ساحات الاعتصامات في لبنان مصدر دخل للباعة المتجولين

TT

ساحات الاعتصامات في لبنان مصدر دخل للباعة المتجولين

في ساحات وسط بيروت، حيث نصبت الخيام في ساحة الشهداء والمدخل المؤدي إلى رياض الصلح، لا يزال مشهد العربات المتنقلة التي يبيع أصحابها أنواعاً مختلفة من العصائر والسندويشات وعبوات المياه والذرة المشوية والفول والكعكة الطرابلسية، وحتى الأعلام اللبنانية التي عمت الساحات، على ما هو عليه، بعد دخول الحراك أسبوعه الثالث، فيما يتجول بعض الباعة بين المتظاهرين حاملين فناجين قهوة للبيع.
يقول أبو علي، وهو أحد الباعة الذين انتقلوا من رياض الصلح إلى نقطة بالقرب من منطقة العازارية، في وسط بيروت، بعد أن أخرجتهم القوى الأمنية من أمام السراي الحكومي في رياض الصلح، لـ«الشرق الأوسط» إنه «يستغل الثورة للاسترزاق». ويقول آخر ممن يبيعون المياه إنه «يلبي حاجة المتظاهرين بسعر جد زهيد، مقارنة بأسعار السلع في وسط بيروت»، فيما قصد أحد الباعة بيروت من طرابلس في المظاهرة التي عرفت أول من أمس بـ«أحد الوحدة»، حيث خرج عدد كبير من اللبنانيين إلى ساحات المظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية.
ومن جهته، وجد أحمد، وهو أحد المتظاهرين في وسط بيروت، أن «أسعار السلع التي يتم بيعها هي أسعار شعبية»، فيما أكدت سارة أن الأسعار تختلف بين بائع وآخر «فهناك من كان يبيع 3 عبوات مياه بألف ليرة لبنانية (أقل من دولار) فقط، وهناك من يبيع الواحدة منها بألف، ويستغل حاجة المتظاهرين».
ولا يختلف المشهد في وسط بيروت عن المناطق الأخرى في لبنان، وإن كان ذلك بزخم أقل أو أكبر حسب عدد المتظاهرين، ففي طرابلس مثلاً «غالبية الباعة الموجودين في ساحة النور هم من أهل المدينة أتوا من المناطق الشعبية، وليس لديهم عمل في الأصل، وأتى الحراك كي يؤمن لهم قوت يومهم. بالإضافة إلى الباعة الموجودين أصلاً في الساحة قبل أن تبدأ التحركات، حيث يوجد أحمد القهوجي وأبو علي بائع الكعك، وباعة آخرون يبيعون سندويشات الشاورما واللحمة، ومختلف أنواع المأكولات»، وفق ما يؤكده الناشط الاجتماعي في طرابلس إبراهيم حيدر لـ«الشرق الأوسط».
وعلى مقلب آخر، وبالتزامن مع صرخات الرفض لما آلت إليه الأمور الحياتية والاقتصادية في لبنان، ووسط مطالبة المتظاهرين بتشكيل حكومة تكنوقراط، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، استغلت بعض محلات الحلوى والمأكولات المظاهرات للترويج لنفسها كداعم للثورة، إذ وزع «قصر الحلو-الحلاب»، في طرابلس، كعكة الكنافة على المتظاهرين، في حملة داعمة للاحتجاجات، ووزع «بيستاشيو» سندويشات على المتظاهرين على مدى أيام.
وكذلك فعلت محلات حلوى أخرى في منطقة الذوق، شمال بيروت، وساحة الشهداء ورياض الصلح، حيث قامت بتوزيع الحلوى على المتظاهرين، مثل محل «سي سويت» الذي وزع البقلاوة. وعلى مدى الأيام الماضية، فيما قدم «الفرن اللبناني» و«المعجناتي» مناقيش الزعتر والجبنة والبيتزا على المتظاهرين، كما قدم عدد من محال المأكولات سندويشات اللحمة والدجاج.
وفي الوقت الذي تكرر فيه توجيه تهم التمويل للمظاهرات، من قبل القوى السياسية التي تنوي القضاء عليها، ينفي صاحب مطعم «الأستاذ»، سيرج خوري، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن تكون مبادرته في توزيع وجبات غذائية على المحتجين تندرج في إطار سياسي أو حزبي، ويقول: «بادرنا بتوزيع الوجبات بعد نزولنا إلى المظاهرات في اليوم الأول والثاني لها، فقررنا دعم المتظاهرين بتوزيع وجبات على الموجودين في الساحات، ويتعذر عليهم شراء حاجتهم من الأكل يومياً، لأسباب تتعلق بعدم توفر الأموال لديهم».
ويضيف خوري: «هدفنا إنساني بحت، ولا مصلحة شخصية لدينا، سوى تشجيع باقي المطاعم على القيام بمبادرات مماثلة، وهذا ما بدأنا نلمسه، حيث بادرت مطاعم كثيرة بإرسال وجبات غذائية إلى المتظاهرين». ويقول خوري: «لقد استكملنا تقديم هذه الوجبات على مدى الأيام الماضية، بعدما بادر أصدقاء مقربون، ونحن كعائلة، إلى دعم المتظاهرين معنا».
وتستبعد سارة، وهي إحدى المشاركات في مظاهرات وسط بيروت، في حديث مع «الشرق الأوسط»، كل ما يحكى عن وجود تمويل للمظاهرات، وتقول: «هذا الأمر بعيد عن الواقع، وأهداف من يروج لوجود تمويل باتت معروفة بالنسبة لنا، إذ حتى اليوم لم يقدم للمتظاهرين ما هو فوق العادي ويثير الشكوك»، وتشير إلى أنه «لو كانت الشركات الكبرى التابعة لسياسيين نافذين في البلد هي التي تساهم في تقديم الوجبات الغذائية، لكنت شككت في المبادرات. ولكن ما يقوم به أفراد وشركات غير مشبوهة من مبادرات فردية تدخل في نطاق المساعدة أو التسويق لأنفسهم، فإن ذلك أمر طبيعي». ويؤكد جاد، وهو أحد الناشطين في المظاهرات في بيروت والنبطية، أن «هناك دعماً من الجالية اللبنانية في كندا، التي تعاقدت مع أحد المطابخ من أجل تقديم طبق يومي للمتظاهرين في الجنوب وبيروت، فيما تقوم سيدات بمبادرات فردية بتقديم وجبات غذائية، مثل المجدرة واليخانة، لجموع المتظاهرين، والمياه أيضاً».
وفي ساحات الاعتصام، يبدو لافتاً المبادرات الفردية التي يقوم بها المتظاهرون أنفسهم. ففي الساحات، يقوم عدد من الشبان بتوزيع البسكويت والمياه على المتظاهرين، وتقول آية إنها «تحرص على شراء علب البسكويت، وتوزيعها في وسط بيروت، كمساهمة منها لسد جوع المتظاهرين في الساحة، حيث يبقى أشخاص منهم منذ ساعات الصباح الأولى حتى آخر الليل، لا سيما أن علب البسكويت هذه زهيدة الثمن».
وفي طرابلس والنبطية، يتم جمع الأموال من المتظاهرين أنفسهم، كل بحسب قدرته، لشراء المناقيش أو سندويشات اللبنة والجبنة، فيما هناك مبادرات يقوم بها الأصدقاء فيما بينهم، حيث يتولى كل يوم أحدهم شراء وجبات الغذاء لأصدقائه، وفق ما أكده المحتجون.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.