإن «المطلوب، على المدى القصير، إعادة توضيح الإطار والشروط السياسية التي تتحكم بحضورنا (العسكري) في بلدان الساحل، مع قادة الدول الخمس الأعضاء في القوة الخماسية» الأفريقية المشتركة. وأضاف ماكرون، بلغة تحذيرية: «لا أستطيع ولا أرغب في وجود الجنود الفرنسيين في بلدان الساحل طالما استمر الغموض بشأن الحركات المعادية لفرنسا» في إشارة إلى نمو الشعور المعادي لباريس في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وأكد ماكرون أنه يريد من القادة الأفارقة أن يتبنوا «الوضوح» وأن يجددوا الطلب لبقاء القوات الفرنسية في بلدانهم وأن يتحملوا «مسؤولية» ذلك سياسياً. وقد جعل الرئيس الفرنسي من هذا التبني «شرطاً ضرورياً لا بد منه» وإلا «سيستخلص النتائج» في حال عدم توافره. وأخيراً، نفى ماكرون أن تكون لبلاده «مطامع استعمارية جديدة، إمبريالية أو اقتصادية»، بل إن هدف بلاده الوحيد «توفير الأمن الجماعي في هذه المنطقة والأمن الفرنسي كذلك».
يعي المسؤولون الفرنسيون أن حضورهم العسكري في بلدان الساحل له ثمن بشري وسياسي ومادي. فقوة «برخان» المشكلة من 4500 رجل، تدعمها قوة جوية لا تبدو كافية لمحاربة الإرهاب ومنع تمدد تنظيماته المختلفة، وأبرزها «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، وتراهن باريس على حصولها على دعم أوروبي إضافي، إضافة إلى المساندة التي تحظى بها من بريطانيا وإسبانيا وإستونيا. لكنها ما زالت تشعر، رغم المساندة اللوجيستية الأوروبية والاستخبارية الأميركية أنها «وحيدة» في حربها على الإرهاب في هذه المنطقة من العالم. ولم يتردد الرئيس إيمانويل ماكرون في التأكيد على أن بلاده تخوض الحرب «نيابة» عن الأوروبيين، وأن «السياق الحالي في بلدان الساحل يقودنا إلى النظر في الخيارات الاستراتيجية كافة».
ويقوم الرهان الفرنسي حالياً على تشكيل قوة كوماندوز أوروبية أطلق عليها اسم «توباكا»، وأعلنت عدة دول أوروبية استعدادها للمشاركة فيها. ومن الناحية البشرية، خسرت باريس 41 عسكرياً منذ العام 2014 خصوصاً في مالي، فيما كلفة تدخلها العسكري تصل إلى 700 مليون يورو في العام. لكن ما يقلق باريس كذلك، هو الثمن «السياسي» الذي تدفعه، وهو يتخذ أشكالاً مختلفة، منها تصريحات لمسؤولين أفارقة تشكك بجدية باريس في محاربة الإرهاب، وأخرى شعبية تشكك بدوافع حضورها العسكري وتنسبه لمصالح استثمارية، وتربطه بثروات هذه البلدان المعدنية، ومنها اليورانيوم، كما في النيجر، إضافة إلى «أخبار زائفة» تتكاثر على مواقع التواصل الاجتماعي. وبشكل عام، فإن القوات الفرنسية أخذت تعاني من شعور معادٍ. الأمر الذي دفع ماكرون لـ«استدعاء» القادة الأفارقة عقب الخسارة البشرية الكبرى الأخيرة التي منيت بها القوات الفرنسية في مالي. من هنا، تحذير المصادر الرئاسية من أن «الخيارات كافة» مطروحة على الطاولة بالنسبة لبقاء أو رحيل القوات الفرنسية. الأمر الذي يمكن أن يفهم على أنه شبيه بـ«الإنذار» الموجه للأفارقة، علماً بأن باريس تعي سلفاً أن هؤلاء بحاجة لحضورها العسكري. ولمزيد من الضغط، فقد نقل عن أوساط الإليزيه أمس، أن انسحاب القوة الفرنسية «يدخل ضمن الخيارات الاستراتيجية» وهو أمر مستجد في التعاطي الفرنسي مع هذه المنطقة من العالم. ولذا، فإن الرأي السائد في باريس يستبعد الانسحاب، بالنظر لأهمية الحضور العسكري الفرنسي في هذه المنطقة لتوفير حد معقول من الاستقرار وللتداخل فيما يحصل فيها، مع أوضاع بلدان شمال أفريقيا (الجزائر، تونس، ليبيا، المغرب).
تأخذ باريس على الدول الخمس تأخرها في تفعيل «القوة الأفريقية المشتركة» المسماة G5 والمشكلة من وحدات من بلدان الساحل الخمسة. والحال أن هذه القوة ينقصها كثير لتتحول إلى قوة فاعلة وقادرة. فلا تمويلها تكامل، لأن بعض الدول المتبرعة لم تنفذ بعد التزاماتها، كما أن وحداتها ينقصها التدريب الكافي والقدرة على العمل المشترك، ما يعني عملياً الحاجة إلى انتظار أشهر، وربما سنوات، لتصبح فاعلة وقادرة على الانتشار. ويشكل هذا الوضع سبباً إضافياً يمنع فرنسا عملياً من الخروج. وكان من المقرر أن تناقش القمة الأوروبية المنعقدة ليومين في بروكسل مطالب باريس في أفريقيا. ولا شك أن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها القوات النيجرية ليل الأربعاء - الخميس ستشكل عامل ضغط إضافياً على الأوروبيين للإسراع في التجاوب مع المطالب الفرنسية، لأن باريس، كما تقول أوساطها، لم تعد راغبة في تحمل أعباء الأمن ومحاربة الإرهاب في منطقة الساحل نيابة عن الأوروبيين إلى ما لا نهاية.



إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.