تسعى باريس بما تمتلكه من أوراق دبلوماسية وسياسية ضاغطة، لـ«لجم» العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا. وبعد الرفض الأميركي - الروسي المشترك لقبول البيان الذي أعدته الدول الأوروبية الخمس في مجلس الأمن الدولي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا) الذي يدين العملية التركية ويدعو لوقفها، تحاول الدبلوماسية الفرنسية المعبأة على كل المستويات، «استكشاف» وسائل أخرى في محاولة منها لمساعدة مجلس سوريا الديمقراطية «أي المنطقة التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية» مع علمها المسبق، وفق ما تقوله مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، بأن قدرتها في التأثير على الأحداث «محدودة» بعد الضوء الأخضر الأميركي للرئيس التركي و«تذبذب» المواقف الأميركية.
وتوقفت المصادر عند نقطتين؛ الأولى أن الطيران التركي «فاعل» في منطقة العمليات التركية رغم أن القيادة العسكرية الأميركية في المنطقة استبقت إطلاق العملية التركية بالتأكيد على أن المجال الجوي مغلق بوجه أي جهة كانت. والثانية رفض واشنطن تضمين البيان الذي أعده الأوروبيون الـ5 أي إشارة للطلب من تركيا وقف عمليتها العسكرية. وتضيف هذه المصادر أن واشنطن «ربما تسعى لإعطاء الوقت الكافي لقوات أنقرة حتى تنجح في تحقيق بعض النتائج الميدانية (ذات المعنى)» قبل مطالبتها بوقف العملية.
رغم هذا الواقع، فإن باريس مستمرة في جهودها التي تسير على خطين متوازيين: الأول على المستوى الأوروبي، والثاني على صعيد التحالف الدولي الذي نشأ بعد إعلان الخلافة الداعشية. وفي السياق الأول، لوحت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية إميلي دو مونشالون بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا. وقالت أمس في حديث صحافي إن «الأمر سيطرح للنقاش الأسبوع المقبل في المجلس الأوروبي، وهو قطعاً موضوع على طاولة المناقشات». وأضافت الوزيرة الفرنسية: «لن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة موقف صادم بالنسبة للمدنيين ولقوات سوريا الديمقراطية ولاستقرار المنطقة». ولن تتوقف الأمور عند العقوبات الاقتصادية، إذ أفادت المصادر الأوروبية بأن البحث سيتناول أيضاً منع تصدير الأسلحة والعتاد إلى تركيا، وباريس تكون بذلك، في حال تأكيد هذا التوجه، قد انضمت إلى السويد التي طلب برلمانها من الحكومة أن تثير موضوع الصادرات العسكرية إلى أنقرة لفرض حظر أوروبي جماعي عليها.
أما المستوى الثاني للعمل الدبلوماسي الفرنسي، في ظل غياب أي قدرة لباريس على الوقوف ميدانياً بوجه التدخل، فإنه يركز على التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي تقوده واشنطن وتلعب باريس داخله دوراً بارزاً. وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية جان إيف لو دريان، في حديث تلفزيوني للقناة الثانية إلى اجتماع طارئ للتحالف، إذ يرى أن «هناك حاجة لأن يقول اليوم ما الذي سنفعله، وما الطريقة التي تريد تركيا أن تمضي بها قدماً، وكيف نضمن أمن المناطق التي يُحتجز فيها المقاتلون». وخلاصة لو دريان أنه «يتعين طرح كل الأمور على الطاولة حتى نكون واضحين» فيما يمكن عمله.
ولا تخفي باريس قلقها الكبير من إفلات مقاتلي «داعش» من الرقابة ومن عودة التنظيم بقوة إلى الساحة، ومما لذلك من تداعيات على الأمن الفرنسي والأوروبي، وهي لذلك تريد أن «يتحمل كل طرف مسؤولياته»، في إشارة واضحة إلى واشنطن. وكان لو دريان واضحاً في تحميل مسؤولية العملية التركية للرئيس الأميركي الذي «يبدو بوضوح أنه لم يتصدَّ» للعملية التركية. وتتساءل المصادر الأوروبية عن «المنطق والانسجام» في طروحات الإدارة الأميركية التي «تترك النار تشتعل ثم تريد أن تسعى لإطفائها»، ملمحة بذلك إلى مقترح الوساطة الذي طرحه ترمب بين تركيا والأكراد.
تريد باريس توقف العملية العسكرية التركية «بأسرع وقت ممكن»، وهو ما طالب به الرئيس ماكرون الذي ندد «بأقسى العبارات» بالعملية «الأحادية» التركية، محملاً أنقرة مسبقاً مسؤولية انبعاث «داعش». وهذا الطلب شددت عليه وزيرة الدفاع فلورانس بارلي في محادثة هاتفية، بعد ظهر الخميس، مع نظيرها التركي خلوصي أكار. كذلك نقلت الرسالة إلى السفير التركي في باريس الذي استدعي إلى وزارة الخارجية بعد ظهر الخميس أيضاً.
لم تترك باريس تهديد الرئيس إردوغان بفتح الحدود لتدفق ملايين السوريين على البلدان الأوروبية من غير رد؛ إذ اتهم لو دريان أنقرة بممارسة «الابتزاز» وبأنها ليست المرة الأولى التي ترفع بوجه أوروبا خطر وصول اللاجئين إلى حدودها مع ما يمكن أن يثيره ذلك من صعوبات اجتماعية واقتصادية، وخصوصاً سياسية.
ونبه الوزير الفرنسي إلى أن الاتحاد الأوروبي «لم يخضع أبداً للابتزاز». وبحسب المصادر الأوروبية، فإن تركيا «بحاجة لأوروبا أكثر من حاجة أوروبا إليها»، وأن الطرف الأوروبي قادر على «عزل» تركيا سياسياً ودبلوماسياً، وعلى فرض عقوبات تجارية واقتصادية ومالية، فضلاً عن فرض حظر على صادرات السلاح إليها «كما فعلت النرويج» وعلى إغلاق الأبواب بوجه انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وما قاله لو دريان أكد عليه أيضاً رئيس الحكومة الإيطالية أمس، الذي دعا الاتحاد إلى «عدم الإذعان» للتهديدات التركية.
باريس تستكشف خياراتها لدفع أنقرة لوقف عملياتها العسكرية
مصادر قالت إن الاتحاد الأوروبي قادر على الرد على تهديدات إردوغان
باريس تستكشف خياراتها لدفع أنقرة لوقف عملياتها العسكرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة