الصراع الأميركي ـ الإيراني على خط احتجاجات العراق

الصدر يهاجم واشنطن من طهران... والبرلمان يستضيف المبعوثة الأممية اليوم

TT

الصراع الأميركي ـ الإيراني على خط احتجاجات العراق

دخلت الاحتجاجات العراقية دائرة الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران لكن من بوابة الانتخابات المبكرة التي دعت إليها واشنطن وأعلنت رفضها لها العديد من القوى والكتل والأحزاب السياسية. دوافع الولايات المتحدة بإجراء الانتخابات المبكرة بدت بالنسبة إلى القوى السياسية والحزبية، لا سيما المقربة من إيران، محاولة من واشنطن لتغيير المسار السياسي لصالحها وبالضد من إيران. من جهتها فإن إيران لها رأي مضاد يقوم على أساس بقاء الوضع على ما هو عليه بما في ذلك عدم إقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، مع المضي بإجراء إصلاحات جدية لكن في إطار جسم النظام السياسي الحالي.
وبينما لم يقتنع المتظاهرون بأيٍّ من الخطوات أو الإجراءات أو الوساطات التي تقوم بها الأمم المتحدة، مستمرين في رفع سقوف مطالبهم التي من بينها إقالة الحكومة كحد أدنى، يسود القلق أوساط الطبقة السياسية العراقية بكل رئاساتها وقواها وزعاماتها السياسية والحزبية مما ورد على لسان المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني الذي حذر من «مسار آخر» يمكن أن يتم اعتماده في حال فشلت «الرئاسات الثلاث في حل مطالب المتظاهرين».
وفي موازاة ذلك قدم الرئيس العراقي برهم صالح، مشروع قانون انتخابات جديد تضمن فقرات أساسية من شأنها الحد من سلطة الأحزاب الحاكمة التي تتصدر المشهد السياسي الآن. فالقانون يحوّل العراق إلى دوائر انتخابية متعددة بما في ذلك القضاء ويخفّض سن الترشيح لعضوية البرلمان من 30 سنة إلى 25، ويقلل مقاعد البرلمان بنسبة 30% ويعتمد مبدأ الفائز الأعلى. وأبلغ مصدر في رئاسة الجمهورية «الشرق الأوسط» أن «مشروع القانون الذي أعده خبراء ومستشارون بمشاركة واسعة من رجال القانون والأكاديميين وممثلي النقابات والاتحادات سوف يقدم إلى البرلمان بصورة مشتركة مع مشروع قانون مماثل يجري إعداده من قبل رئاسة الوزراء». وأضاف أن «الهدف من توحيد مشروعي القانونين من قبل رئاستي الجمهورية والوزراء هو لحسم مسألة الجنبة المالية التي قد يتضمنها مشروع القانون».
ورداً على سؤال بشأن ما يثار الآن من دعوات أميركية إلى إجراء انتخابات مبكرة، قال المصدر المسؤول إن «رئاسة الجمهورية أصدرت توضيحاً رسمياً بهذا الشأن أكدت فيه أن الإصلاح المنشود في العراق هو قرار عراقي بامتياز، ويأتي استجابةً لإرادة العراقيين، ولا يمكن أن يخضع لإملاءات خارجية، فأي تدخل خارجي مرفوض وغير مقبول».
وفي هذا السياق أكد الدكتور عامر حسن فياض عميد كلية النهرين للعلوم السياسية لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحل يفترض أن يكون عراقياً أولاً وأخيراً وبالتالي حين ننظر إلى ما يتحدث به الآخرون لا سيما دعوة واشنطن إلى إجراء انتخابات مبكرة هي لا تعني من خلال هذه الدعوة تحقيق مطالب المتظاهرين بقدر ما تعني فيها استثمار هذه المظاهرات في سياق صراعها مع إيران». ورداً على سؤال عما إذا كان ذلك مدخلاً لتدخل دولي، وهو ما دعا القيادات السياسية العراقية إلى رفض مبدأ التدخل الدولي، يقول فياض: «في الوقت الذي تبدو فيه ردود الفعل العراقية مبررة لهذه الوجهة لكن مبدأ التدخل الدولي يمكن أن يحدث حيال حادث فردي في العالم، حيث نحن في زمن العولمة وليست مظاهرات كبيرة سقط فيها ضحايا لذلك ينبغي عدم الخشية من ذلك لجهة القول إن ما يجري مؤامرة»، مشيراً إلى أن «الجميع يتفق على أن المظاهرات لها مطالبها المشروعة وبالتالي هي حقيقية وليست مؤامرة، لكن هناك من يريد توظيفها، وهذا شأن آخر».
وبشأن «المسار الآخر» الذي أشار إليه المرجع السيستاني خلال استقباله المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت، أول من أمس، في مكتبه بالنجف، يقول فياض إن «المسار الآخر الذي ورد في تصريحات المرجع الأعلى يمثل ثلاث رسائل: الأولى رسالة للحكومة، وهي رسالة القلق وذلك للخشية من ألا تكون السلطات الرسمية قادرة على تحقيق الإصلاح، وبالتالي هي رسالة تحذير لا خوف، حيث يمكن أن يكون المسار الآخر هو إقالة الحكومة والبرلمان أو إجراء انتخابات مبكرة أو أي طريقة تصح أن تكون بديلاً للانسداد السياسي الحالي». وأوضح فياض أن «الرسالة الثانية هي التي يمكن أن نسميها رسالة الرفض وهي موجّهة إلى القوى الخارجية الإقليمية والدولية ودعوتها إلى عدم التدخل بالشأن العراقي. بينما الرسالة الثالثة هي رسالة الإقرار بحقوق المتظاهرين».
وفي سياق ردود القوى السياسية العراقية، أعلن رئيس تيار الحكمة الوطني المعارض عمار الحكيم، رفضه التدخل الخارجي، وقال في بيان إن «العراق للعراقيين حقيقة ناضل من أجلها أبناء هذا الشعب الأبيّ وقدموا دماءً ودموعاً وتضحيات جساماً من أجل عزتهم وكرامتهم وأنهم أبناء وطن واحد يجمعهم مصير مشترك». وأضاف الحكيم: «إننا إذ نجدد تأكيدنا وإيماننا الراسخ بهذه الحقيقة فإننا نُدين كل أشكال التدخل الخارجي في الشأن الداخلي العراقي»، مبيناً أن «العراقيين قادرون على معالجة مشكلاتهم ضمن مؤسساتهم الدستورية».
أما زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وفي أول رد فعل له بعد فترة صمت منذ أكثر من أسبوع حيث يوجد في إيران حالياً، فقد هاجم الولايات المتحدة بعد مطالبتها بإجراء انتخابات مبكرة. وقال الصدر في بيان له: «مرة أخرى تثبت (أميركا المحتلة) أنها (حشرية) وتتدخل بشؤون الآخرين، العراق عراق الشعب... وهو من يقرر مصيره خصوصاً إذا التفتنا إلى أن احتلالها هو مَن جلب الفاسدين وسلّطهم على رقاب الشعب وأنها تطالب بعدم حجب (الإنترنت) على الرغم من أنها المتحكم الأكبر بتلك الشبكة». وأضاف: «كفاكم تدخلاً بشؤوننا فللعراق كبار يستطيعون حمايته ولا يحتاج إلى تدخلات لا منكم ولا من غيركم، وإننا وإنْ طالبنا بانتخابات مبكرة لكننا لن نسكت إن كان بإشراف أميركي ولن نسمح لأميركا بركوب الموج لتحويل العراق إلى سوريا وإلى ساحة صراع أخرى».
إلى ذلك أعلن البرلمان العراقي أنه قرر استضافة ممثلة الأمم المتحدة في العراق خلال جلسته المقرر عقدها اليوم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».