وسط عزلته.. بوتين يبحث عن حبل نجاة في الصين

أحداث أوكرانيا وهونغ كونغ دفعت موسكو وبكين إلى التقارب وإبرام عقود بمئات المليارات

بوتين (يسار) ولي كه تشيانغ في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)
بوتين (يسار) ولي كه تشيانغ في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

وسط عزلته.. بوتين يبحث عن حبل نجاة في الصين

بوتين (يسار) ولي كه تشيانغ في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)
بوتين (يسار) ولي كه تشيانغ في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)

في وقت يمارس الغرب ضغوطا كبيرة على روسيا ومحاولة عزلها دوليا، تحول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق، أول من أمس، بحثا عن مفر، حيث وقعت حكومته عشرات الاتفاقيات التجارية مع الصين المجاورة.
وتعد هذه الاتفاقيات، التي تنوعت من قطاعات الطاقة إلى الدفاع، أحدث ما جرى في شراكة اقتصادية بين البلدين تسارعت وتيرتها العام الحالي طوال فترة الأزمة في أوكرانيا، بعد أن اتخذ الغرب خطوات أدت إلى تجميد الأسواق المالية الروسية. عقد بوتين اجتماعا مع رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ في موسكو، أول من أمس، في تتويج لزيارة استمرت 3 أيام تعهدت فيها الدولتان بالاستمرار في بناء علاقاتهما سريعة النمو.
تشترك الدولتان في أسلوبهما الاستبدادي تجاه المعارضين، وارتيابهما المتبادل تجاه الولايات المتحدة، كما تجمع بينهما حدود تمتد إلى 4100 كلم يتزايد عبرها التبادل التجاري سريعا، وجاءت الصفقات الجديدة بعد فترة وجيزة من ثناء الصين على أسلوب تعامل بوتين مع أزمة أوكرانيا، ومواجهة القادة الصينيين للمتظاهرين في هونغ كونغ. وقال بوتين إلى ضيفه لي، أول من أمس: «لدينا خطط كبرى. نحن شريكان وحليفان بالطبيعة. ونحن متجاوران».
تعد كل من روسيا، التي تملك إمدادات غزيرة من النفط والغاز الطبيعي والفحم، والصين، المستهلك الشره للطاقة، شريكتين جيوسياسيتين جمع بينهما القدر، خصوصا أن شركاء روسيا الغربيين تراجعوا في العام الحالي بعد زيادة العقوبات الغربية المفروضة بسبب دور روسيا في الصراع الأوكراني، لكن الدولتين كانتا تواجهان دوما صعوبات في عقد الصفقات مع بعضهما البعض، وذلك إلى حد ما بسبب تصادم أسلوبهما المتصلب في المفاوضات، حسبما يقول محللون.
لكن الضغوط الناتجة عن العقوبات في العام الحالي عززت الاهتمام بإقامة شراكة مع الدولة المجاورة في الجنوب، وكانت الصين الحريصة على عقد صفقة قوية، على استعداد لسد الفراغ، وفتحت روسيا الأبواب أمام الاستثمارات الصينية في حقولها النفطية وأحسنت استقبال كبار القادة الصينيين ودفعت بصعوبة إلى تحفيز المباحثات المتوقفة حول التعاون في مجموعة من القطاعات.
قال لي، أول من أمس، وفقا لنص الحديث المنشور على موقع الكرملين: «إن روسيا تملك أكبر مساحة أراض في العالم، بينما تضم الصين أكبر عدد سكان، وهذا بمفرده يجعل اقتصاد كل من البلدين مكملا للآخر».
ومن بين 38 اتفاقية، التي جرى توقيعها مع رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف، قدمت المصارف الصينية قروضا تتجاوز قيمتها 4 مليارات دولار للشركات الروسية، وهو طوق نجاة مهم؛ حيث جففت العقوبات منابع التمويل الغربية، كما أتمت الحكومتان اتفاقية غاز طبيعي قيمتها 400 مليار دولار جرى التوقيع عليها في مايو (أيار)، ووقعتا على اتفاقيات تعاون في الفضاء الخارجي، ووضعتا أساس مشروع تساعد الصين من خلاله على إنشاء امتداد خط سكك حديدية عالي السرعة في روسيا، كان مصَنّعون أوروبيون قد خططوا للعمل فيه في السابق.
اتفقت الدولتان أيضا على الاعتماد بصورة أكبر على العملتين القوميتين في إجراء عمليات التبادل التجاري، وهي الخطوة التي تهدف إلى توجيه ضربة إلى الدولار، وسوف تكون مفيدة على وجه التحديد لروسيا، التي انخفضت قيمة عملتها (الروبل) بنسبة 19 في المائة أمام الدولار في العام الحالي. صرح ميدفيديف يوم الاثنين قائلا: «لم أحضر مراسم جرى فيها توقيع كل هذا القدر من الوثائق من قبل».
ويظل الاتحاد الأوروبي حتى الآن أهم شريك تجاري لروسيا؛ حيث قدر حجم تجارته معها في عام 2013 بمبلغ 410 مليار دولار، بينما ارتفع حجم الاستثمارات الصينية في روسيا بنسبة 15 في المائة فقط في العام الماضي بمفرده، ومنذ 6 أعوام فقط، بلغ حجم التبادل التجاري الإجمالي بين البلدين 40 مليار دولار، ولكنه وصل الآن إلى 90 مليار دولار، وقال ميدفيديف إنه يرغب في زيادته ليصل إلى 200 مليار دولار في العام.
ليس من الممكن أن تكون جميع الصفقات التجارية الموقعة بين البلدين لصالح روسيا، وفي حين بقيت تفاصيل اتفاقية الغاز الموقعة في مايو (أيار) طي الكتمان، فإن ما ترويه وسائل الإعلام الروسية يشير إلى أن الصين حصلت على صفقة جيدة، لأن بوتين أراد على وجه التحديد أن يُظهر للعالم أن روسيا تستطيع أن تتجاوز الانخفاض الكبير في التجارة الأوروبية.
وأعرب المفاوضون الروس عن أملهم في أن يتمكنوا من عقد صفقة طاقة أخرى بارزة، وفي هذه المرة من أجل إقامة خط أنابيب غاز يمتد إلى غرب الصين، ولكن الطرفين توقعا وذكرا أنهما سيواصلان مناقشة الصفقة في الخريف الحالي.
وقال ألكسندر لوكين، مدير مركز للدراسات الآسيوية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، الذي يعمل أيضا على تدريب دبلوماسيين روس: «يتسم الصينيون بأنهم مفاوضون صارمون، ولن يساعدوا روسيا على حساب منافعهم الخاصة. نحن لا نجعل منها مثالية، ولكن الصين دولة صديقة، بينما أظهرت أوروبا أنها عدائية».
وفي ظل اتحاد الولايات المتحدة وأوروبا في الخطوات المتخذة ضد روسيا، وإبدائهما إشارات قليلة على التراجع عن العقوبات في أي مرحلة قريبة، أصبحت هناك مناطق أخرى في آسيا أكثر أهمية للاستثمارات الروسية، فلم تفرض كوريا الجنوبية أي حظر اقتصادي على روسيا، ورغم أن اليابان فرضت ذلك الحظر، فإنه ليس شاملا مثلما فعلت القوى الغربية.
وقال فاسيلي كاشين، الخبير في شؤون الصين في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا، الذي يوجد مقره في موسكو: «تعد هونغ كونغ على وجه خاص ذات أهمية بالنسبة لروسيا حاليا، لأنها تمثل المركز المالي الرئيس الوحيد الواقع خارج نطاق السيطرة السياسية الغربية»، وأضاف أن الشراكات التي أعيد رسمها من المرجح أن تبقى، وأضاف كاشين: «على عكس أي عقوبات ربما يجري فرضها أو رفعها من قبل سياسيين، هذا النوع لا يمكن الرجوع فيه، في أثناء الأزمة، سوف يقيم الروس علاقات جديدة مع شركاء جدد، وحتى بعد أن تنتهي الأوضاع السياسية الراهنة، سيكون من المحتمل ألا تعود العلاقات إلى سابق عهدها».

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



تقرير: وزير الدفاع الصيني يخضع للتحقيق بتهمة الفساد

وزير الدفاع الصيني دونغ جون (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الصيني دونغ جون (أ.ف.ب)
TT

تقرير: وزير الدفاع الصيني يخضع للتحقيق بتهمة الفساد

وزير الدفاع الصيني دونغ جون (أ.ف.ب)
وزير الدفاع الصيني دونغ جون (أ.ف.ب)

أفاد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون بأن وزير الدفاع الصيني، الأميرال دونغ جون، يخضع للتحقيق بتهمة الفساد، في خطوة تمثل أحدث حلقة بسلسلة من الفضائح التي طالت كبار المسؤولين في «جيش التحرير الشعبي»، وفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز».

ووفقاً للمصادر، فإن التحقيق مع دونغ -وهو ما نفته بكين- جزء من عملية أوسع تشمل محاربة الفساد داخل الجيش، الذي يعدّ من أهم أذرع النظام العسكري في الصين.

تولى دونغ منصب وزير الدفاع في ديسمبر (كانون الأول) 2023 بعد إقالة سلفه الجنرال لي شانغفو، الذي عزلته الحكومة الصينية بدعوى تورطه في قضايا فساد. ويُعدّ دونغ الوزير الثالث على التوالي الذي يخضع للتحقيق في قضايا مماثلة، مما يثير تساؤلات حول فاعلية الإجراءات التي يتخذها الرئيس شي جينبينغ لمكافحة الفساد في المؤسسات العسكرية.

ونقلت الصحيفة البريطانية في وقت سابق عن مسؤولين أميركيين قولهم إن التحقيق مع وزير الدفاع يأتي في وقت حساس؛ إذ يشهد الجيش الصيني حملة واسعة ضد الفساد، شملت أيضاً قادة آخرين للجيش؛ من بينهم وي فنغه، الذي جرى التحقيق معه بعد تقاعده. ورغم أن التهم الدقيقة ضد دونغ لم تُكشف بعد، فإن هذه التطورات تشير إلى أن شي جينبينغ يوسع نطاق تحقيقاته لتشمل جميع أفرع «جيش التحرير الشعبي».

يُذكر أن التحقيق مع دونغ يأتي بعد أسبوع من مشاركته باجتماع دفاعي آسيوي في لاوس، حيث رفض لقاء وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وهو ما وصفه الأخير بالمؤسف.

وتتهم الصين الولايات المتحدة بالمسؤولية عن هذا الموقف بسبب موافقتها على تقديم شحنات أسلحة إلى تايوان، التي تتضمن لأول مرة صواريخ متطورة مضادة للطائرات.

وبينما نفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، تقارير التحقيق مع دونغ، مشيرة إلى أنها أخبار غير مؤكدة، فإن المحللين الأميركيين يرون أن هذه التطورات قد تؤثر في قدرة الصين على تحقيق أهدافها العسكرية، خصوصاً فيما يتعلق بالخطط المتعلقة بغزو تايوان بحلول عام 2027، وهو الهدف الذي حدده شي جينبينغ.

في النهاية، تثير هذه التحقيقات تساؤلات حول كيفية اختيار الرئيس الصيني وزراء الدفاع، وما إذا كانت الإصلاحات العسكرية التي ينفذها تحقق النتائج المرجوة.