«النهضة» تُطلق مشاورات جديدة لتشكيل الحكومة التونسية

بسبب شروط حزب «التيار» و«حركة الشعب»

TT

«النهضة» تُطلق مشاورات جديدة لتشكيل الحكومة التونسية

في انتظار أن تحدد حركة «تحيا تونس»، التي يتزعمها يوسف الشاهد، موقفها النهائي من المشاركة في الحكومة التونسية المقبلة. وأكد جمال العوي المستشار السياسي لراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، عن تغيير وجهة مشاورات الحركة نحو أطراف سياسية جديدة، وفي مقدمتها حركة «تحيا تونس»، وحزب «قلب تونس»، الذي يتزعمه نبيل القروي المرشح السابق للرئاسة.
وتسعى «النهضة» من خلال هذا التوجه الجديد إلى تفادي شروط حزب التيار الديمقراطي، الذي يقوده محمد عبو بعد اشتراطه الحصول على ثلاث حقائب وزارية مهمة، تشمل العدل والداخلية والإصلاح الإداري، وتجنب مشاكل التفاوض مع حزب «حركة الشعب»، بزعامة زهير المغزاوي الذي اشترط عدم تولي شخصية من حركة النهضة رئاسة الحكومة، وإعطاء الأولوية لتشكيل حكومة «يعين رئيس الجمهورية من يشكلها»، حسب تعبيره.
وعلى الرغم من إعلان حركة النهضة خلال بداية المشاورات، التي انطلقت قبل نحو ثلاثة أسابيع، رفضها التحالف مع حزب «قلب تونس»، بسبب وجود شبهات فساد تحوم حول قياداته السياسية، إلا أن المبررات باتت مختلفة في هذا التوقيت تحديدا، بحسب عدد من المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي المحلي، وفي مقدمتها تضاعف إمكانية الفشل في تشكيل حكومة تترأسها، ولذلك خلص الحوار الداخلي لقيادات الهياكل في الجهات إلى إمكانية إدخال تعديلات على استراتيجية التفاوض مع بقية الأطراف السياسية، وباتت لا ترى أي مانع في الالتقاء مع حزب «قلب تونس» عند الضرورة.
ومن هذا المنظور بحثت هذه القيادات عن مبررات لهذا التغيير على مستوى المشاورات، ومن بينها عدم إعلان حزب نبيل القروي عن شروط غير واقعية للانضمام إلى الائتلاف الحاكم، وعدم وجود مشاكل آيديولوجية مثلما هو الحال مع التيارات اليسارية، هذا بالإضافة إلى أن عددا من قياداته كانت منضمة في السابق إلى حزب النداء، ومن بينهم نبيل القروي نفسه، وفي ذلك إحياء للتحالف السياسي السابق بين حركة النهضة وحزب النداء، الذي أسسه الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي، بحسب هؤلاء المراقبين.
ومن المنتظر أن تعرض هذه المقترحات على اجتماع المكتب التنفيذي لحركة النهضة، الذي سيعقد في بحر هذا الأسبوع لاتخاذ القرار المناسب قبل إحالة الملف برمته على مجلس شورى الحركة لحسم الملف، مع تأكيد تمسك حركة النهضة بحقها الدستوري في رئاسة الحكومة، باعتبارها الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد (52 مقعدا).
وفي حال تأكد هذا التحالف السياسي الجديد، فإن «النهضة» ستتمكن من تجاوز امتحان منح الثقة للحكومة التي ستشكلها، وتحصل بالتالي على الأغلبية المطلقة، المقدرة بـ109 أعضاء من بين إجمالي 217 عضوا في البرلمان التونسي. وفي هذا السياق يرى مراقبون أن «النهضة» ستتفادى بهذا التحالف «الشروط التعجيزية» لحزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، وتتمكن في نفس الوقت من الاحتفاظ برئاسة الحكومة، ونيل ثقة البرلمان، حيث ستحصل على52 صوتا من أعضائها في البرلمان، و38 صوتا من أصوات أعضاء حزب «قلب تونس»، و14 صوتا من حركة «تحيا تونس»، و21 صوتا من حزب «ائتلاف الكرامة»، الذي يقوده سيف الدين مخلوف، وبذلك تحصل على 125 صوتا، علاوة على أصوات عدد من النواب المستقلين لتصل إلى حدود 130 صوتا، وهو ما يمكنها من المرور بسهولة أمام البرلمان والنجاح في تشكيل الحكومة المقبلة.
وكانت قيادات من حركة النهضة قد التقت أول من أمس بممثلين عن حركة «تحيا تونس» التي يتزعمها يوسف الشاهد، حيث أكد نور الدين البحيري، القيادي في النهضة أن حزب الشاهد وافق على المشاركة في الحكومة المقبلة. علما بأن الشاهد كان قد لقي خلال السنة الماضية دعما سياسيا قويا من قبل حركة النهضة حين حاول حزب النداء واتحاد الشغل (نقابة العمال) الإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية التي يقودها، وهو ما قوّى العلاقات بين الطرفين. علاوة على التجربة السياسية التي جنتها قيادات حزب الشاهد منذ توليه رئاسة الحكومة سنة 2016.
من جهة ثانية، قالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، أمس، إنها ستعلن غدا الخميس النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، وهو ما يمهد لتحديد الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد.
وأوضحت الهيئة أنها ستعلن النتائج النهائية بعد أن تكون المحكمة الإدارية قد فصلت في كافة الطعون اليوم (الأربعاء) ليتم نشر النتائج بعد ذلك بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) ومراسلة البرلمان المتخلي. ويتوقع أن يحدد البرلمان الجديد جلسته الأولى خلال أيام.
وحتى الآن لم يكن للطعون، التي تقدمت بها الأحزاب، أثر على النتائج الأولية التي أعلنت عنها الهيئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ومع الإعلان عن النتائج النهائية غدا يبدأ العد الرسمي لمهلة تكوين حكومة جديدة، سيقودها حزب النهضة (إسلامية)، وهي مهلة محددة بشهر تمدد لمرة واحدة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.