«ظمأ العيون»... قصص تكشف المعدن الأصيل للإنسان المصري

«ظمأ العيون»... قصص تكشف المعدن الأصيل للإنسان المصري
TT

«ظمأ العيون»... قصص تكشف المعدن الأصيل للإنسان المصري

«ظمأ العيون»... قصص تكشف المعدن الأصيل للإنسان المصري

صدرت عن دار «بتانة للنشر والتوزيع» في القاهرة مجموعة قصصية جديدة تحمل عنوان «ظمأ العيون» للقاصة والروائية المصرية جمال حسّان. وتعمل الروائية استشارية في الطب النفسي في العاصمة البريطانية. ولهذا السبب تتسرّب بعض الثيمات الطبية إلى قصصها القصيرة ورواياتها التي أصدرتها منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي.
تضم المجموعة 27 قصة قصيرة، تلامس فيها الكاتبة الهم الإنساني، المصري والعربي عموماً، حاضراً وماضياً، فهي تبدأ مجموعتها بقصة «رجائي» التي تتمحور على «حرب الاستنزاف» بتعبير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، و«الشهداء» الذين قدّمهم الشعب المصري على مدى ثلاث سنوات. وتستهل القصة بمطلع قصيدة رومانسية للمطرب كارم محمود يقول فيها: «والنبي يا جميل حوش عنّي هواك - دا أنا قلبي عليل ودواه ويّاك». إنها أغنية عن الغياب، والحنين، وسحر العيون البرّاقة، والرسائل الملتاعة، ووحشة المُحب غِبّ فراق المحبوبة. ثمة تعالُق لا بد أن يلتقطه القارئ بين رسائل العاشق في هذه الأغنية ورسائل الجنديين الصعيديين مينا حبيب وياسين النوتي اللذين أُستشهِدا في موضعهما الدفاعي حين وقفا وراء المدفع وأصرّا على إطلاق القذيفة الأولى، لكن طائرة «الفانتوم» الإسرائيلية كانت أسرع منهما، ففارقا الحياة. في جيب «مينا» كانت هناك ورقة صغيرة مدوّن فيها «نشكر ربنا طوال الوقت على عماد أو رجائي أو نسمة»، وفي جيب ياسين ثمة رسالة إلى أمه يطمئنها على صحته، ويشكرها على الطعام الشهي الذي أرسلته مع «مينا»، ويذكّرها بأنّ إجازته المقبلة سوف تكون بعد شهر من الآن. ولو عدنا إلى بداية القصة لاكتشفنا طبيعة العلاقة العاطفية التي تربط بين ياسين وزوجته دميانة؛ فهو يريد أن يسمّي المولود الجديد «رجائي» إذا كان ولداً، و«رجاء» إذا كانت بنتاً، وهي تريد أن تسمّي الولد «عماداً» إذا كان ذكراً و«نسمة» إذا كانت أنثى. القصة تنتصر إلى المرأة؛ سواء أكانت أماً أو زوجة أو حبيبة، ويكفي أن نشير إلى أم ياسين التي كانت تتابع البيانات العسكرية، وتعرف المواقع، وبدأت تفك الخط، وتقرأ الصحف، وتقوم بأعمال الحقل مقام الزوج الذي تركها غصباً عنه. وكان عزاؤها الوحيد في حفيدها الذي فارقه الأب قبل أن يكحّل أهداب عينيه برؤيته.
أما قصة «جرعة المخدِّر»، فتسجل لحظات الضعف الإنساني حينما يُدرك الكائن البشري أنه قاب قوسين أو أدنى من الموت. ولعل براعة هذه القصة تكمن في تصوير شبح الموت وهو ينحني على كتف المريض الذي يشعر رغم وهنه بأن فحيح الشبح يصل إلى أذنيه، ومع وخزة إبرة المخدر تتلاشى كل الأشياء دفعة واحدة ليدخل بعدها في رقدته الأبدية.
تعاود جمال حسّان غير مرة كشف المعدن الأصيل للإنسان المصري في قصة «فارس وحنين» حيث يستشهد الأب في تفجير مديرية أمن المنصورة ويخلّف زوجة شابة وأماً لطفلين؛ الأولى «حنين» في سن العاشرة، والثاني «فارس» في سن السابعة، ورغم لوعة الفقد والغياب، فإننا نلمس تضحية الأم وتحدّيها في تربية الأطفال وإعدادهم ليكونا أبناءً صالحين في المجتمع. ثمة انعطافة مهمة تغيّر من مسار القصة ونموِّها السردي حين يخاف «فارس» من كلام أقرانه الذين يصورون له أن الجماعات الإرهابية سوف يخطفون أسرته ويطالبونهم بالفدية ثم يقتلونهم جميعاً. خلاصة القصة أنّ هذه الأخت ذات السنوات العشر تتحوّل إلى أم لأخيها الذي لم يعد صغيراً، فلقد أصبح رجلاً رغماً عنه، ورغم أنف الأطفال الصغار في المدرسة، وإلاّ فلِمَ سماهُ الأبوان «فارساً»؟
تكسر قصة «في دوامة» توقعات القارئ، فرغم أنّ الزوجة لا تُنجب، فإن زوجها متشبث بها لأنها مصدر سعادته. وفي واحد من كوابيسه الكثيرة يخنقها من دون أن يدري وهو نائم، وحينما يستفيق صباحاً يجدها جثة هامدة فيتصل من هاتف جاره في الشاليه ويطلب من البوليس أن يقبضوا عليه بعد أن يشعر بأنه «قد تحوّل إلى غصن جاف تدوسه الأقدام».
لا تفرّق البنت الراوية في قصة «المخلوقات الصغيرة تتزاحم» بين الموت والنوم، فحينما سقطت أمها ميتة تصورت أنها نائمة رغم أنّ الحشرات بدأت تتزاحم على الجسد المسجّى، وعندما زارتها عمّتها لتسرد لها الحلم الذي رأته عن والدها الذي فقد أصابعه، تسقط هذه العمّة مغشياً عليها فتضعها إلى جوار أمها ثم تواصل معركتها الثأرية مع هذه الحشرات الصغيرة.
وتوظّف جمال حسّان قصة زليخة التي تولهت بالنبي يوسف ولا تجد حرجاً في البوح بضعفها الإنساني، كما تستدعي التاريخ في قصة «زوجتي الملكة نفرتاري» حيث يتوهم الزوج بأنه الملك رمسيس الثاني الذي يجوب بقاع الأرض كي يصل إلى المعبد ويتم تتويجه. ما يلفت الانتباه في هذه القصة أن الحصان يتكلّم مُذكراً إيانا بـقصص «كليلة ودمنة» التي تُسرَد على ألسنة الحيوانات.
أما القصة الأخيرة التي نتوقف عندها هنا فهي «ظمأ العيون» التي يمكن أن تُقرأ قراءة مجازية، فخليّة النحل يمكن أن تكون بديلاً للشعب الذي يعمل ويكدّ ليل نهار ولا يحصل بالنتيجة إلاّ على ما يسدّ الرمق، وملكة النحل التي استأثرت بالراحة والاسترخاء يمكن أن تُرحّل إلى أي ملك مستبد أو ملكة طاغية تقود البلاد وتهيمن على ثرواتها وخيراتها. وهذا التداخل الفني المقصود يوحي بأننا أمام ملكة حقيقية من لحم ودم.
«ركعتُ قرب فراش الملكة، ثم تناولت ساقها المفرودة أدلّكها، جمالها يُغشي العين، كل شيء فيها وضّاء ومثير لكنها تبدو غائبة عنّا كأنها تستمع إلى وحي خفي... غاية طموحي هو أن أتأمل طرفاً من معطفها وأنتظر رهن إشارتها». تنطوي هذه القصة على صوت تحريضي مليء بالغضب حيث تسأل الراوية عن الفرق بين الشغّالات اللواتي يعملن طوال النهار وهذه الملكة المسترخية طوال حياتها، كما تتساءل قائلة: «ما حِكمة النظام إن لم نتساوَ في كل شيء؟».
مَنْ يقرأ قصص هذه المجموعة ويتأملها جيداً سيكتشف أننا أمام قاصة جادة تعرف ماذا تريد من نصوصها القصصية المبنية بناء مدروساً ومحكماً لا مجال فيه للإسهاب والترهلات اللغوية الفائضة عن الحاجة.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».