يبدو أن الاقتصاد الأميركي يمتلك قدرة على تحمل الضربة التي تسبب بها ارتفاع قيمة الدولار وانخفاض النمو العالمي بصورة أفضل مما أظهرته سوق الأسهم المالية في الأسبوع الماضي.
بلغ حجم مبيعات الأجانب في العام الماضي 46.3 في المائة من أرباح الشركات في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 لعام 2013، مما جعلها أكثر عرضة للتأثر بارتفاع قيمة الدولار والتراجع الاقتصادي الذي حدث مؤخرا في أوروبا وآسيا وفقا لمؤشرات (إس أند بي داو جونز) في نيويورك. وفي المقابل، تشكل الصادرات الأميركية 13.5 في المائة فقط من حجم الاقتصاد.
صرح جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين في مجموعة (غولدمان ساكس) قائلا: «إن الاقتصاد الأميركي أقل انفتاحا من قاعدة أرباح (إس أند بي). وهناك أسباب جيدة تجعلنا نعتقد أن النمو سوف يستمر أعلى من الاتجاه السائد».
ويرى هاتزيوس أنه من المتوقع أن تحقق الولايات المتحدة زيادة بنسبة 3.2 في العام المقبل، لتتجاوز المعدل السنوي المتوسط الذي بلغ 2.2 في المائة من انتهاء حالة الركود في يونيو (حزيران) عام 2009. ساعدت الصورة الأكثر إشراقا على تهدئة التوترات في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي الذي عقد في واشنطن في نهاية الأسبوع الماضي، بيد أن مخاوف متجددة بشأن الاقتصاد الأوروبي سادت محل ذلك.
قالت كارين دينان مساعدة وزير الخزانة الأميركي لشؤون السياسات الاقتصادية، في مؤتمر صحافي نظمه معهد التمويل الدولي: «إن الاقتصاد الأميركي انتقل أخيرا إلى فئة أعلى. وهناك قدر جيد من القوة الدافعة».
يبعث ذلك على الارتياح في وقت تقف فيه منطقة اليورو على حافة الوقوع في ثالث فترة من الركود منذ عام 2008، وتعاني الصين من هبوط أسعار العقارات، وأضر ارتفاع ضريبة الاستهلاك على تعافي اليابان. ويشار إلى أن هذا الهدوء رفع مؤشر بلومبرغ للدولار بنسبة نحو 7 في المائة منذ يونيو.
انزعاج في الخارج
تحول المستثمرون إلى الانزعاج في الخارج في الأسبوع الماضي، بعد أن حقق مؤشر ستاندرد أند بورز 500 أكبر هبوط أسبوعي له منذ عامين، حيث انخفض بنسبة 3.1 في المائة ليصل إلى 1.906.13 وفي مؤشرات أخرى تبعث على القلق، انخفضت عائدات سندات الخزانة الأميركية وهبط سعر النفط بأكبر نسبة منذ شهر يناير (كانون الثاني) ليدخل إلى السوق المضاربة على الهبوط.
طرح جواشيم فيلس، كبير الخبراء الاقتصاديين في مورغان ستانلي، سؤالا على الجمهور الحاضر في إحدى جلسات مؤتمر صندوق النقد الدولي قائلا: «هل تستطيع الولايات المتحدة بالفعل أن تكون جزيرة للنمو؟ تخبرنا الأسواق المالية في الأيام القليلة الماضية أن هذا غير محتمل».
كما بدأ مسؤولو مصرف الاحتياطي الفيدرالي في توخي الحذر.
وقال نائب رئيس مجلس إدارته ستانلي فيشر في 11 أكتوبر (تشرين الأول): «إذا كان النمو الأجنبي أقل من المتوقع، فقد تؤدي تداعيات ذلك على الاقتصاد الأميركي إلى التحول ببطء أكبر مما إذا حدث العكس». وصرح محافظ المصرف دانيال تارولو في اليوم ذاته أنه «قلق بشأن النمو حول العالم في الوقت الحالي». وجاءت تصريحات كلا المسؤولين في أثناء مؤتمر صندوق النقد الدولي.
خطوات السوق
قال هاتزيوس إذا وضعت تلك العوامل معا، سيكون تأثير خطوات السوق العالمية المتنوعة على الاقتصاد المحلي متساويا تقريبا. وفي الوقت الذي يقوض فيه ارتفاع قيمة الدولار من حجم الصادرات، وتحد فيه الأسهم المالية المنخفضة من الثروة، سيكون انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل وأسعار الطاقة إضافة إيجابية للاقتصاد.
يرى مايكل فيرلوي، كبير الخبراء الاقتصاديين في (جي بي مورغان تشايس ومشاركوه) في نيويورك أنه يوجد «تميز مؤقت» في الطريقة التي تتحرك بها السوق سوف يؤثر على النمو. وأضاف أن انخفاض سعر البنزين سوف يرفع من حجم إنفاق المستهلك «في غضون ربع أو ربعين سنويين» في حين أن تراجع قيمة الدولار بعد ارتفاعه سوف تستغرق عاما أو أكثر.
يبدو أيضا أن الرواتب على وشك الارتفاع، على حد قول مارك زاندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في موديز أناليتكس التي يقع مقرها في ويست تشيستر ببنسلفانيا. ويظهر مؤشر تعده شركة موديز باستخدام بيانات الرواتب من معهد أبحاث (إيه دي بي) ارتفاع الرواتب بنسبة 4.1 في المائة عن العام الماضي في إطار تأقلمها مع معدل التضخم.
تحملت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من الصدمات على مدار الأعوام القليلة الماضية، بداية من أزمة ديون اليورو في عام 2011 و2012 إلى أزمة منتصف عام 2013 التي شهدت ارتفاعا صاروخيا لأسعار الفائدة طويلة الأجل، بحسب قول جيمس سويني، المدير الإداري للاستراتيجية العالمية في (كريدي سويس غروب) في نيويورك، الذي يرى عدم وجود أسباب تدعو إلى التفكير في أن يختلف الأمر هذه المرة.
يُشبّه جاي برايسون، الخبير في الاقتصاد العالمي في شركة ويلز فارغو للأوراق المالية في تشارلوت بنورث كارولاينا، البيئة الحالية بالأزمة الآسيوية التي حلت في عام 1998 والتي قوضت الأسواق المالية ولكنها لم تكن كافية لتحويل مسار النمو الأميركي القياسي.
وأضاف بأن بقية العالم سيكون عليه أن يعاني من «انهيار معلن» لكي يلحق ضررا بالولايات المتحدة وذلك في ظل اعتماد ثلثي الاقتصاد على الخدمات بنسبة أكبر كثيرا من الصادرات.
تشير المؤشرات الصادرة الأسبوع الماضي إلى أن الاقتصاد الأميركي يتجه إلى الأمام. فقد انخفضت أعداد الأميركيين المتقدمين بطلبات للحصول على إعانة البطالة في الأسبوع المنتهي في 4 أكتوبر، ليصل المتوسط على مدار الشهر الماضي إلى أقل معدل منذ 8 أعوام، بحسب ما أعلنته وزارة العمل الأميركية. كذلك ارتفعت الوظائف الشاغرة إلى أعلى معدل لها منذ 13 عاما في شهر أغسطس (آب)، حيث اكتسب أصحاب العمل ثقة في أكبر نظام اقتصادي في العالم. ولكن يظل السؤال حول مدى النفوذ الذي يمكن أن تمارسه الولايات المتحدة في الخارج. يتوقع ناريمان بهرافيش رئيس الخبراء الاقتصاديين في (آي إتش إس) بأن تكون الولايات المتحدة حاليا «محركا للنمو العالمي» لأول مرة منذ الركود العالمي الذي حل في عام 2009.
ومن بين الأسباب التي تدعو إلى الاعتقاد بأنها لن تكون محركا قويا كما كانت في الماضي هو انخفاض عجز الحساب الجاري إلى أدنى مستوى منذ عام 1998، وقلة الحاجة إلى الطاقة المستوردة نظرا لثورة النفط الصخري، بالإضافة إلى حقيقة أن حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد انخفضت. يقول ستيفن كينغ، رئيس الخبراء الاقتصاديين في (إتش إس بي سي القابضة): «كانت الولايات المتحدة مصدرا للاستقرار قبل عام 2007. ومنذ حلول الأزمة المالية توقفت الولايات المتحدة عن تأدية هذا الدور».
أشار سام ستوفال، المخطط الاستراتيجي للأسهم الأميركية في (إس أند بي كابيتال) بنيويورك، إلى أن مخاوف السوق المالية من أن تنجرف الولايات المتحدة في موجة تراجع اقتصادي عالمي سوف تتنحى جانبا، متوقعا أن يرتفع مؤشر (إس أند بي 500) إلى 2.200 خلال الأشهر الـ12 المقبلة.
وقال ستوفال: «إن الخيارات محدودة للغاية أمام المستثمرين الدوليين إلى درجة أنهم يقولون: إن أفضل الفرص تأتي من الولايات المتحدة».
أوضح روبرتو بيرلي أحد المشاركين في (كورنر ستون ماركو) بواشنطن أن المستثمرين ربما يدركون سريعا أيضا أن هناك جانبا إيجابيا في الأسهم الأميركية نتيجة لضعف النمو في الخارج حيث تحد من أسعار السلع وعائدات السندات والتضخم مما يمنح دفعة للمستهلكين والشركات.
وقال في فيديو لمحاضرة أقيمت في 10 أكتوبر: «لقد انفصل الاقتصاد الأميركي عن اقتصادات كبرى أخرى» مضيفا أن ذلك قد يقدم في النهاية «ميزة صافية» للأسهم الأميركية.
* خدمة «نيويورك تايمز»