فلسطينيون في لبنان يطالبون بنقل الوصاية من «أونروا» إلى المفوضية العليا للاجئين

لاجئون فلسطينيون يتظاهرون للمطالبة بنقل الوصاية عليهم في وسط بيروت (الشرق الأوسط)
لاجئون فلسطينيون يتظاهرون للمطالبة بنقل الوصاية عليهم في وسط بيروت (الشرق الأوسط)
TT

فلسطينيون في لبنان يطالبون بنقل الوصاية من «أونروا» إلى المفوضية العليا للاجئين

لاجئون فلسطينيون يتظاهرون للمطالبة بنقل الوصاية عليهم في وسط بيروت (الشرق الأوسط)
لاجئون فلسطينيون يتظاهرون للمطالبة بنقل الوصاية عليهم في وسط بيروت (الشرق الأوسط)

يتداول فلسطينيو المخيمات اللبنانية على نطاق واسع هذه الأيام تسجيلاً صوتياً يحث سامعه على الدعاء بالتوفيق لمسعى 17 محامياً متطوعاً، بينهم أحد العاملين في الأمم المتحدة، يناقشون في مقر المنظمة الأممية في فيينا نقل ملف اللاجئين الفلسطينيين من وصاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وجاء التحرك القانوني بعد مبادرة «الهيئة الشبابية الفلسطينية للجوء الإنساني» إلى إرسال الوثائق والصور والفيديوهات عن وضع الفلسطينيين في المخيمات، متهمة «أونروا» بـ«التقاعس»، إضافة إلى أسماء وبيانات نحو 13 ألف عائلة ترغب في نقل ملفاتها إلى المفوضية، سعياً إلى استصدار قرار ملزم من الأمم المتحدة. وبحسب الهيئة، بدأت مناقشة الطلب، على أن يُصار إلى إعلام الهيئة بالنتيجة خلال أيام.
ويقول رئيس الهيئة، كمال عقل، لـ«الشرق الأوسط»: «انطلاقاً من مأساتنا وحرماننا من جميع الحقوق المدنية والإنسانية والاجتماعية، والظروف الضاغطة في المخيمات والتجمعات، والعيش في ضياع وعدم وضوح أي رؤية للمستقبل، تجمعنا كهيئة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وقررنا البدء في الحراك المدني السلمي الشعبي للمطالبة باللجوء الإنساني والعيش بكرامة».
وأضاف: «نظراً إلى ظروف لبنان وإمكانياته المحدودة وتجاذباته الداخلية من جهة، ونظراً إلى إهمال (الأونروا) وتقاعسها ولا مبالاتها، وبعد دراسة الوضع الراهن، وبسبب عجزنا عن تغيير القوانين اللبنانية لجهة إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، ارتأينا أن الحل الوحيد هو اللجوء الإنساني للدول الكبرى، التي تعيد توطين اللاجئين بحصص محددة من الأمم المتحدة. لذلك نحن نطالب برفع وصاية (الأونروا) عمن يرغب، ونقل ملفاتنا إلى المفوضية السامية للاجئين لقبول لجوئنا الإنساني».
وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع «أونروا»، ووافق مسؤولها الإعلامي في البداية على الإجابة عن أسئلة متعلقة باتهام الهيئة لها بالتقصير، وعن موقفها من طلب نقل الوصاية؛ لكن الأجوبة لم تصل، وامتنع المسؤول الإعلامي عن الرد على اتصالات هاتفية.
وتزداد أوضاع الفلسطينيين في المخيمات وخارجها سوءاً. ويقول المسؤول الإعلامي للهيئة، حمزة الخطيب، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يأمل كثيراً في نجاح مسعى اللجوء الإنساني. ويضيف: «أتعذب منذ بدأت أعي التحديات التي يفرضها عليَّ اللجوء في لبنان. فقد كنت أعمل في إحدى الشركات، حتى صدر قرار وزير العمل بوجوب حصول الفلسطيني على إجازة عمل. حينها تم الاستغناء عني وفصلي من الشركة التي لا تريد تثبيتي بعد سنوات من العمل لديها».
ويذكر حمزة أنه اضطر إلى «إجراء عملية جراحية كلفت 1500 دولار، لم تسدد منها (الأونروا) إلا نحو 170 دولاراً، في حين تولت العائلة تجميع المبلغ المطلوب». ويضيف أن شقيقته التي هاجرت إلى الدنمارك قبل بضعة أشهر «تعيش حياة كريمة، فقد مرضت ابنتها الصغيرة، وبعد علاجها في المستشفى تولت الدولة دفع نفقات ممرضة ترعى حالتها بانتظار شفائها الكامل».
من جهته، يقول عقل: «تدارسنا الموضوع من ناحية قانونية، حددنا مشكلتنا بوصاية (الأونروا) علينا كلاجئين. وكم هي وصي سيئ. فذهبنا إلى سفارات الدول التي تمولها، وقابلنا مسؤولين فيها وشرحنا الوضع برسائل سلمناها إلى المسؤولين في السفارات، وناقشنا وضع المخيمات المزري، وسرقة الحقوق الشرعية للاجئين الفلسطينيين. لذا طرحنا فكرة اللجوء الإنساني إلى دول تحترم حقوقنا. ونعمل وفق القانون».
ويوضح أن «أجوبة السفارات جاءت متشابهة. وهي أنها تدعم صمود اللاجئين الفلسطينيين عبر (الأونروا). فأكدنا أن هذا الدعم لا يصل إلينا، ليبقى ضمن الإدارة. فمدير مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد الذي لم ينجز منذ أكثر من عشرة أعوام، يتقاضى 230 ألف دولار سنوياً، في حين يتقاضى موظفو (الأونروا) من الفلسطينيين عشرة دولارات يومياً. قدمنا للمسؤولين في السفارات أدلة على فساد المنظمة وتردي أوضاعنا المعيشية. لمسنا تعاطفاً؛ لكن لا مجال للتغيير إلا عبر قنوات قانونية. لذا بدأنا مشروع اقتراح قانون يقضي بنقل ملفاتنا من (الأونروا) إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لمن يرغب، بناء على حريته الشخصية».
ويواجه هذا التحرك اتهامات فلسطينية بأنه «مدعوم من جهات أجنبية»، وبأن لديه أجندات «تخدم إسرائيل ومشروع (صفقة القرن)» الأميركي الذي يطرح تصفية «أونروا».
غير أن عقل الذي يعمل على مشروعه منذ عام 2014 ينفي هذه الاتهامات، قائلاً إن «الحق القانوني للاجئ يسمح له برفض الوصي السيئ ليقرر مصيره. خارج لبنان يمكننا الحصول على حقوق إنسانية. ولا علاقة لمطلبنا بإلغاء حق العودة، فهذا الحق منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة، وليس تحركنا ما يبقيه أو ينهيه. نحن نطالب بتغيير واقعنا الأليم فقط لا غير».
ورد على منتقديه متسائلاً: «هل تملك الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان خطة لمحاربة إسرائيل؟ هل يستخدم السلاح الفلسطيني الموجود في المخيمات لتحرير فلسطين أم لنتقاتل فيما بيننا؟ نحن كمجموعة ناشطة ندعو إلى تقييم الوضع الفلسطيني في لبنان، من خلال اجتماعات مع القيادات لنعرض مطالبنا. ولا نخفي شيئاً. ولا لزوم لاختلاق الشائعات. ولا عداء لدينا مع أي فصيل من الفصائل أو جمعية أو حزب. فنحن خرجنا بمشروعنا من معاناة شعبنا ودرسنا أوضاعنا، فلم نجد إلا صيغة اللجوء الإنساني، وحاضرون لمناقشة هذه الصيغة».
ويقول الناشط الفلسطيني، لطيف علي، لـ«الشرق الأوسط»: «من يريد تحرير فلسطين، كيف يستطيع ذلك إن لم يكن يملك طعاماً؟ نحن لا نتهرب، ولكن افتحوا لنا الحدود لنهجم. وبالانتظار. لأولادنا الحق في حياة كالبشر». وأضاف: «لم نتخلَّ عن فلسطين؛ لكن في دولة تمنحنا حقوقنا سنكون قادرين على خدمة قضيتنا أكثر بكثير مما يمكن أن نقوم به في لبنان».
وأشار عقل إلى أن حملته تسعى إلى «نصب خيمة عند المدخل الأساسي لـ(الأونروا) كمركز لنا. وقد أخاف هذا المسعى كثيرين، فبدأت الحرب علينا، من (الأونروا) أولاً ومن الفصائل ثانياً؛ لكننا مصرون ومتفائلون بأن بالإمكان تحقيق مطلبنا؛ لأن السفارات التي تواصلنا معها أبلغتنا أن لا مانع لدولها من استقبالنا عندما تنتقل ملفاتنا من (الأونروا) إلى المفوضية، كما غيرنا من طالبي اللجوء. وحاول بعض الاعتباطيين أن يخربوا مسعانا؛ لكننا نستمد قوتنا من الناس المؤمنين بأن التغيير هو سبيل نجاتهم، من خلال قرار للأمم المتحدة ينهي معاناتهم المتفاقمة».
وأكد أن «الهيئة تلقت أكثر من 12 ألف طلب لأسر تريد اللجوء الإنساني، أي ما يفوق 73 ألف فلسطيني يريدون مغادرة لبنان. ومطلبنا بعيد عن السياسة والبروباغندا. نحن نعيش في وضع يرثى له، ونطالب بتغييره».



الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.


الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
TT

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» يُوسع أهداف «الشباب»... فهل تتعاون مع مقديشو؟

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)
عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

وسع الاعتراف الإسرائيلي بـ«جمهورية أرض الصومال» من أهداف حركة «الشباب» الإرهابية، بإعلان استعدادها لـ«حرب تل أبيب في هرجيسكا»، وسط تساؤلات حول إمكانية تعاون الحركة مع حكومة مقديشو في المستقبل.

وأكد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة إسرائيل سوف تعطي ذرائع لـ(الشباب) عبر إعادة النشاط واكتساب بيئة حاضنة ومتطوعين جُدد». لكن الخبراء استبعدوا أي «تعاون بين الحركة الإرهابية والحكومة الصومالية».

ويكثف الجيش الصومالي منذ أكثر من عام عملياته العسكرية ضد عناصر «الشباب»، ونجح خلال الأشهر الأخيرة في استعادة السيطرة على مناطق عدة كانت تحت سيطرة الحركة، خصوصاً في وسط البلاد... وتؤكد وزارة الدفاع الصومالية أن «العمليات ضد الإرهابيين سوف تستمر حتى يتم القضاء عليهم بشكل كامل في جميع محافظات البلاد».

الخبير العسكري، رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» سوف يوسع أهداف حركة «الشباب»؛ ورغم أن هذه التنظيمات لا تضع إسرائيل هدفاً أول؛ لكن فكرة وجود إسرائيلي حتى عبر «اعتراف» أو تجارة تكون جاذبة لمثل هذه التنظيمات، من أجل اكتساب بيئة حاضنة، ومتطوعين جٌدد، لذا فالحركة تعلن توسيع النشاط ضد إسرائيل.

وأضاف أن حركة «الشباب» موجودة في إقليم «بونتلاند» الملاصق لـ«صوماليلاند» وموجودة في جنوب الصومال بكثافة، وفكرة الانتقال إلى «أرض الصومال» قد تبدو محتملة في ظل وجود سيولة حدودية، فمن الممكن أن تنتقل عناصر الحركة. ولم يستبعد راغب أن «تمنح هذه التطورات فرصة للحركة للتنقل عبر دول أخرى من خلال توسيع العمليات، لأنها فرصة لها».

تصاعد الدخان بالقرب من مجمع قصر الرئاسة بالصومال عقب انفجارات في مقديشو يوم 4 أكتوبر الماضي (رويترز)

الجانب الدعائي

خبير الأمن الإقليمي، رئيس مركز «السلام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور أكرم حسام، قال إن «الاعتراف الإسرائيلي سوف يعطى ذرائع أو حجج لـ(الشباب) التي تواجه في الفترة الأخيرة ضغوطاً كبيرة، خصوصاً من قِبَل القوات الدولية التي تم تشكيلها لمواجهة الحركة». وشرح: «بالفعل الحركة تعرضت لتقويض كبير لدورها خلال الفترة الأخيرة، وانحصرت عملياتها في نطاقات محدودة خلال العامين الماضيين»، لافتاً إلى أن «خطوة إسرائيل سوف تدفع الحركة لإعادة تنشيط دورها في منطقة القرن الأفريقي».

ملمح آخر تحدث عنه حسام بأن «اعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال) سوف يعطي مساحة للحركة في الجانب الدعائي الخاص بمسألة التجنيد، ولمّ الصفوف مرة أخرى، وتوحيد الجهود ووضع أهداف جديدة تبدو براقة لبعض العناصر المتطرفة المتمركزة في منطقة القرن الأفريقي أو القريبة منها».

وفي تقدير حسام فإن «تهديد الحركة بإعلان استعدادها لـ(الحرب) ضد إسرائيل في الإقليم الانفصالي (أرض الصومال) قد يواجه صعوبة كبيرة لتنفيذ هذه التهديدات»، لكن سيبقى الأثر في الجانب الدعائي فقط والسياسي والبحث عن أنصار وداعمين جدد».

وتعهّدت «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بمواجهة أي محاولة من جانب إسرائيل «للمطالبة بأجزاء من أرض الصومال أو استخدامها»، وقالت في إفادة، السبت، «لن نقبل بذلك، وسنحاربه». وحسب «الشباب» فإن اعتراف إسرائيل بـ«جمهورية أرض الصومال» أظهر أنّها «قررت التوسع إلى أجزاء من الأراضي الصومالية».

ضباط شرطة صوماليون يسيرون على طول حاجز وسط الطريق خلال دوريتهم بمقديشو في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

تعاون مستبعد

حول التعاون المستقبلي بين حكومة مقديشو و«الشباب». استبعد راغب أن «يحدث أي تعاون بشكل صريح بين الحركة ودولة الصومال، لأنه لو حدث فإن ذلك يدين الصومال، ولن تخرج مقديشو إطلاقاً وتعلن أنها تتعاون مع الحركة»؛ لكنه لم يستبعد أن يكون هناك عمل سري صومالي عبر خلايا تعمل داخل إقليم «أرض الصومال» ترفع شعارات حركة «الشباب» أو تنظيم «داعش» أو أي تنظيم آخر.

أيضاً حسام استبعد هذا الخيار بكل الأحوال، بقوله: «لن يكون هناك تعاون بين حركة إرهابية والحكومة الشرعية في الصومال»، لأننا هنا نتحدث عن مسار دولة تعمل من أجل التصدي للإجراء الإسرائيلي في «أرض الصومال». ويرى أن «تركيز الحكومة الصومالية حالياً وفي المستقبل سوف ينصب على الجهد الدبلوماسي لعدم توافر إمكانات أخرى لمواجهة هذا الأمر».

وقال حتى فيما يتعلق بمسألة «الخيارات الصلبة أو العنيفة» التي يمكن أن يتخذها الصومال تجاه «الإقليم الانفصالي» غير المعترف به، هذا أمر مستبعد، نتيجة للتحالفات الحالية التي تحظى بها «أرض الصومال» مع عديد من الدول والأطراف الداعمة، ولا ننسى الآن أن إسرائيل موجودة على الخط، وهناك محاولات لجر أميركا للوجود في «أرض الصومال» من خلال منح بعض القواعد العسكرية كما تم الحديث عنه من قبل، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب، «لم يقطع بأنه لن يعترف بـ(أرض الصومال)، وأبقى المجال مفتوحاً للاعتراف مستقبلاً».

ويشار إلى أن الوضع الأمني في الصومال قد تدهور بشكل ملحوظ عام 2025. وأعلنت «الشباب» في مارس (آذار) الماضي مسؤوليتها عن انفجار قنبلة كادت أن تصيب الموكب الرئاسي. ومطلع أبريل (نيسان) الماضي أطلقت قذائف سقطت قرب مطار مقديشو. كما استهدف هجوم انتحاري في يوليو (تموز) الماضي أكاديمية عسكرية تقع جنوب العاصمة الصومالية.

وبداية أغسطس (آب) الماضي، شنت بعثة الدعم وإرساء الاستقرار التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال «هجوماً كبيراً» لاستعادة السيطرة على مدينة باريري في منطقة باس شابيل التي تبعد مائة كيلومتر غرب العاصمة الصومالية. وكانت باريري تضم قاعدة عسكرية كبيرة، وسقطت في أيدي «الشباب» من دون معارك في مارس الماضي، بعد انسحاب الجيش منها، وذلك إثر تدمير عناصر الحركة جسراً حيوياً لإيصال الإمدادات العسكرية.

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

مستقبل «الشباب»

عن مستقبل نشاط «الشباب». أكد سمير راغب أن «الحركة سوف تستمر في نشاطها، لأن الفكرة القائمة عليها الحركة أن تُحدث فوضى وتأثيرات في أي نظام سياسي تؤدي إلى ضعفه أو سقوطه، لأنها تريد أن تحكم»، وبالتالي «هي لن ترفع راية الوطنية بالحديث عن محاربة إسرائيل، لكن لديها فكرة دائمة في البحث عن (ضوء) فيُمكن أن تخفف في منطقة وتزيد في منطقة أخرى.

وحسب أكرم حسام فإنه «لا داع للربط بين مستقبل نشاط الحركة واعتراف إسرائيل بـ(أرض الصومال)، لأن الحركة لها دعائم للبقاء خلال الفترة الحالية والمستقبلية». وتابع: «كل طموحات الحركة تتركز حالياً في دولة الصومال، ولديها حواضن محلية قائمة على العشائر أو القبائل، ولديها مصادر تمويل تستطيع من خلالها ضمان القدرات المالية، والدليل على ذلك أنه رغم الحملة الدولية على (الشباب)»؛ فإن الحركة «تستطيع التعايش مع هذا الضغط من خلال الاحتماء بهذه الحواضن العشائرية».

وأفاد تقرير لـ«وكالة الأنباء الصومالية» (صونا) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن «الفرقة الـ43 للجيش الوطني وقوات الكوماندوز الخاصة نفذت عمليات عسكرية مخططة في البلدات التابعة لمنطقة جمامي بمحافظة جوبا السفلى». وطبقاً للوكالة «تكبدت عناصر الحركة حينها خسائر فادحة جرّاء العمليات العسكرية الجارية؛ حيث تم طردها من تلك المناطق التي كانت تتحصن فيها». وذكرت «الوكالة» أن «العمليات العسكرية البرية ترافقت مع غارات جوية شنّها الجيش الوطني، وأسفرت عن تدمير أوكار الإرهابيين».