أفلحت الضغوط التي مارسها المتمردون الحوثيون الشيعة في اليمن على الرئاسة اليمنية، من أجل التراجع عن قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي تكليف مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك، لرئاسة حكومة الوفاق الوطني.
وهدد الحوثيون بالخروج في مسيرات حاشدة في صنعاء، واتهموا الرئيس بالانصياع إلى جهات خارجية، مما أرغم بن مبارك على إعلان اعتذاره أمس عن تشكيل الحكومة، في رسالة وجهها إلى الرئيس هادي.
وأعلنت الرئاسة اليمنية في وقت لاحق قبولها اعتذار رئيس الوزراء المكلف، في ضوء رفض الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الرئيس السابق علي عبد الله صالح لترشيحه، في الوقت الذي بحث فيه الرئيس اليمني، أمس، تطورات الأوضاع على الساحة اليمنية مع سفراء الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية.
وكان الرئيس هادي شكل لجنة من 4 شخصيات لمعالجة تداعيات الرفض الذي قوبل به تكليف بن مبارك. وعقدت اللجنة لقاء مطولا مع هادي، وتوصلت إلى قرار يقبل بموجبه اعتذار بن مبارك، ويدعو مستشاريه للبدء في اختيار رئيس وزراء جديد، في مقابل أن يتوقف الحوثيون عن الخطوات التصعيدية التي كانوا يعتزمون القيام بها في العاصمة صنعاء، اعتبارا من أمس. وضمت اللجنة الرئاسية الدكتور أحمد عبيد بن دغر نائب رئيس الوزراء، والدكتور علي حسن الأحمدي رئيس جهاز الأمن القومي (المخابرات)، وعبد القادر هلال أمين العاصمة، ومحمد قحطان القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وتشير معلومات خاصة حصلت عليها «الشرق الأوسط» إلى أن بن مبارك طُلب منه، من قبل اللجنة الرئاسية، التقدم باعتذار عن رئاسة الحكومة، تفاديا للمشكلات الراهنة، خاصة في ظل تصعيد الحوثيين الذين طالبت مجاميع منهم، أمس، وعقب الحادث الانتحاري الذي استهدفهم في ميدان التحرير بصنعاء، والذي أسفر عن سقوط أكثر من 50 قتيلا وعشرات الجرحى، باستقالة الرئيس هادي، في إشارة إلى عدم قدرته على قيادة البلاد، في حين يراهن الرئيس اليمني على الدعم الإقليمي والدولي من أجل تجاوز هذه الأزمة.
ولبحث التداعيات الجارية على الساحة اليمنية وموضوع رفض رئيس الوزراء المكلف، التقى الرئيس هادي، أمس، سفراء الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية، وذكرت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أنه استعرض مع السفراء «طبيعة الإجراءات التي أدت إلى ترشيح الدكتور أحمد عوض بن مبارك لرئاسة الحكومة، وفقا لمعطيات ديمقراطية، وقبول الاعتذار بناء على طلب اللجنة التي شُكّلت لحل ملابسات الأزمة».
وقال هادي إن «الحرص على الأمن والاستقرار والوحدة هو همنا الأول، وكذا تجنيب كارثة الصدام والحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر»، وأضاف أنه «من أجل اليمن واستقراره وأمنه لا بد من التنازل لبعضنا البعض، وبما يكفل تجاوز التحديات الماثلة والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد»، وأن «الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني لا يسمح باستمرار هذا النهج، وعلى الجميع تحكيم العقل والمنطق وبموضوعية مطلقة، وتغليب مصلحة الوطن العليا، بدلا من زعزعة أمنه واستقراره وتهديد أمنه الاجتماعي».
ودعا الرئيس اليمني سفراء الدول الـ10 الراعية والضامنة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلى أن تتحمل «مسؤوليتها إزاء أمن واستقرار اليمن، والعمل من أجل استكمال ما تبقى من شروط المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل ووثيقة السلم والشراكة الوطنية المبنية على أساس مخرجات الحوار الوطني».
ومن المتوقع أن تجري جولة مشاورات جديدة خلال الساعات القليلة المقبلة، من أجل تسمية رئيس جديد للوزراء بعد اعتذار بن مبارك، وقال مصدر سياسي يمني إن المشاورات ستضم جميع القوى في الساحة اليمنية، إضافة إلى الدول الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن لجان وساطة جديدة تقوم بالتواصل مع جماعة «أنصار الله الحوثيين» من أجل وقف التصعيد والتهدئة والعودة إلى المفاوضات للتوافق على شخصية رئيس الحكومة المقبل.
وما زال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، ويرفضون تسليم سلاحهم الثقيل والمتوسط، وممارسة العمل السياسي بوصفهم إحدى القوى، رغم الاتفاقات الموقعة مع الحكومة اليمنية، وقال محللون سياسيون لـ«الشرق الأوسط» إن «التصعيد الحوثي المتمثل في دخولهم واحتلالهم للعاصمة صنعاء يفتح المجال لاستقطاب تنظيمات إرهابية متطرفة كتنظيم القاعدة»، مما يدخل البلاد في صراع من خلال العمليات الانتحارية التي يمكن أن تستمر، بحسب قول المراقبين الذين يؤكدون أن «الحوثيين يسعون إلى استمرار الأزمة حتى يبسطوا سيطرتهم على جميع مفاصل الدولة، بدليل أنهم بدأوا في المطالبة برحيل الرئيس عبد ربه منصور هادي، فيما يسمونه الثورة الشعبية التي بدأت بمطالب تتعلق بالإجراءات الاقتصادية، وتحولت إلى احتلال للمقار والمباني الحكومية والعسكرية».
وأعرب مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» عن استغرابه من تحميل الحوثيين المسؤولية للحكومة والرئاسة بشأن الحادث الانتحاري والأوضاع الأمنية في صنعاء.. «في ظل أنهم هم من قام بشل عمل الأجهزة الأمنية ونشروا ما سموه اللجان الشعبية في صنعاء وغيرها من أجل حفظ الأمن، حسبما يقولون، وهم من يتحمل الآن عواقب الأمور لأن مسيراتهم وتحركاتهم لو لم تكن مسلحة ومتشددة، وتُرك للأجهزة الأمنية حمايتها وهي سلمية، لما حدث أي تطور أمني في هذا السياق»، حسب المصدر، الذي أكد إدانة جميع الأطراف هذا الحادث «الإرهابي».
ضغوط الحوثيين تسفر عن انسحاب مرشح هادي لرئاسة الحكومة
الرئيس اليمني يستنجد بالدول الراعية للمبادرة الخليجية ويدعوها إلى تحمل مسؤوليتها إزاء بلاده
ضغوط الحوثيين تسفر عن انسحاب مرشح هادي لرئاسة الحكومة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة