من التاريخ: قناع فوكس

من التاريخ:  قناع فوكس
TT

من التاريخ: قناع فوكس

من التاريخ:  قناع فوكس

«تذكر تذكر الخامس من نوفمبر» هكذا يغني البريطانيون في مساء الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) لتذكير أنفسهم في احتفالية مهيبة في الميادين بأكبر عملية إرهابية حتى هذا التاريخ، وهي المعروفة بـ«مؤامرة البارود Gunpowder Plot» عندما حاول مجموعة من الكاثوليك تفجير مبنى البرلمان أثناء احتفالية افتتاح الملك لمجلس اللوردات في هذا اليوم. وحقيقية الأمر أن جذور هذه الواقعة ترجع إلى عام 1534 عندما أصر الملك هنري الثامن على الانفصال بالكنيسة في إنجلترا عن البابا لرفضه منح ملك إنجلترا إلغاء لزواجه من «كاثرين الأرجونية» ليتسنى له الزواج من محبوبته «آن بولين» خاصة مع وجود مشكلات مرتبطة بإيجاد ولي للعهد. وقد استمر استقلال الكنيسة الإنجليزية لفترة زمنية محددة حتى وفاة الملك هنري الثامن، ولكنها سرعان ما عادت لأحضان الكنيسة الكاثوليكية على أيدي خليفته، لتعود مرة أخرى للاستقلال مع الملكة إليزابيث الأولى في عام 1558، وقد استمر هذا الوضع المقلق داخليا خاصة مع بقاء نسبة غير قليلة من الشعب على مذهبه الكاثوليكي، وهو ما جعلهم عرضة للاضطهاد والتعذيب المستمر على أيدي حكم الملكة، ولكن بموتها وتولي الملك جيمس الأول زادت الآمال في احتواء هذا الاضطهاد، ولكن هذا لم يحدث خاصة مع شروعه في حظر المذهب الكاثوليكي في البلاد، وهو ما دفع مجموعة من الكاثوليك للسعي للتخلص من هذا الملك.
بدأ هذا المخطط على أيدي مجموعة تحت قيادة شخصية تدعى كاتسبي، الذي وضع مخططه لتفجير مبنى البرلمان عندما يقوم الملك بافتتاح جلسة مجلس اللوردات، وقد انضم لهذه المجموعة شخصية جيي فوكس بوصفه خبيرا في المفرقعات واستخدام البارود. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن المتآمرين فكروا بادئ الأمر في شق نفق تحت مبنى البرلمان من أجل الوصول إلى القبو تحت القاعة التي سيجتمع فيها الملك بما يمكنهم من تفجير تلك القاعة التي تضم الملك وكل رجال الدولة، وذلك في الوقت الذي سيسافر باقي المتآمرين إلى الشمال لتحريك الانتفاضة الكاثوليكية في البلاد، وترك الأمر إلى «فوكس» ليتولى عملية التفجير. وتختلف الروايات التاريخية في هذا الإطار بين رافض لهذه الفكرة لاستحالة شق هذا النفق، وأصحاب نظريات أخرى. وتُرجح الروايات الأخرى أن المخطط اعتمد على تأجير المتآمرين لتفجير قبو البرلمان، وتمكنوا من إدخال 36 برميلا من البارود تدريجيا على فترة زمنية ممتدة، خاصة أن المؤامرة بدأت قبل التاريخ المحدد لتنفيذها بأكثر من عام.
وعلى الرغم من دقة الترتيبات والتفاصيل الخاصة بالمخطط، فإنه فشل بأسرع مما كان متوقعا. وهنا يختلف المؤرخون أيضا حول السبب الحقيقي لإفشاء المخطط، فيرى فريق منهم أن السبب الرئيس كان رسالة وصلت إلى اللورد مونتيجل، أحد رجال الدولة الكاثوليك بالبلاط الملكي، تحذره من الذهاب إلى البرلمان في ذلك اليوم. ويقال إن الرجل كان ولاؤه للملك مطلقا، وبالتالي وجه الملك بقيام الحرس بتفتيش البرلمان تفتيشا كاملا، حيث جرى العثور على «فوكس» وهو بداخل المبنى يجهز الأخشاب تحت براميل البارود استعدادا لتفجيرها في الوقت المتفق عليه، ليلقى القبض عليه على الفور ويُرسل إلى سجن لندن حيث جرى تعذيبه بأمر مباشر من الملك للاعتراف بأعوانه، ولم يستطع الرجل تحمل التعذيب فأفشى السر بالكامل، وبدأت عملية مطاردة أعوانه الذين فروا إلى الشمال، وقد جرى إلقاء القبض عليهم بمن فيهم المنظم الأساسي للمؤامرة، وجرى إعدامهم بعد المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.
تشير بعض المصادر التاريخية إلى وجود عدد من النقاط التي قد تلقي بظلالها على هذه القصة كما يجري تداولها، وعلى رأسها أن تجارة البارود كانت حكرا على الدولة، ومن ثم، فإن حصول المتآمرين على هذا الكم من البارود يعد أمرا مشكوكا فيه، وهو ما يرجح وجود مشاركة من داخل البلاط الملكي في هذه المؤامرة؛ إما للتخلص من الملك، أو لكشف المؤامرة في الوقت المناسب حتى يمكن إيجاد سبب مباشر لمزيد من الاضطهاد للكاثوليكية في البلاد، بما يفتح المجال أمام تصفيتهم تماما خلال المرحلة التالية، وهو ما جرى بطبيعة الحال، خاصة بعد الحرب الأهلية البريطانية التي اندلعت بعدها بثلاث حقب تقريبا.. بينما يشكك فريق آخر من المؤرخين في الخطاب الموجه إلى اللورد مونتيجل ذاته، ويرون أنه مشكوك فيه من الأساس، وأن أحد الأسباب وراء كشف المخطط كان ازدياد عدد المشاركين في المؤامرة مع مرور الوقت بما سمح بإفشاء المخطط لكثرة العالمين به.
وأيا كانت الأسباب التي كشفت المؤامرة أو الحقائق المرتبطة بها، فإنه مما لا شك فيه أن هذه المؤامرة الإرهابية ثابتة في التاريخ، ويظل البريطانيون إلى يومنا هذا يحتفلون بذكراها كل عام.
تعد هذه الواقعة الشهيرة بكل المقاييس أكبر عمل إرهابي مخطط حتى تاريخه، فالعالم لم يعرف حتى هذا الوقت عملية إرهابية بهذا الحجم أو العمق، التي لو نجحت لكان لها دورها المتوقع في القضاء على كل رموز الدولة الإنجليزية بشكل يكاد يكون كاملا، وزيادة فرص تغيير الهوية الإنجليزية حتى يومنا هذا بإدخال العنصر الكاثوليكي مرة أخرى في المعادلة السياسية. كما أن هذه الواقعة بكل تأكيد تنفي مزاعم من يسعون لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، فمخططو هذه العملية الإرهابية التي لم تنجح كانوا من الكاثوليك، وكانت موجهة ضد ما يمثله النظام الإنجليزي وكنيسته، لتؤكد أن الإرهاب بحق ليس له دين أو هوية أو قومية، وأنه سلوك إنساني مستخدم منذ القدم. ولكن هذا ليس العنصر الغريب الوحيد هنا، فالمستغرب له أن شخصية جيي فوكس بدأت تظهر خلال السنوات القليلة الماضية كنوع من الرمز للثورة، خاصة بعد ظهور فيلم الخيال العلمي المستقبلي بإنتاج أميركي - ألماني بعنوان «في للانتقامV for Vendetta» الذي كان البطل يلبس فيه قناع جيي فوكس ليفجر حكومة النظام السياسي الشمولي في بريطانيا تأثرا بهذا الرجل..
ولكن السؤال المُحير الذي لم أجد له إجابة شافية حتى الآن هو: ما سبب انتشار هذا القناع في العديد من دول الشرق الأوسط؟!



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.