التفاهم الليبي ـ التركي حول مناطق السيادة البحرية يفجر أزمة دولية

اليونان تطرد سفير السراج... وقبرص تلجأ لمحكمة العدل الدولية... وأنقرة تواصل التصعيد

وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال لقائه في روما المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة على هامش مؤتمر حوارات أمن المتوسط (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال لقائه في روما المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة على هامش مؤتمر حوارات أمن المتوسط (إ.ب.أ)
TT

التفاهم الليبي ـ التركي حول مناطق السيادة البحرية يفجر أزمة دولية

وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال لقائه في روما المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة على هامش مؤتمر حوارات أمن المتوسط (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال لقائه في روما المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة على هامش مؤتمر حوارات أمن المتوسط (إ.ب.أ)

قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، إنه استدعى صباح أمس (الجمعة) سفير ليبيا، محمد يونس المنفي، الذي يمثل حكومة الوفاق، وأبلغه بأن أمامه 72 ساعة لمغادرة البلاد. ووصف دندياس الاتفاق الليبي - التركي بأنه «انتهاك سافر للقانون الدولي».
وكانت تركيا قد وقعت في إسطنبول في 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مذكرتي تفاهم مع فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق السيادة البحرية.
وقال الوزير اليوناني، إن الإنذار الذي وجهه للسفير الليبي انتهى ليلة الخميس، لتسليم الاتفاقية البحرية التركية – الليبية، إلى أثينا، الأمر الذي لم يفعله سفير ليبيا، مما دفع نيكوس دندياس إلى اتخاذ قراره السابق، والإعلان عن طرده.
وأوضح وزير الخارجية اليوناني أن طرد السفير «ليس قطعاً للعلاقات الدبلوماسية مع ليبيا، وإنما رسالة إلى حكومة الوفاق ورئيسها فايز السراج»؛ مشدداً على أن الاتفاقية التركية - الليبية «تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون البحري الدولي، وحقوق اليونان السيادية»، وقال إن هذا اتفاق «غير قانوني».
كما أشار المسؤول اليوناني إلى أن رئيس مجلس النواب، قال في رسالة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، إن المذكرة المتعلقة بتعيين حدود المناطق البحرية «غريبة»؛ لأن ليبيا ليست لديها «حدود بحرية» مع تركيا، مبرزاً أن اليونان وقبرص تقعان في منتصف طريق الحدود التي يحاول الاتفاق تحديدها. كما أكد أن رئيس الوزراء الليبي ليس له الحق في التوقيع.
وذكر دندياس أن رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح سوف يزور أثينا رسمياً الخميس المقبل، بناء على دعوة من نظيره اليوناني.
بدوره، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس للبرلمان، حول الاتفاق التركي - الليبي: «إنها وثيقة باطلة قانونياً»، مشدداً على أنها «ليست باطلة من الناحية الجغرافية والتاريخية فحسب؛ حيث تلغي الجزر اليونانية من على الخريطة؛ لكنها أيضاً دفعت تركيا إلى عزلة دبلوماسية غير مسبوقة. إنها مجرد قطعة ورق لا يعترف بها أحد».
وفى أول تعليق له على هذا القرار، قال محمد سيالة، وزير الخارجية بحكومة السراج، أمس، إنه ليس لليونان في ليبيا أي تمثيل دبلوماسي: «ولو كان موجوداً فسنقوم بطرد سفيرهم بالمثل»، معتبراً أن قرار اليونان بطرد السفير الليبي من أراضيها «أمر غير مقبول. هذا القرار يخص اليونان، وسنحتفظ بحقنا في إبرام التفاهمات مع من نريد»، لافتاً إلى أن اليونان، التي قال إن لها حق اللجوء إلى القضاء الدولي في حال اعتراضها على مذكرة التفاهم التي أبرمتها ليبيا مع أنقرة «ماطلت في التفاهم معنا بخصوص ترسيم الحدود البحرية منذ عام 2004».
كما كشف سيالة، عقب اجتماعه أمس مع وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، في العاصمة الإيطالية روما، على هامش مؤتمر حوارات أمن المتوسط، عن «ضغوط أوروبية؛ خصوصاً من اليونان، تمارس على إيطاليا، لإجبار حكومة السراج على إلغاء اتفاقها مع تركيا».
وقال سيالة في تصريحات لوسائل إعلام إيطالية: «الإيطاليون قلقون... وهم يقولون لنا إنهم يرغبون في أن يتم إخطارهم بتحركاتنا؛ خصوصاً الأخيرة مع تركيا؛ لأنهم يظلون حلفاءنا التاريخيين، على الرغم من أن سفيرهم في طرابلس يتحدث معنا طوال الوقت».
من جهته، ذهب سامح شكري، وزير الخارجية المصري، إلى حد أبعد من ذلك، بقوله إن الاتفاقية بين حكومة السراج وتركيا «لا قيمة لها»، وسخر من كون هذه الاتفاقية: «ستدخل موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية؛ حيث تم الانتهاء منها في زمن قصير»، معتبراً أن هذه الاتفاقية ستعقِّد الوضع في ليبيا، وقال إنه يتعين على حكومة السراج الالتزام باتفاق الصخيرات المبرم في المغرب نهاية عام 2015، أو أن تفقد شرعيتها.
في سياق ذلك، قال الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس، إن بلاده طلبت من محكمة العدل الدولية في لاهاي حماية حقوقها في الموارد المعدنية البحرية، التي تنازعها تركيا السيادة عليها.
وذكر الرئيس القبرصي إن بلاده ملتزمة بحماية حقوقها السيادية بكل الوسائل القانونية الممكنة، مضيفاً: «هذا بالتحديد هو الغرض من شكوانا إلى لاهاي»، موضحاً أن قبرص سعت لتوجيه مذكرة بنياتها للسفارة التركية في أثينا؛ لكنها لم تقبلها، ولذلك أرسلت في وجهة أخرى. وتابع: «هناك دليل على تسلمها، وهذا يعطي قبرص حق التظلم».
في المقابل، وفي موقف تصعيدي من جانب تركيا، أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مجدداً، استعداد بلاده لإبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع جميع دول شرق البحر المتوسط، باستثناء قبرص، بعد أن وقَّعت مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، بشأن تحديد مناطق السيادة البحرية الأسبوع الماضي، وهو ما أثار غضب دول المنطقة، والحكومة المؤقتة والجيش الوطني الليبيين.
ففي تصريحات على هامش مشاركته في منتدى الحوار المتوسطي في روما أمس، ندد جاويش أوغلو بقرار اليونان طرد السفير الليبي في أثينا، وإمهاله 72 ساعة لمغادرة البلاد، رداً على توقيع حكومته مذكرة التفاهم مع تركيا، بشأن تحديد مناطق السيادة البحرية في 27 من نوفمبر الماضي.
وقال أوغلو: «لقد تم طرد السفير بسبب الاتفاق الذي وقَّعناه مع حكومة الوفاق الليبية. إنه سلوك غير ناضج في الدبلوماسية. هذا أمر شائن»، مضيفاً: «ندين قرار أثينا بإمهالها السفير الليبي 72 ساعة لمغادرة البلاد. وهذا الإجراء يظهر الوجه الحقيقي لليونان. لا يمكن قبول طرد اليونان للسفير الليبي لديها، وطرابلس لن ترضخ لهذا التهديد».
بدوره، اعتبر رئيس البرلمان التركي، مصطفى شنطوب، أن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق بشأن ترسيم مناطق النفوذ البحرية: «تعتبر أهم خطوة استراتيجية لأنقرة في شرق المتوسط».
وأوضح شنطوب في تصريح صحافي، أن الاتفاق أفسد كثيراً من الحسابات اليونانية المخطط لها عبر الجزر التابعة لها، والتي تتعارض بشكل أساسي مع القانون الدولي؛ مشيراً إلى أن البرلمان التركي صادق على الاتفاق التركي - الليبي ليل الخميس – الجمعة، واستكمل البلدان الإجراءات المتعلقة بالاتفاق، وسيتم تقديمه للأمم المتحدة، والإعلان عن بدء صلاحيته الدولية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».