أميركا توسطت بين القاهرة وأديس أبابا «خوفاً من دور روسي»

TT

أميركا توسطت بين القاهرة وأديس أبابا «خوفاً من دور روسي»

يقوم وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين بتكليف من الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدور المضيف والوسيط في المحادثات التي تجري في واشطن اليوم بين مصر وإثيوبيا والسودان حيال أزمة «سد النهضة»؛ وهو ما أثار تساؤلات حول أسباب تولي منوشين هذا الملف، وليس وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وعما إذا كانت الاجتماعات تتعلق بالتوافق السياسي بين الدول الثلاث، أم ستكون اجتماعات فنية تتعلق بالخلافات حول فترة ملء الخزان والسعة التخزينية الإجمالية للسد.
وتشير مصادر بالبيت الأبيض إلى أن الجانب الأميركي لم يكن متحمساً من الأساس في الدخول على خط الأزمة، إلا أن الضغط المصري من جانب، إضافة إلى قلق واشنطن من التدخل الروسي وعرض موسكو القيام بدور الوساطة خلال اجتماع قمة سوتشي للدول الأفريقية، دفع الإدارة الأميركية لتولي الملف. وشكل إصرار الجانب الإثيوبي على عدم إضفاء الطابع السياسي على المحادثات، إجابة محتملة للتساؤلات الخاصة بتولي وزارة الخزانة استضافة الاجتماعات.
وتقول المصادر، إن واشنطن تريد الخروج من الاجتماعات بخطوات إيجابية واتفاق من الأطراف الثلاثة حول خريطة زمنية للمفاوضات الفنية أو على أقل تقدير طرح الخلافات ومحاولة التوصل لترتيب اجتماع ثانٍ يتم فيه توقيع اتفاق، حيث ترغب الإدارة الأميركية في التوصل إلى نتائج أعمق من مجرد اللقاء وتبادل العبارات الدبلوماسية عن ضرورة التعاون والتفاوض وحل الخلافات.
وتوضح المصادر، أن الأمر يتطلب حصر الخلاف ودعوة المتنازعين للوصول إلى حلول توافقية وتوقيع اتفاقية جديدة ملزمة واضحة البنود يتم تسجيلها لدى جهة دولية مثل البنك الدولي كجهة ضامنة لبنود الاتفاق.
ويشارك مدير البنك الدولي ديفيد ماليباس في الاجتماعات؛ وهو ما يثير تساؤلات حول محاولات أميركية لاستغلال قدرات البنك الدولي وما يقوم به من مشروعات تنموية في القارة الأفريقية للضغط على الأطراف الثلاثة، وتشجيعهم للتوصل لاتفاقيات. وكانت القاهرة اقترحت تدخل البنك الدولي طرفاً رابعاً في المفاوضات، لكن رفضت إثيوبيا مراراً.
وأشارت مصادر رفيعة بالبنك الدولي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن البنك الدولي له ثلاثة أدوار محتملة خلال الاجتماع، الأول هو تقديم الخبرة الفنية بشكل محايد، واقتراح تقديم المعونات الفنية حيال أي سيناريو واتفاقيات يتم التوصل إليها على غرار ما قام به بين الهند وباكستان عام 1947.
الدور الثاني أن يقترح البنك مشروعاً تنموياً متكاملاً يشمل كل دول حوض النيل (11 دولة) وهيكلة المنظومة المائية بأكملها بما يعني إعادة إحياء مبادرة حوض النيل القديمة التي توقفت عام 2007، ويقوم البنك بإدارة مائية وتنموية. أما الدور الثالث فهو في حالة نشوب نزاع غير قابل للحل يمكن للدول اللجوء للبنك الدولي كمرجع إفتاء، وطلب الخبرة الفنية والمائية في حل النزاع.
وتقول المصادر رفيعة المستوى، إن الخطوة الأساسية في الاجتماع هي التوصل لاتفاق سياسي بين الدول الثلاث، حيث لا يتدخل البنك من دون وجود هذا الاتفاق. وعلى مدى ثمانية أعوام دخلت كلٌ من القاهرة والخرطوم وأديس أبابا في اجتماعات فنية - تخللتها اضطرابات سياسية عطلت المحادثات - حول حصص الدول من المياه وفترات ملء الخزان، والسعة التخزينية الإجمالية للسد، وما يتعلق بفترات الجفاف. ووقعت الدول الثلاث اتفاقاً إطارياً عام 2015 احتوى على عشر نقاط حول عمل السد وحصص الدول، لكن استمر الخلاف حول أسلوب التشغيل والسعة التخزينية. وأبدى الجانب المصري مرونة في تخفيض حصة المياه من 55.5 مليار متر مكعب إلى 40 مليار متر مكعب في فترة ملء الخزان على أن تزيد في فترات الجفاف، إلا أن الجانب الإثيوبي تشدد في موقفه، ألا تزيد حصة مصر على 35 مليار متر مكعب فقط. واقترحت القاهرة أيضاً مشاركة المكتب الاستشاري الهولندي دلتارس الذي أعد الدراسة الاقتصادية والبيئية والتشغيلية المتعلقة بسد النهضة بهدف مناقشة الجوانب الفنية المتعلقة بملء الخزان، إلا أن الجانب الإثيوبي استمر في تعنته برفض المقترح المصري. وتصاعد الأمر بتصريحات ثنائية حادة لوحت بصراع أحياناً وشبح عمل عسكري أحياناً أخرى، ثم تصريحات أخرى قللت من الخلافات واستبعدت أي إمكانية لمواجهة عسكرية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».