تراجعت حدّة الاشتباكات بين المتظاهرين الانفصاليين وقوات الأمن في برشلونة ومعظم المدن الكاتالونية في نهاية الأسبوع، الذي بدأ بمواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجين على قرار المحكمة العليا سجن القيادات الانفصالية، أعقبتها أعمال عنف وتخريب لم يشهدها الإقليم منذ نهاية الحرب الأهلية.
لكن ما كادت موجة العنف في الشوارع تتراجع، ربما تحضيراً لجولة أخرى، كان الاحتقان الشديد قد استقرّ في المشهد السياسي المقبل على انتخابات عامة مفصليّة بعد ثلاثة أسابيع، فيما بدأت تظهر بوضوح علامات التصدّع داخل المعسكر الانفصالي المنقسم منذ أشهر بين مؤيد للتروّي وإعادة تنظيم الصفوف استعداداً لتشكيل قاعدة شعبية أوسع يصعب على مدريد تجاهلها، ومصرّ على المضي في المغامرة حتى النهاية أياً كانت العواقب.
الحكومة المركزية تراقب الوضع بارتياح حذر أمام الشقاق بين القوى الانفصالية الرئيسية، ما دفع رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أمس الأحد إلى رفض مكالمة هاتفية من رئيس الإقليم جواكيم تورّا، مطالباً إيّاه بإدانة صريحة لأعمال الأعنف وبيان تضامني مع قوات الأمن والشرطة.
بعد أسبوع على اندلاع الاحتجاجات ضد القرار المنتظر للمحكمة، يتبدّى أن هذه التطورات كانت مبرمجة في الدائرة الضيّقة المحيطة لرئيس الإقليم السابق كارليس بوتشيمون الذي فرّ إلى الخارج بعد أحداث العام 2017، والذي يحاول يائساً منذ فترة استعادة موقع الصدارة في المشهد الانفصالي الذي انتقل إلى شريكه في الحكومة، وخصمه السياسي التقليدي، حزب اليسار الجمهوري الذي أصدرت المحكمة قراراً بسجن زعيمه 9 سنوات.
لكن تخشى القوى المعتدلة التي تراهن على الحوار للخروج من هذه الأزمة، في حال استمرار تصعيد الاحتجاجات وأعمال العنف، أن تأتي الانتخابات المقبلة بأغلبية يمينية تجنح مرة أخرى نحو التشدّد في مواجهة الحركة الانفصالية التي قد تقع مجدّداً في إغراء إعلان الاستقلال من طرف واحد، وتفتح الأزمة على احتمالات في غاية الخطورة.
ويبدو أن بوتشيمون يهدف من خلال هذه التحركات الأخيرة، التي يتخذ قراراتها خارج المؤسسات ومن غير معرفة شركائه في الحكومة، إلى منع سقوط تورّا الذي دعا من غير استمزاج حلفائه، إلى استفتاء جديد حول حق تقرير المصير بعد يومين من قرار المحكمة بالدستور الذي يحذّره من السير في هذا الاتجاه.
حكومة مدريد من جهتها تحاذر الانزلاق إلى هذا المأزق الذي تدفع باتجاهه القوى الانفصالية المؤيدة لبوتشيمون وتورّا، بقدر ما تتمناه الأحزاب اليمينية لتقطف ثماره في الانتخابات المقبلة. وتراهن مدريد على عدم انسياق حزب اليسار الجمهوري الانفصالي وراء هذا المخطط، الذي تصفه أوساط حكومية بالانتحاري. وتستند في رهانها إلى كون هذا الحزب الوحيد القادر على إفشال هذه الاستراتيجية، ولكونها ستحرمه من فرصة قيادة الحكومة الإقليمية التي باتت في متناوله حسب كل الاستطلاعات الأخيرة.
وتقول أوساط انفصالية معتدلة إن حزب اليسار الجمهوري بات مقتنعاً بأن الطريق إلى الاستقلال لن يكون قصيراً ولا سهلاً، وإنّه سيبقى غير سالك من غير أغلبية انتخابية واسعة يصعب على مدريد تجاوزها وتجاهل مطالبها. وتجدر الإشارة إلى أن المعسكر الانفصالي، بكل أطيافه المعتدلة والمتشددة داخل البرلمان الإقليمي وخارجه، لا تتجاوز 50 في المائة من سكان المقاطعات الكاتالونية.
وتعتبر هذه الأوساط أن حزب اليسار الجمهوري، الذي تقدّم لأول مرة في تاريخه على القوى المتشددة انفصاليّاً والمحسوبة على الاعتدال السياسي التي غرقت في سيل من الفضائح المالية خلال السنوات المنصرمة، سيسعى إلى زيادة رصيده في الانتخابات العامة المقبلة، على أمل أن تتشكّل في مدريد حكومة تقدمية تُجرى في ظلّها انتخابات إقليمية في كاتالونيا تعيد الحكومة الإقليمية إلى مسار الاعتدال الديمقراطي تمهيداً لإصدار عفو عن القيادات المحكومة بالسجن وإرجاع معالجة الملفّ الانفصالي إلى المؤسسات الديمقراطية.
انشقاقات المعسكر الانفصالي تُربك الحسابات السياسية في برشلونة
انشقاقات المعسكر الانفصالي تُربك الحسابات السياسية في برشلونة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة