اللبنانيون المغتربون يتعاطفون مع الاحتجاجات ويواجهون صعوبة في تحويل الأموال لأسرهم

متظاهر يحمل الطبلة خلال اليوم السابع للاحتجاجات في لبنان (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل الطبلة خلال اليوم السابع للاحتجاجات في لبنان (أ.ف.ب)
TT

اللبنانيون المغتربون يتعاطفون مع الاحتجاجات ويواجهون صعوبة في تحويل الأموال لأسرهم

متظاهر يحمل الطبلة خلال اليوم السابع للاحتجاجات في لبنان (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل الطبلة خلال اليوم السابع للاحتجاجات في لبنان (أ.ف.ب)

يعجز مفيد شمس، وهو صاحب مطعم في لندن، مثل غيره من اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج، وتقدر أعدادهم بالملايين، عن إرسال أموال لأسرته حيث لديه ابنتان تتعلمان في المدرسة، بحسب وكالة «رويترز».
ولا تزال البنوك في لبنان مغلقة لخامس يوم عمل بعد أن خرج مئات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج ضد حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري.
إنها مشكلة بالنسبة إلى شمس الذي اعتاد على إجراء التحويلات عبر «ويسترن يونيون»، وبالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني أيضاً. فالتحويلات هي شريان حياة للأسر ومصدر مهم لضخ الأموال في الاقتصاد، وسد ما يقرب من نصف العجز في الميزان التجاري.
ويقول الرجل، الذي يبلغ من العمر 49 عاماً، وهو جالس خارج مطعمه في شارع إدجوير، وهو معقل العرب النابض بالحياة في العاصمة البريطانية: «أكبر ابنتين لي تعيشان في لبنان وقد صرت الآن غير قادر على إرسال أموال إليهما».
وللمواطنين اللبنانيين في الخارج تأثير كبير على ثروات الوطن الأم. فبعد فرار الكثيرين من الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، تشير التقديرات الآن إلى أن عدد اللبنانيين في الشتات يصل إلى 14 مليون شخص، أي أكثر من ضعفي عدد السكان الذين يعيشون داخل لبنان.
وبريطانيا هي من أكبر عشرة منابع تأتي منها التحويلات إلى لبنان. وأظهر إحصاء أجري عام 2011 أن أكثر من 15 ألف لبناني يعيشون في بريطانيا.
وغادر شمس البلاد عام 1989 بعد أن سئم من العنف والفساد في ذلك الحين، لكنه، الآن، بعد أن صار عمره 49 عاماً، يرى أن الفساد في الوقت الحالي قضية بارزة من قضايا الاضطرابات الأخيرة. وقال، وهو يدخن النرجيلة (الشيشة): «إن الفساد في لبنان هو السبب الذي دفعني للرحيل»، مضيفاً: «لكل شخص الحق في الاحتجاج وكل اللبنانيين متفقون على ما يطلبونه لكننا نعلم جميعاً أنه لن يتغير شيء لأنكم تعرفون لبنان».
وتراجع تدفق التحويلات، على الصعيد العالمي، إلى لبنان في الآونة الأخيرة. ويقول خبراء الاقتصاد إن أحد أسباب ذلك التراجع هو شعور بالقلق لدى بعض المغتربين من خطر انهيار اقتصادي يلوح في الأفق.
وبعد أن بلغت التحويلات ذروتها إلى حد 9.6 مليار دولار في عام 2014. انخفضت عام 2018 إلى 7.7 مليار دولار وقد تنخفض إلى 6.5 مليار دولار في العام المقبل، بحسب تقدير «جاربيس إراديان» من معهد التمويل الدولي.
وحذرت «ستاندرد آند بورز» العالمية في الشهر الماضي من أن انحسار التحويلات من غير المقيمين يسهم في انخفاض سريع في احتياط العملات الأجنبية، الأمر الذي يمثل تحدياً لقدرة لبنان على الحفاظ على ربط عملته بالدولار الأميركي.
وفي حين أن إغلاق البنوك يمثل عائقاً عملياً أمام إرسال الأموال، فإن بعض المغتربين عبروا أيضاً عن قلقهم من تأثير أي خفض محتمل لقيمة العملة اللبنانية وتأثير أي اضطرابات جديدة على مدخراتهم واستثماراتهم.
ويقول علي ساهر (50 عاماً) الذي يرسل الأموال لزوجته في جنوب لبنان: «مصدر الدخل الأول في لبنان يأتي ممن يعيشون في الخارج. إذا توقفوا عن إرسال الأموال، فهذه هي نهاية البلد».
ولاختصاصية العلاقات العامة في لندن، روني سنو، عائلة تنتشر في كندا وألمانيا والإمارات وبلجيكا، وجميعهم يرسلون الأموال إلى أقربائهم في لبنان. وتقول: «لا يوجد عمل في لبنان... أكمل أبناء وبنات إخوتي دراستهم الجامعية ولم يتمكنوا من العمل. ظل أحدهم عاطلاً في لبنان لخمس سنوات إلى حين وجد عملاً في الخارج. في الوقت نفسه، يعيش أبناء السياسيين حياة مرفهة في لندن وباريس».
ويقولون إن أحد الدوافع وراء خروج المظاهرات استنزاف مبالغ كبيرة من المال من الاقتصاد اللبناني من خلال الفساد.
ويقول علي عباس (35 عاماً) الذي انتقل إلى لندن عام 2007 بعد تخرجه ويعمل الآن في أحد المتاجر: «سُرقت أموال كثيرة من الحكومة على مدار الأعوام الثلاثين الماضية... الشيء الأساسي الذي سيساعد البلاد هو استرداد هذه الأموال».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.