التوغل التركي فرصة لبوتين لتعزيز نفوذه في المنطقة

حذر من احتمال فرار مقاتلي «داعش» من السجون

TT

التوغل التركي فرصة لبوتين لتعزيز نفوذه في المنطقة

حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، من خطر فرار الآلاف من مسلحي تنظيم داعش المحتجزين في منطقة الشمال السوري، خلال انسحاب القوات الكردية أمام تقدم الجيش التركي.
ولفت، خلال حضوره قمة تجمع رؤساء بلدان الرابطة المستقلة، إلى أن «مئات، وحتى آلاف المسلحين، يوجدون في هذه المنطقة حالياً، وفقاً لمعطيات المخابرات الروسية»، محذراً من أن هؤلاء قد يشكلون «تحدياً جديداً حقيقياً لبلدان الرابطة».
وتساءل الرئيس الروسي: «إلى أين سيذهبون؟ هل سيتوجهون عبر أراضي تركيا وغيرها إلى مناطق لا يسيطر عليها أحد في عمق سوريا، ثم عبر إيران إلى دول إقليمية أخرى؟ يتعين علينا إدراك ومعرفة ذلك، وتعبئة موارد أجهزتنا الخاصة للتصدي للخطر الناشئ الجديد».
وشكل هذا أول تحذير روسي من تداعيات سلبية محتملة للعملية العسكرية التركية، في حين عكست المواقف الروسية حيال العملية نوعاً من الحياد، إذ حرصت موسكو على عدم توجيه انتقادات لأنقرة، وعارضت بياناً في مجلس الأمن حمل إدانة للعملية العسكرية. ولا يخفي مقربون من الكرملين أن التوغل التركي في سوريا يمثل فرصة لروسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة.
وكانت موسكو قد أعلنت أنها تتفهم المخاوف الأمنية التركية، وتسعى في الوقت ذاته إلى ضمان الالتزام بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية. وفسر مراقبون تأكيد الكرملين على ضرورة أن تقوم أنقرة «بإجراء تقييم دقيق لتداعيات العملية على التسوية السياسية في سوريا» بأن موسكو تعول على أن العملية العسكرية ستكون محدودة، زمنياً وجغرافياً.
وقال آندريه كليموف، العضو في مجلس الشيوخ الروسي: «كلما انتهت حالة الصراع هذه بسرعة، كان ذلك أفضل للجميع».
وتخشى أوساط روسية من أنه «من شأن استمرار العملية التركية لفترة طويلة، أو خروجها عن السيطرة، أن يعرقل جهود الكرملين الدبلوماسية». وكان مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، قد قال إن الرئيس فلاديمير بوتين أبلغ نظيره التركي رجب طيب إردوغان بأن على قواته أن تتوخى الحذر في كل تحركاتها، رغم تفهم موسكو لمخاوف أنقرة الأمنية.
وأشار أوشاكوف إلى أول اجتماع مقرر عقده للجنة صياغة الدستور السوري، بدعم من موسكو، في 29 أكتوبر (تشرين الأول)، على أنه حدث لا ينبغي تعطيله، وقال إن من غير المقبول لموسكو أن يتعرض مدنيون لمعاناة بسبب الهجوم التركي.
لكن خلف التعبير الخجول عن القلق، بدا أن موسكو تستعد لحصد مكاسب سياسية واسعة بسبب العملية التركية. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد قال إن بلاده تعمل للتوسط في إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، وبين دمشق والأكراد، مشيراً إلى الترحيب الواضح بجهود روسيا من الجانبين السوري والكردي. وأضاف: «دعونا نرى ما يمكننا فعله». وأعاد التذكير بوجود «أساس قانوني» لمراعاة مصالح كل من أنقرة ودمشق في الوضع على الحدود، وهو اتفاق أضنة الموقع في عام 1998، مشيراً إلى أن هذا الاتفاق «ينظم العمل المشترك لمواجهة النشاط الإرهابي على الحدود، ويضع أساساً لمراعاة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا، مع الالتزام بمبدأ سيادة سوريا وسلامة أراضيها».
ويرى مراقبون أن العملية العسكرية التركية، مع انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، وفرت لموسكو فرصة كبرى في دفع خططها لفتح قنوات الاتصال، وهو أمر كان متعذراً حتى الآن بسبب الوجود الأميركي في الشمال السوري.
ووفقاً لمحللين، فإنه بالنسبة لبوتين، سيشكل النجاح في فتح قنوات اتصال بين الحكومة السورية وتركيا نصراً كبيراً من الناحية الجيوسياسية، وفقا لآندريه كورتونوف، رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث تربطه صلات وثيقة بوزارة الخارجية الروسية، الذي أوضح: «إذا أمكن ترتيب ذلك، فسيُعد الأمر نصراً سياسياً كبيراً».
وزاد أنه «يمكن لبوتين أن يقول إن الأميركيين أخفقوا في حل ذلك، لكننا استطعنا... بما يعني ضمناً أن نهجنا حيال الصراع أكثر فاعلية من منافسينا على الساحة الجيوسياسية».
وقال فلاديمير فرولوف، وهو دبلوماسي روسي بارز، إنه إذا اقتصرت العملية التركية على منطقة أمنية عمقها 30 ميلاً داخل سوريا، وكانت سريعة، فمن المرجح أن تغض موسكو الطرف عنها، مرجحاً أن يلتزم إردوغان بعدم توسيع نطاق المعركة، ومحاولة حسمها سريعاً.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».