Gemini Man - إخراج: آنغ لي - الولايات المتحدة (2019) - تقييم: ★ ★
- وول سميث يضرب نفسه يؤكّد «جميناي مان» أن كل ما بقي من المخرج آنغ لي، صاحب بضع ضربات فنية سابقة غولي في الاحتفاء بها، هو أشلاء ذلك السينمائي الذي بنى حياته على أساس من الإبهار المصنوع بحد أدنى من الإجادة. إجادة كافية لأن تجعله يبدو لعدد كبير من المتابعين والنقاد كما لو أنه مبدع فعلي وفنان أصيل. هنا، في فيلمه الأول بعد ثلاث سنوات على فيلمه المنسي «مسيرة بيلي لين نصف الطويلة»، يغوص إلى حيث لم يتوقع أحد منه أن يغوص… إلى الدرك. هذا ليس نتاج حكاية لا معنى لها فقط، بل لأسلوب عمل يحتفي بالتقنيات المتوفرة ويضعها في مقدّمة حكاية تحتاج للكثير من الماء لكي يستطيع المرء بلعها. بداية هناك وول سميث في دور القاتل المحترف هنري. والمشهد الأول له سيبرهن لنا كم هو محترف وماهر. سيستلقي فوق حشائش البرية وسيراقب قطار إكسبرس سريع ليصطاد ضحيته التي شيء لها أن تجلس جنب النافذة. هل قلت إنه قطار سريع؟ نعم سريع جداً جداً. هل قلت إنه المسافة بين موقع هنري وبين القطار السريع تزيد عن 500 متر؟ لا. لكن ضع هذا في عين الاعتبار لأن هنري سيصيب هدفه بدقة. لا تهم المسافة ولا تهم السرعة ولا حتى حقيقة أن حدثاً وقع في القطار آخر لنصف دقيقة إطلاق الرصاصة. ربما تجمّد القطار في مكانه من دون أن ندري. بعد ذلك الفيلم سكّة حديد تهبط نزولاً. هنري يكتشف أن الحكومة تسعى لقتله. صحيح أنه يعمل لحسابها لكن الأوان آن للتخلص منه. الطريقة هي التي يحتفي بها الفيلم: لقد تم صنع نسخة (كلون) منه عبر استخدام DNA لذلك فإن هنري الجديد يعرف كل تفاصيل وحيل ومهارات هنري الكبير… كيف لا والممثل هو واحد. هنري الكبير طبيعي وهنري الصغير خريج تلك التقنيات التي استخدمها مارتن سكورسيزي في «الآيرلندي» حيث أعاد الشباب إلى محيا المخضرمين. لا بأس لولا أننا نمضي الكثير من المشاهد نرى فيها وول سميث - وبسبب من تلك الحبكة السخيفة - يضرب نفسه. هو وغريمه (الذي هو!) يتعاركان بعنف من دون أن يتمكن أحدهما من الآخر. عندما لا يفلح شيء يفكر البعض في إطلاق رصاصة تحمل فيروساً خاصاً من «سم النحل». هذا لأن وول (الأصلي) لديه حساسية ضد لدغات النحل. هنا يصل الهزل لمستوى غير مسبوق لأنه إذا ما كان من الممكن إطلاق رصاصة عليه، لم لا يفعلون ذلك من دون سم النحلة؟
(1*) لا يستحق (2*) وسط (3*) جيد (4*) ممتاز (5*) تحفة
ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.
بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.
لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.
بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).
اتجاهان
بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.
تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.
في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.
من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.
في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.
مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.
بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.
هموم المجتمع
ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.
في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».
كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.
مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.