رئيس الوزراء العراقي يخوض معركة «الفرصة الأخيرة» مع القوى السياسية والمتظاهرين

دعوات لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل للخروج من الأزمة

TT

رئيس الوزراء العراقي يخوض معركة «الفرصة الأخيرة» مع القوى السياسية والمتظاهرين

لا تزال قواعد نوم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي متغيرة طبقاً للمناخ السياسي والطقس الخريفي الذي صاحبته لأول مرة أمطار وعواصف رعدية تنذر بموسم أمطار جديد.
أمطار العام الماضي أنقذت الحكومة من مظاهرات شهر يوليو (تموز) السنوية التي تبدأ في البصرة وتنتهي في بغداد بسبب اللسان الملحي في شط العرب والانقطاع المتواصل للكهرباء. ليس هذا فقط؛ فإن تلك الأمطار أدت إلى شبه اكتفاء ذاتي من محصول القمح، فضلاً عن زيادة الخزين المائي في البلاد بما يكفي لسنتين مقبلتين بلا أمطار.
لكن كرم الطبيعة لم ينقذ الحكومة ورئيسها المفكر الاقتصادي عادل عبد المهدي من استحقاقات متراكمة فجرها غضب شعبي بدا مفاجئاً لكل الطبقة السياسية، وهو ما فتح كل الملفات التي بقيت الحكومات المتعاقبة تؤجل فتحها دورة بعد أخرى عبر نمط من السياسات الترقيعية التي لم تعد تقنع شباباً ما زالوا يخوّفونهم بصدام حسين بينما كان معظم شباب المظاهرات حين سقط صدام حسين عام 2003 في بطون أمهاتهم ولا يعرفون عنه شيئاً إلا عبر ما تبقى من ذاكرة آبائهم. عبد المهدي الذي جاءوا به لكي ينقذ النظام السياسي الذي وصل إلى طريق مسدودة عبر ما أطلقوا عليها هم أنفسهم «حكومة الفرصة الأخيرة»، تركوه الآن وحده يقاتل على جبهتين؛ الأولى جبهة المتظاهرين الذين أعلنوا أنهم بدأوا يحشدون لمظاهرات جديدة يوم الخامس والعشرين من هذا الشهر بعد يوم من إكمال سنة على ولاية عبد المهدي، والثانية جبهة الكتل والقوى السياسية التي بدأت، بدعوى التوازن، تضع العراقيل أمام عزمه إجراء تعديل وزاري حتى لو كان محدوداً.
البرلمان منح نفسه عطلة إلى ما بعد «زيارة الأربعين» التي تبلغ ذروتها السبت. أما عبد المهدي فلا يزال يسهر إلى ساعة متأخرة حتى منتصف الليل يتابع تطورات لا أحد يعرف حجم المفاجآت فيها، وشكل لجنتين في غضون يومين لتفادي تحذيرات المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني ومهلته له بالكشف عن المسؤولين عن قمع المظاهرات خلال أسبوعين، التي إن لم يلتزم بها فقد تدفع المرجعية إلى رفع الغطاء عنه ليصبح في مواجهة مفتوحة مع شارع غاضب يريد كل شيء دفعة واحدة.
وبدأ عبد المهدي، الذي اعترف بأنه لا يملك عصا سحرية، باتخاذ إجراءات عملية لعلها تساعد في تخفيف حدة التوتر وامتصاص جزء من الغضب. فقد أعلنت وزارة المالية أمس أن نحو ربع مليون منتسب سيعادون إلى الخدمة في وزارتي الداخلية والدفاع. وقال وكيل الوزارة ماهر حماد في بيان إن «وزارته عملت بصورة سريعة على إنجاز الملف المتعلق بعودة منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية قبل أشهر، وكانت بانتظار القرار المناسب من الوزارتين لإنجاز المعلومات الأمنية المتكاملة عن الذين يعادون، لذلك كانت الاستجابة من قبل الوزارة في نفس اليوم الذي وردت فيه معلومات من وزارة الدفاع عن 108 آلاف عسكري تمت إعادتهم إلى الوظيفة»، مضيفاً أن «الوزارة أطلقت أيضاً «ملف إعادة العسكريين للمناطق المحررة بواقع 47 ألف درجة»، لافتاً إلى أن «أعداد الذين تمت إعادتهم أو سيعادون إلى وزارة الدفاع قد تصل إلى 200 ألف، إضافة إلى ما يقارب 20 ألف درجة لوزارة الداخلية، وإضافة إلى وجود درجات أخرى بأكثر من هذا العدد لوزارة الداخلية من خلال إعادة منتسبيها في المناطق المحررة».
من جهته، أكد عضو البرلمان، عبد الله الخربيط، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الوقت حان لكي نبدأ سياسة اقتصادية جديدة تقوم على مبدأ تنويع مصادر الدخل عبر عدم الاعتماد على واردات النفط التي لم تحسن كل الحكومات استثمارها لصالح العراقيين»، مبيناً أن «كل ما يجري الآن من دون استراتيجية صحيحة للمستقبل سيكون مجرد إبر تخدير لا أكثر، لأن الناس تريد فرص عمل وسكناً لائقاً». وأوضح الخربيط أن «هناك دعوات لإقالة الحكومة أو إجراء انتخابات، وهو أمر يعكس عدم قدرة الجهات التي تدعو إلى ذلك على معرفة مفاتيح الأزمة الحقيقية التي يعانيها الشعب العراقي، وهي عدم التوزيع العادل للثروة».
أما السياسي يزن الجبوري فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «سبب الفشل الرئيسي يكمن في الاعتماد على عائدات النفط وتحويلها لأوراق نقدية توزع رواتب لملايين الموظفين غير المنتجين في وزارات هي عبارة عن (شركات خاسرة) تستنزف موارد الدولة». ويضيف الجبوري أن «سوء الإدارة، والبيروقراطية المعطلة لكل شيء، فضلاً عن تضارب القوانين والابتزاز عبر الأحزاب، مع استبعاد الخبرات لحساب الولاء وعلى حساب الكفاءة... هي العوامل التي أدت إلى ما حصل مؤخراً». وأوضح أنه «من دون اعتماد سياسات صحيحة، فإن الوضع مرشح للانفجار أكبر، وأي محاولة للوقوف في وجهه ستكون بمثابة عملية انتحار، لا سيما أن العملية السياسية كلها تلعب الآن في الوقت الضائع».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.