«تويتر» و«يوتيوب».. سلاحا «داعش» في تجنيد المتطرفين

اسكوتلانديارد لـ «الشرق الأوسط»: 80% من المواد التي ترصدها وحدة مكافحة الإرهاب أسبوعيا عن سوريا والعراق

«تويتر» و«يوتيوب».. سلاحا «داعش» في تجنيد المتطرفين
TT

«تويتر» و«يوتيوب».. سلاحا «داعش» في تجنيد المتطرفين

«تويتر» و«يوتيوب».. سلاحا «داعش» في تجنيد المتطرفين

تزخر شبكة الإنترنت بمناورات كر وفر ما بين الجماعات المتطرفة مثل «داعش» ووحدات مكافحة الإرهاب التابعة لدول غربية، وعلى رأسها بريطانيا وأميركا. حيث باتت تلك الجماعات تعتمد على الدعاية الإلكترونية وتستغل «الهاشتاغات» النشطة بمواقع التواصل الاجتماعي، مثل «يوتيوب» و«تويتر» لتنشر لقطات الفيديو، بهدف استقطاب وتجنيد مقاتلين أجانب جدد. وفي مقابلة مع شبكة «سي بي إس نيوز» الأسبوع الماضي، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن مسؤولي الدعاية في تنظيم «داعش» أصبحوا «ماهرين للغاية» في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، واستقطبوا مجندين جددا من أوروبا وأميركا وأستراليا وغيرها.
من جانبهم، نوه مسؤولون بمنظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) بأن أكثر من 15 ألف مقاتل أجنبي من نحو 81 دولة توجهوا للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا، ومنهم 3 آلاف مقاتل من الغرب، وألف منهم على الأقل من القارة الأوروبية (نحو 500 منهم من المملكة المتحدة و250 من بلجيكا). وتحوي صفوفهم نحو مائة مواطن أميركي.
يُذكر أن تنظيم «داعش» استطاع توسيع حضوره على شبكة الإنترنت، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي بات ينشر تدوينات ولقطات فيديو تولد الذعر في قلوب الناس. ويتبين تباعا لذلك أن استراتيجية «داعش» مبنية على تخويف «أعدائه» واستفزازهم وإحياء فطرة العقيدة في قلوب المسلمين لتجنيدهم. وحول أسباب استطاعة «داعش» أن يستقطبوا مقاتلين أجانب، ينوه الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن، بأن «المسألة مسألة عقيدة، فالذي يحرك هؤلاء الشباب رؤية إخوانهم في العقيدة يُقتلون، ولذلك يتوافدون للقتال هناك تعاطفا وتضامنا معهم».
وهذا النوع من الاستقطاب يجري عن طريق الدعوة الإلكترونية، حيث يضيف الدكتور السباعي خبير الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «اهتم تنظيم (داعش) بالإعلام بقوة قبل أن تتضاعف إمكانياته المادية، ومع زيادة إمكانياته، يستطيع تخصيص عناصر للدعاية الإلكترونية فقط».
ويذكر مختصون تقنيون معنيون بشؤون الجماعات المتطرفة، أن فريق «داعش» للدعاية الإلكترونية كبير ومنظم وموزع على جميع وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، ولكل «ولاية» حسابها الإلكتروني الخاص، مثل حساب «ولاية نينوى» الذي ينشر أخبارها، بالإضافة لحسابات «داعش». ويجري الاعتماد أيضا على حسابات خاصة أخرى يتابعها عشرات الآلاف.
وحول ذلك يقول إياد بركات لـ«الشرق الأوسط»، وهو خبير إنترنت وإعلام اجتماعي: «مع أن (داعش) ليست الجماعة المتطرفة الوحيدة ولا الأولى التي تستغل وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تتميز بكثافة استعمالها لشبكات التواصل الاجتماعي واعتمادها على استراتيجيات إعلامية متطورة جدا وخطط ترويجية أكثر تقدما من غيرها».
ويضيف بركات منوها: «في حين أن أغلب الجماعات المتطرفة في السابق كانت تستخدم المنتديات المغلقة لنشر رسائلها الإعلامية ولاستقطاب الأعضاء الجدد، فإن (داعش) تعتمد أكثر على الشبكات المفتوحة للجميع، مثل (تويتر) و(فيسبوك) و(إنستغرام)، وبالتالي تصل لعدد أكبر من الناس وشرائح متنوعة من الجمهور».
وتتركز الاستراتيجية الأساسية لـ«داعش» على توظيف الحشود واستقطابهم بشكل مباشر أو غير مباشر ليكونوا ناقلين وناشرين للفيديوهات والتغريدات والرسائل الإعلامية».
وحسبما أشارت صحيفة «غارديان» البريطانية في تحقيق نشرته الأسبوع الماضي، فإن تمعن ودراسة آليات نشر لأحدث فيديو بثته «داعش»، يوضح شتى الطرق التي يتبعها التنظيم إلكترونيا لنشر مواده، وأهمها استنزاف التغريدات النشطة في البلدان الأجنبية لزيادة توزيع المواد المتطرفة عبر «تويتر» و«يوتيوب».
ونوه التقرير أن التنظيم يستخدم أساليب غير شائعة في قلب الثغرات الأمنية للمواقع لتحميل مواده على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل خدمات تتيح لمستخدميها نشر مدونات من حسابات سرية». ويعتمد التنظيم أيضا على فتح حسابات احتياطية في حال إغلاق حسابهم من مديري الصفحات، وبهذا استطاع التنظيم نشر لقطات قطع الرؤوس حول العالم في غضون ساعات قليلة. ويُذكر أن التنظيم يقوم بتحميل لقطاته على «يوتيوب» وعلى خدمة «جست بيست إت» التي يديرها شاب بولندي (26 عاما).
ومن ذلك الموقع يستطيع الناس أخذ رابط الفيديو ومشاهدته على مواقع أخرى غير «يوتيوب» مبنية على رموز سرية يوفرها التنظيم بتدويناته المتناثرة على شتى المواقع والمنتديات، ليستطيع الناس مشاهدة ما حمّله التنظيم من مقاطع.
وبذلك، يغتنم «داعش» وغيره من جماعات متطرفة ذات منهجية حشد للتجنيد فعالية شبكة الإنترنت في الدعاية التي قد تبدأ بـ«تويتر» و«يوتيوب» وغيرهما من المواقع المعروفة، ولكنها قد تمتد إلى مواقع أقل شهرة في حال حذف المواد من قبل مديري الصفحات.
ويقول بركات: «وسائل التواصل الاجتماع منبر مهم لتلك الجماعات المتطرفة لتجنيد وحشد المقاتلين أجانب، بل إنها ضرورة قصوى، وذلك لطبيعتها المفتوحة ووصولها الواسع لشرائح الجمهور المستهدفة». ويعمل عناصر «داعش» المعنيون بالدعاية الإلكترونية على البحث عن «الهاشتاغات» النشطة في البلدان الأجنبية وأكثر المواضيع تداولا وأهم المشاهير متابعة لاستخدامها، واختراق تلك السجلات لترويج دعايتهم ودعوة لتجنيد الأجانب ونشر لقطات فيديو الدعوة والإعدامات. ومن الملاحظ أن لدى التنظيم دراية واسعة بهذا المجال.
وعلى الصعيد التقني يشير خالد الأحمد، وهو مستشار إعلام اجتماعي لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «من الممكن جدا البحث عن (الهاشتاغات) النشطة بأي مدينة واستغلالها للترويج لمشروع غير مرتبط بـ(الهاشتاغ). ويجري ذلك إما عن طريق (تويتر) نفسه، أو أدوات من طرف آخر، مثل موقع (تريندز ماب). وقد استخدم هذا الأسلوب يوم استفتاء استقلال اسكوتلندا لاستقطاب مواطنين بريطانيين، إذ استخدم المغردين الدعائيين لتنظيم (الهاشتاغات) النشطة، مثل (صوت بنعم) و(صوت بلا) لنشر تدويناتهم وتغريداتهم في بريطانيا وأوروبا لتصبح مقروءة هناك».
وعن ذلك، يقول إياد بركات خبير المواقع الإلكترونية: «(الهاشتاغ) في حيز التواصل الاجتماعي عبارة عن حوار عام وواسع، والركوب على هذه الحوارات واستغلالها بشكل طفيلي إحدى أهم استراتيجيات الترويج الإلكتروني المستخدمة من قبل الأفراد المتمرسين، وتُعد طريقة فعالة جدا للركوب على الحوار العام والمفتوح وحقنه برسائل مخصصة تهدف لنشر (بروباغاندا داعش) لتحقيق أهدافه».
قد يكون اعتماد «داعش» على وسائل التواصل الاجتماعي للدعاية والحشد من صالحه حاليا، ولكنه أيضا مع صحوة الحكومات لتلك الاستراتيجية والظاهرة المقلقة، قد يكشف ضعف التنظيم وهشاشته. وبذلك قد يستغل منددوه الاعتماد الكبير على الدعاية الإلكترونية لمحاربته من خلالها، والقضاء على وجوده، من خلال استئصاله من شبكات التواصل الاجتماعي.
وعلى خلفية ذلك، بادرت الحكومات الأجنبية، مثل البريطانية والأميركية، إلى التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي والشركات التنقية لدحض دعوات التجنيد والتطرف الإلكترونية.
ونوه الناطق باسم البيت الأبيض، نيد برايس، لوسائل إعلام أميركية، الأسبوع الماضي، قائلا: «البيت الأبيض وجهات حكومية ووكالات أخرى معنية جميعها بالتعاون مع وسائل التواصل الاجتماعي لحذف أي مواد قد تهدد الأمن الوطني الأميركي».
ويؤكد إياد بركات خبير المواقع الإلكترونية بوجود مبادرات في بلدان مختلفة حول العالم، وليس فقط بريطانيا، للقضاء على حملة «داعش» الإلكترونية، ويستطرد: «الجهات الرسمية في الدول الغربية تنبهت لخطورة الدعاية الإلكترونية التي يمارسها (داعش) لكونها تستهدف وبشكل مباشر شرائح محددة من الشباب المقيم في هذه البلدان، وبالطرق وأساليب الدعاية التي يفهمون ويتفاعلون معها بسهولة، كان واضحا منذ بدايات انطلاق (داعش) خصوصا ليس فقط انخراط العديد من الشباب القادم من الغرب بوصفهم مقاتلين في صفوف (داعش)، بل أيضا وجود كثير من المؤيدين ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي الذين يعملون على ترويج (داعش) وأهدافها، مما جعل هذه الدعاية الإلكترونية خطرا مباشرا على هذه البلدان، وليس فقط بلدان الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق».
وبدورها، تقوم وحدة مكافحة الإرهاب البريطانية المعنية بشبكة الإنترنت برصد المواد «الإرهابية» والمتطرفة على الشبكة. وتتبع الوحدة منهجا استباقيا وفعالا في رصد المواد الإرهابية، ولكنها تتلقى أيضا بلاغات عامة من مستخدمي الشبكة، ولهم الاختيار بعدم كشف هويتهم. وعندما تخرق المواد المنشورة قوانين الإرهاب البريطانية، تعمل هذه الوحدة التي يديرها خبراء تقنيون ومحللون على حذفها من الشبكة، من خلال التنسيق مع وسيط التواصل الاجتماعي المعني. وحدة مكافحة الإرهاب التي ترصد شبكة الإنترنت مسؤولة أيضا عن إبلاغ الشرطة عن أي إساءات إرهابية (مثل تعظيم أفعال إرهابيين، أو ترويج حملاتهم، أو حشد للقتال) على الشبكة، وذلك من أجل اتخاذ إجراءات لمحاكمة الجناة.
وأفاد المكتب الإعلامي لشرطة العاصمة لندن (اسكوتلانديارد)، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأنه «في السنوات الـ4 الأخيرة، استطاعت وحدة الرصد هذه إزالة أكثر من 45 ألف مادة إلكترونية عن الإرهاب. وفي الآونة الأخيرة، ترصد الوحدة نحو 1100 مادة تخرق قانون الإرهاب البريطاني (من عام 2006) أسبوعيا، و80% منها عن سوريا والعراق، ومتداولة على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، مثل (يوتيوب) و(فيسبوك) و(تويتر)».
وتعمل شرطة لندن والوحدة المختصة على حذف مقاطع فيديو القتل والتعذيب والمداهمات والعمليات الانتحارية، بالتنسيق مع الشركات المستضيفة للمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومن جانبه، منح موقع «يوتيوب» الذي تملكه شركة «غوغل» العملاقة صلاحيات واسعة لوحدات حكومية، لرصد وحذف المواد الحساسة التي قد تهدد أمنها الدولي والإقليمي. ولم يتبع «تويتر» خطى «يوتيوب» بعد، ولكن مديروه باتوا يتعاملون مع ظاهرة التطرف بجدية تامة، حيث يعمل موظفوه على مدار الساعة في تفحص التقارير حول جميع الشكاوى والمواد الحساسة.
وحول ذلك، يوضح خالد الأحمد العملية قائلا: «يمكن للحكومات التواصل مع إدارة شركة (تويتر)، وتقديم طلب بحجب بعض المغردين أو بعض التغريدات عن الظهور في بلدهم». ويضيف الأحمد: «توجد قوانين في كل من وسائل الإعلام الاجتماعي للحماية من المحتوى المتطرف أو المسيء، ويمكن لأي شخص أن يشطب أي محتوى مسيء أو حجب المغرد وكل تغريداته».
وفي حالات خاصة، يعمل «تويتر» على إلغاء حسابات احتياطية لمروجي «داعش» فور إنشائها، حتى ولو لم تخرق قوانين استخدام «تويتر» بشكل مباشر، وذلك مثلما حصل لحساب تابع لـ«راية التوحيد»، وهم الجماعة المروجة لـ«داعش» في المملكة المتحدة. ومع أن تلك الإجراءات الاحترازية مهمة، فإن خبراء شبكات التواصل الاجتماعي قد نوّهوا بأن حذف تلك المواد فقط لن يساعد في الصورة الكبرى، أي في القضاء على دعاية (داعش) ومنهجية التجنيد من جذورها، إذ يقول إياد بركات: «عملية الإلغاء الفوري للمواد والحسابات التي تنشرها قد تكون ناجحة على المدى القريب، ولكن لا بد من وجود آلية لا تقتصر على شراكة بين الأجهزة المعنية ومديري ومراقبي شبكات التواصل الاجتماعي، بل يجب أن يكون هناك إشراك للجمهور وتوظيف الحشود، في كل مراحل مكافحة الدعايات المتطرفة، للحد من قدرتها على استقطاب أعضاء جدد، ومن جمع الأموال ونشر الذعر بين صفوف الناس».
وعلى صعيد متصل، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي حملات مضادة لدعايات «داعش» للتجنيد. وحسبما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأسبوع الماضي، عبر الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إعجابه بالمسلمين الذين نددوا بالجماعات المتطرفة وحاربوها إلكترونيا. وشكر أوباما ضمن خطابه في الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، بالتحديد، تفاعل مجموعة بريطانية إلكترونية. وهذه المجموعة «أكتيف تشيج فاونديشون» هي عبارة عن تنظيم مجتمعي بشرق العاصمة البريطانية لندن، وقد بدأت بحملة مضادة لـ«داعش» على «تويتر»، الشهر الماضي. وتستخدم هذه المجموعة «هاشتاغ»: «ليس باسمي»، الذي استخدم للتنديد بأفعال «داعش» ووحشيته بقطع الرؤوس والإعدامات. وجرى تداول هذا «الهاشتاغ» عشرات آلاف المرات مع رابط لفيديو على «يوتيوب» للترويج للحملة الذي أحرز أكثر من 200 ألف مشاهدة.
وتهدف حملة «نوت إن ماي نيم» أو «ليس باسمي»، للتعبير عن غضب المسلمين حول الفظاعة التي يرتكبها «داعش» تحت اسم الإسلام، وللشرح للعالم أن الإسلام ليس ما يفعله «داعش»، حسبما نوهوا بتدويناتهم. وتستمر الحكومات الغربية في محاولات جادة لمنع مواطنيها من الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، خوفا من أن ذلك الانخراط سيؤدي لتدريبهم للقتال في داخل وخارج دول الغرب.
وقال أوباما: «علينا بذل جهد أكبر للقضاء على آيديولوجيات التطرف»، مضيفا: «يجب أن نتعلم من رواد حملة (ليس باسمي) البريطانيين، فقد ردت حملتهم على التطرف، وتصدت له، موضحة للعالم معنى الإسلام الحقيقي».
وحسبما نوهت صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن تلك الحملة تلقت إقبالا من المسلمين في المساجد بدول عدة، منها فرنسا وألمانيا والنرويج، الذين شنوا، تباعا، مظاهرات تندد بـ«داعش» ومنهجيته وأعماله.



«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».