عندما تتفتح الورود شتاء

المفترض فيها حالياً أن تبدو نسوية أكثر منها أنثوية

«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020)   ... وعرض آخر لـ «فالنتينو»  -  من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل
«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020) ... وعرض آخر لـ «فالنتينو» - من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل
TT

عندما تتفتح الورود شتاء

«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020)   ... وعرض آخر لـ «فالنتينو»  -  من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل
«فالنتينو» (هوت كوتور خريف وشتاء 2020) ... وعرض آخر لـ «فالنتينو» - من اقتراحات ريتشارد كوين للموسم المقبل

لعل كثير منا يتذكر ردة فعل النجمة ميريل ستريب، في فيلم «الشيطان يلبس برادا»، وهي تنتقد بسخرية اقتراح إحدى الخبيرات عن موضة الورود، قائلة: «ورود؟ وفي فصل الربيع؟ يا لها من فكرة ثورية». ردة فعلها مفهومة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الموضة تظهر دائماً في موسمي الربيع والصيف. لو قيل لميريل ستريب (التي كانت تُجسد شخصية أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الأميركية، في الفيلم آنذاك) إنها لفصل الشتاء، لكانت ردة فعلها مختلفة تماماً. كانت ستتقبلها كفكرة تخض المتعارف عليه حينذاك، بأن هذه الموضة حكر على الربيع والصيف. فهذا هذا هو دور الموضة: أن تبحث عن أفكار جديدة. وإن لم تنجح، فعلى الأقل تُطوع القديم بشكل جديد مبتكر. وبعد صدور الفيلم بفترة، ظهرت آنا وينتور بمعاطف مطرزة بالورود، فيما يمكن اعتباره إقراراً بأن هذه الموضة لم تعد تعترف بالفصول والمواسم، ولا بالمكانة الاجتماعية. لكن هذا التوجه أخذ شكلاً جديداً هذا الموسم، حيث طالعتنا كثير من النجمات والشخصيات به. وملكة إسبانيا ليتيزيا مثلاً اعتمدته من خلال فستان سهرة مغطى بالكامل بالورود، خلال حضورها حفل تنصيب ناروهيتو إمبراطوراً لليابان.
وسواء أعجبنا بفستان الملكة أم لا، فإن الموضة قالت رأيها هذا الموسم: إن نقشات الورود حاضرة وبقوة. وكانت هناك محاولات لإيجاد مضادات تحل محلها، وتُخفف من وهجها، من دون نتيجة، فقد بينت عبر العقود أنها قد تتراجع قليلاً، إلا أنها سرعان ما تتفتح من جديد، لسبب بسيط لخصه النحات الفرنسي أوغست رودان بقوله إنها «تتحاور مع الفنانين والمُبدعين عندما تتمايل أوراقها وتتفتح بتلاتها». وفي الخمسينات من القرن الماضي، تبنى المصمم كريستيان ديور هذه الموضة، وكانت له مقولة شهيرة في هذا الصدد، مفادها أن «أجمل شيء منحه الله للعباد، بعد المرأة، هو الورود». ومنذ ذلك الوقت وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنوثة والرومانسية. ولا يختلف اثنان على أنها «قديمة»، لكن ليس بمعنى أن الزمن ولى عليها، ولم تعُد مواكبة للعصر، بل بمعنى أنها ازدهرت منذ قرون في الشرق الأقصى، قبل أن تتعزز في بداية القرن الماضي في أوروبا، على يد تجار الأقمشة والعطارين، لتنتقل عدواها إلى المصمم كريستيان ديور، ومنه إلى آخرين من أمثال الثنائي «فيكتور أند رولف»، والثنائي «دولشي أند غابانا»، وجيامباتيستا فالي، وغيرهم ممن لا يتوقفون عن تجديدها. ومع هؤلاء، تأخذ دائماً أبعاداً فنية ثلاثية الأبعاد، يعتمدون فيها على الأحجام والألوان تارة، وعلى الخلفيات التي تُطبع عليها تارة أخرى، ويراعون فيها تطورات العصر إلى حد أنها يمكن أن تكون قراءة لكل حقبة.
فبعد أن سوقها الراحل كريستيان ديور للعالم من خلال فساتين طويلة وتنورات مستديرة في نهاية الأربعينات والخمسينات، أدخلتها لورا آشلي في السبعينات عصراً مختلفاً، شهدت فيه إقبالاً من الكبار والصغار على حد سواء. لكن ورودها سُرعان ما تحولت إلى نقمة لأسباب كثيرة، نذكر منها ارتباطها الوثيق بأسلوب ريفي إنجليزي يعكس أسلوب طبقة معينة. ثم جاءت موجة «الهيبيز» لتمنحها إيحاءات، عبارة عن رسائل حب تُعبر عن رغبة في معانقة الآخر وثقافات بعيدة. ومع حلول حقبة الثمانينات، بدأت هذه الموضة تتراجع قليلاً، بسبب تنكر المرأة لكل ما هو رومانسي أو يشي بالأنوثة بمعناها المثير، إذ انصب اهتمام المرأة حينها على فرض نفسها في أماكن العمل، والتأكيد أنها ليست أقل من الرجل كفاءة وقدرة على إدارة الأعمال والمؤسسات الكبيرة. ولم تكن الورود سلاحا يمكنها الاعتماد عليه، مقارنة بالألوان الترابية والخطوط المستقيمة والجاكيتات ذات الكتافات الصارمة والبنطلونات الواسعة أو المستقيمة. والطريف في هذه الحقبة أن الرجل هو من تبنى هذه الموضة، من خلال قمصان «هاواي» التي روج لها نجوم السينما والتلفزيون، مثل آل باتشينو في فيلم «سكارفيس»، وتوم سيليك في السلسلة التلفزيونية «ماغنوم بي آي»، وغيرهما. ولحسن الحظ أنها كانت مجرد صرعة سرعان ما انتهت مدة صلاحيتها، وأصبحت مجرد صورة للتفكه.
أما بالنسبة للمرأة، فإن الأمر يختلف. فرغم معانقتها للتايورات والألوان الترابية، وكل ما يرفع شعار «القليل كثير»، لم تخاصم الورود كلياً، أو بالأحرى لم تستطع ذلك، لأن بيوت أزياء مهمة، مثل «ديور»، لم تتوقف عن تقديمها في تصاميم مُغرية.
وما ساعدها على الصمود أيضاً تجددها الدائم لتناسب مستجدات كل عصر تظهر فيه. فهي اليوم تختلف عن تلك التي طرحتها المصممة لورا آشلي في السبعينات من القرن الماضي. كما أن المغرق في الرومانسية منها لم يعد مناسباً بقدر ما تحول إلى مجرد صور تُلهم المصممين الجُدد. والاختلاف يكمن في أن ورود وأزهار خريف وشتاء هذا العام تتميز بالقوة والجرأة في آن واحد. تلفت الأنظار بتناقضاتها وتضارب أحجامها، لكن من دون أن تصدم العين. والجميل فيها أنها تخففت من «حلاوة» أيام زمان، واكتسبت حداثة، بدليل تشكيلات كثير من المصممين، من نيكولا غيسكيير مصمم دار «لويس فويتون»، التي ظهرت فيها بأحجام كبيرة طبعها على أقمشة عملية أكثر منها مُترفة، إلى تشكيلة بيير باولو بيكيولي مصمم دار «فالنتينو»، حيث كانت سخية في عددها وأحجامها. ولحسن الحظ أن حرفيتها العالية وتصاميمها المميزة أنقذتها من الوقوع في فخ المبالغة. ولا يمكن عدم الحديث هنا عن تشكيلات إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، ودريز فان نوتن، وسيمون روشا، وهلم جرا ممن تفننوا فيها، كل حسب أسلوبه وفهمه لزبوناته. ومع ذلك، يبقى القاسم المشترك بينهم جميعاً أخذهم بعين الاعتبار أنها يمكن أن تكون سيفاً ذا حدين: فكما قد تكون رومانسية عصرية، يمكنها أيضاً أن تبدو «دقة قديمة»، لهذا كان أن اتفقوا على طرحها بلغة العصر الجديد: تجمع القوة بالنعومة، ولا تظهر على استحياء في جزء جانبي من فستان أو بين طيات، بل - على العكس - يمكن أن تغطيه بالكامل. كما لا يقتصر الأمر على فساتين السهرة والمساء، بل أيضاً يضم قطعاً خاصة بالنهار، تظهر فيها في أكمام أو على أكتاف، أو تتفتح على تنورة منسدلة أو ببليسيهات. والواضح في ورود هذا الموسم أنها لا تعتذر عن حجمها، ولا عن صراخ ألوانها وتضاربها، بل على العكس تماماً: كلما كانت قوية متوهجة فرضت حضورها، وليس أدل على ذلك من إبداعات مصمم دار «غوتشي»، أليساندرو ميكيلي. فهو مصمم لا يؤمن بالحل الوسط، ويقدمها بشكل مبالغ فيه. والنتيجة أنها تترك الأفواه مشدوهة والعيون مبهورة في الوقت ذاته. فكبر أحجامها وكثرة ألوانها جعلاها تبدو وكأنها لوحة رسمها فنان في لحظة إلهام سريالية. وفلسفة أليساندرو ميكيلي أن الموضة حالياً تحتاج إلى ألوان ونقشات تُحركها و«ترد لها الروح». والأهم من هذا، تتطلب تخليصها من أي إيحاءات «قديمة»، وهذا يعني أنها يجب أن تبدو نسوية أكثر منها أنثوية. الطريقة باختيارها مرسومة على خلفيات داكنة مثل الأسود، أو بأشكال عشوائية، حتى تبدو وكأنها حديقة غير مشذبة. وإذا لم يتوفر الأسود، فإن هناك ألواناً خريفية أخرى يمكن أن تفي بالمطلوب، مثل القرمزي الداكن عوض الوردي والفوشيا، أو الأزرق الغامق عوض البنفسجي، وهكذا. المصمم إيرديم موراليوغلو، مؤسس دار «إيرديم»، من بين من أعلنوا حبهم للورود، وعدم استغنائهم عنها. فمنذ بدايته، يتفنن في تطريزاتها، لكنه - مثل غيره - انتبه إلى أن الزمن تغير، وأن ما كان يناسب المرأة في السابق قد لا يناسبها في الحاضر. ومثلهم، حرص في تشكيلته الأخيرة على أن تكون أرضيتها داكنة سوداء. وعندما سُئل عن هذا التغيير، رد بأن المرأة الرومانسية التي كان يتصورها في خياله سابقاً، وكانت تمرح وتلعب في الحقول وشعرها وفساتينها تتطاير في الهواء، تختلف عن امرأة معاصرة تقضي أوقاتها في الملاهي والنوادي، وتستقل المواصلات العامة، عوض سيارة يقودها سائق خاص، لهذا كان لا بد أن يحصل هذا التغيير. ثم أضاف، وكأنه يُبرر توجهه الأخير: «هناك شيء رائع عندما يتخلل الأشياء الجميلة بعض السواد».
أما بالنسبة للمرأة، أو بالأحرى سر إقبالها على هذه الموجة، واستمتاعها بها في كل المناسبات، فيعود إلى أنها تجمع الأنيق بـ«الكاجوال»، وهو ما بات يلخص أسلوب حياتها وإيقاعه السريع. فقد تلبس بنطلون جينز عادياً، لكن ما إن تنسقه مع قميص مُورد، أو تلبس كنزة عادية مع تنورة مطبوعة بالورود، حتى تتغير الإطلالة بشكل يبث السعادة في النفس. ورغم أن هذه الموجة ولدت لمناسبات المساء والسهرة، وعلى خامات مثل المخمل والموسلين والحرير، فإنها في الوقت الحالي تناسب النهار، ولا تبدو فيه نشازاً. المهم أن تكون بكميات سخية وألوان متداخلة.
- همسات
> لا تزال هذه الورود تأخذ نكهة منطلقة ورومانسية في موسم الصيف، على العكس من فصل الشتاء الذي يجب أن تأخذ فيه شكلاً درامياً. فحتى الورود الصغيرة التي ارتبطت بلورا آشلي في السبعينات مقبولة الآن، شريطة أن تأتي على أرضية سوداء أو داكنة.
- يمكن ارتداء فستان قصير مطبوع بالورود مع جوارب سميكة وحذاء برقبة عالية. وإذا كنت تفضلين حذاء رياضياً، فمن الأفضل الاستغناء عن الجوارب.
> إذا كنت جديدة على هذه الموضة، وترهبين تأثيرها الدرامي، يمكنك الاقتصار على قطعة واحدة، مثل قميص أو كنزة مطرزة مع بنطلون عادي، أو العكس: تنورة مطرزة مع قميص بلون واحد. ولا تنسي أيضاً الاستعانة بجاكيت (بلايزر) من شأنه أن يخفف من قوتها بسهولة. وهناك أيضاً إمكانية أن تقتصر هذه الموضة على الأكسسوارات، مثل إيشارب أو حقيبة يد أو حذاء.
> ما تطرحه محلات الموضة الشعبية لا ينقصه الجمال، فهم يعرفون أنه لا مجال للاسترخاص، إذا كانوا يطمحون إلى البقاء والصمود أمام المنافسة الشرسة. لكن مع ذلك، لا بد من بعض الحذر فيما يتعلق باختيارها بأقمشة جيدة، وإلا بدت رخيصة جداً. الحرير رائج ناعم، لكن الدانتيل أو التول يمنحها بُعداً في غاية الأناقة في مناسبات المساء.
- الورود عبر التاريخ
> بغض النظر عن البيئة والجغرافيا والعمر، كانت الورود - ولا تزال - رمزاً للجمال، تبث السعادة والأمل في النفوس. ويقال إنها ظهرت على الأقمشة أول مرة في آسيا، ومنها جُلبت إلى الغرب، حيث كانت تُباع بأسعار باهظة، لأنها كانت من الحرير. وكانت وردة الفاوانيا مشهورة في الصين في عهد سلالة تانغ، في الفترة بين 618 و907 قبل الميلاد، وكانت مفضلة لدى الرسامين أيضاً، حيث كانت ترمز للجاه والقوة والرتبة العالية.
> في القرن الخامس عشر، انتقل حب الورود إلى أوروبا، لكن على الدانتيل، وهذا يعني أنه لم يكن بألوان صارخة، بل بلون القماش نفسه، وكان حينها مناسباً لكلا الجنسين.
> ظهرت الورود الكبيرة المتفتحة في القرنين السادس عشر والسابع عشر في الدولة الإسلامية على أقمشة ثقيلة غنية مثل المخمل، ولم تعد تقتصر على وردة الفاوانيا، بل شملت التوليب وزهر الرمان أكثر.
> في القرن السابع عشر، جلب التجار البريطانيون والهولنديون إلى أوروبا أقمشة من القطن من الهند مطبوعة بأنواع أخرى من الورود حققت لهم أرباحاً طائلة. ففي عام 1759، فكوا ألغازها، من طرق رسمها إلى كيفية مزج ألوانها، وأصبحوا يطرحونها بأسعار أقل. وهذا ما حصل أيضاً بعد ألف عام، أي في القرن التاسع عشر، مع انتشار الورود في أوروبا، وظهور ورشات تُقلد وتستنسخ الورود الآسيوية، لكن على أقمشة أرخص من الحرير، الأمر الذي جعلها متاحة بنسبة أكبر للناس.
> في العصر الفيكتوري، كانت الوردة المفضلة هي عباد الشمس، التي ظهرت في الأقمشة وأوراق الجدران والبلاطات.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.