الصين ستقود الثورة في أبحاث الهندسة الجينية

خبير أميركي في علوم المستقبل يحذر من تأثيراتها على البشرية

الصين ستقود الثورة في أبحاث الهندسة الجينية
TT

الصين ستقود الثورة في أبحاث الهندسة الجينية

الصين ستقود الثورة في أبحاث الهندسة الجينية

في مقابلة مع الدكتور جيمي متزل - الخبير في علوم مستقبل التكنولوجيا ومؤلف كتاب «قرصنة دارون: الهندسة الجينية ومستقبل البشرية» الصادر عن دار «سورسبوكس» هذا العام 2019 - أجاب عن أسئلة عديدة حول مستقبل الهندسة الجينية.

دور قيادي
> مع احتلال الصين لحيز دائم في كتابك، هل لك أن تفسر لنا الدور القيادي للصين في ميدان الذكاء الصناعي وتأثيراته على أبحاث الهندسة الجينية.
- الصين ليست الدولة القائدة في ميادين تطوير العلوم الأساسية لأبحاث هندسة الجينات.
إلا أنها الدولة الأكثر «جموحاً» في تطبيق علوم الجينات في ميادين الأعمال، والتعليم، والدفاع. وهذه التقنيات الجديدة تتحرك بسرعات هائلة، وهي تتعرض للانتهاكات في ظل ثقـــافة «تحرك بسرعة واكسر الأشياء» السائدة في الصين.
> قارن لنا جهود الصين لكشف أسرار الجينوم، بالجهود المماثلة الجارية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى.
- تعترف الحكومة الصينية بوضوح بأن فتح مغاليق الأسرار يمثل الخطوة الأولى لتحقيق الدور القيادي في عمليات انطلاق الثورة الجينية، وكذلك في الثورة في ميدان الرعاية الصحية العامة، وجوانب الرعاية الصحية التي يمكن التنبؤ بها مسبقاً والجوانب الوقائية لها. إضافة إلى الثورة الجذرية في عمليات التناسل بالوسائل الجينية المساعدة.
عام 2004 كانت هناك 4 عيادات في الصين لتنفيذ عملية «الاختبار الجيني قبل الزرع» (زرع الأجنة). وبحلول 2016 وصل الرقم إلى 40.
وفي عيادة واحدة فقط في مدينة «تشنغتشا القريبة من بكين وصل عدد عمليات التخصيب الصناعي إلى 41 ألفاً، وهذا هو ربع الحالات التي أجريت في كل الولايات المتحدة، وأكثر من عدد كل الحالات في بريطانيا نفس العام.

أخلاقيات علمية
> اشرح لنا عواقب الهندسة الجينية على الأمن والدفاع البيولوجي.
- إن الثورة في علوم الجينات ستقود إلى عواقب جذرية على الأمن الوطني. فالدولة القائدة في هذه الثورة ستتمتع بامتيازات اقتصادية تتفوق فيها على أي دولة أخرى. كما أن علينا أن نفهم أن «سباق التسلح البشري» هو مسألة واقعية جداً.
سوف تتسابق الدول فيما بينها لتوظيف التقنيات الجينية في إنتاج مجتمعات تنافسية بهدف تعزيز تفوقها العسكري، كما أن الهندسة الجينية توظف أيضاً في السلاح البيولوجي لشتى الاستخدامات. وبما أن تطوير واستخدام هذه التقنيات الجينية يخلوان من أي إطار للقيم، فإن على المجتمع الدولي تحديد القيم والإرشادات الخاصة باستخدام هذه التقنيات.
> تحدث لنا عن الاختلافات الأخلاقية بين منطلقات، أو مقاربات، الصين والدول الغربية، الخاصة بالهندسة الجينية.
- الحكومة الصينية تنظر إلى الكثير من التحديات بوصفها تحديات هندسية. انظر إلى سياسة الابن الواحد، وسد «الخوانق الثلاثة»، والهندسة البيئية، والمدارس الأولمبية، وغيرها... إنها كلها أمثلة على ذلك. والهندسة الجينية ليست سوى دمج للبيولوجيا مع الهندسة. وإيمان الصين بالهندسة يزيد من إمكانات سوء استخدام تقنيات الهندسة الجينية.
إن لب المشكلة في المناقشات الجارية حول الهندسة الجينية للإنسان، سيكون حول إلى أي مدى سيذهب البشر - الموجودون على شكل مجموعات مختلفة - من تغيير البيولوجيا الخاصة بهم، أي البيولوجيا التي تولدت عن مسيرة التطور.
وإن كنا نفكر حتى الآن في أخلاقية إنتاج محاصيل معدلة جينياً، فعلينا أن نفكر الآن في إشكاليات مستقبل الإنسان المعدل وراثياً.

مستقبل واعد
> لماذا يهتم واضعو السياسات الأميركيون بمستقبل الهندسة الجينية؟
- الثورة في علوم الجينات ستكون الظاهرة الانتقالية التحولية الأكبر في عصرنا، لأنها ستؤثر جذرياً على الرعاية الصحية وعلى كيفية رؤية أنفسنا لشخصياتنا، إضافة إلى دورها في توازن القوى العالمي.
وقد بدأت الحكومة الأميركية الاعتراف بأن نظم الذكاء الصناعي تعتبر ميداناً ملازماً للأمن القومي، إلا أن تلك النظم لا تزال غير متلازمة حتى الآن مع ميدان الهندسة الجينية.
وقد تصبح حقيقة أن الاستثمار الهائل للصين في نظم الذكاء الصناعي بهدف تأسيس الدور القيادي لها في العلوم البيولوجية وفي التقنيات البيولوجية، إضافة إلى وضع جينوم عدد كبير من الأفراد في سجلات إلكترونية، كل ذلك سيتيح للصين احتلال موقع القطب الرئيسي في جهود فك شفرات الجينوم البشري وتطوير ميدان الرعاية الصحية وقيادة الثورة في علوم الجينات.
- «ذا دبلومات»، خدمة «تريبيون ميديا».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً