يندرج «العرض السينمائي تصوراً للعالم» للكاتب والناقد السينمائي المغربي محمد شْويكة، ضمن الدراسات المكرسة للبحث في فلسفة السينما، وتشريح تجاربها المُؤسِّسَة، خصوصاً في مجال الدراسات الأنجلوساكسونية من خلال متن الفيلسوف الأميركي ستانلي كافل، وذلك انطلاقاً من فكرة ترى أننا «لا يمكن أن نرفع كل المنجزات السينمائية إلى أعلى درجات التفكير، ولا يمكن أن ننفي التفاهة على بعض الأعمال، ولكن اهتمام بعض الفلاسفة بها من قبيل هنري برغسون وجيل دولوز ودومينيك شاتو وألان باديو وستانلي كافل وسواهم ليس مجرد ترفيه أو مضيعة للوقت»، إذ «في تعقد الخطاب السينمائي تجريب للمفاهيم الفلسفية ذاتها، وتمرين للفيلسوف عينه على الذهاب إلى حقول جديدة من شأنها أن تقوده صوب مغامرة جديدة تضعه وتضع الفلسفة خارج موضوعاتها ومتاريسها الأثيرة والمكرورة في بعض الأحيان»، حيث تشمل فلسفة السينما الحديث عن «السينما الفلسفية» و«التجربة الفلسفية داخل السينما» و«فلسفة الظاهرة السينمائية» و«فلسفة الظاهرة الفيلمية» و«استيتيقا السينما»، كما تجعل السينما ذاتها أمام التوجهات الفلسفية المعاصرة كالفينومينولوجيا والفلسفة التحليلية والدراسات الثقافية وغيرها.
يتوزع الكتاب، الصادر عن دار «توبقال» للنشر بالدار البيضاء، بين مقدمة وخمسة فصول تمحورت حول «ستانلي كافل فيلسوفاً»، و«مكانة السينما في فكر الفيلسوف ستانلي كافل»، و«حول مفهوم العرض»، و«التواصل السينمائي وروافده»، و«التشكل الأنطولوجي للتأمل السينمائي لدى كافل»، فضلاً عن خاتمة.
يسائل الكتاب، انطلاقاً من تجربة ستانلي كافل، إمكانية وجود اعتراض على الدراسة الرصينة والإنسانية للسينما، من منطلق أن «فكرة السينما محددة نحوياً ومؤسساتياً بالجمع»، الشيء الذي يتجلى في «قدرة السينما على تقديم التجارب الإنسانية في كل أشكالها وتعددها لتكون في متناول الجمهور العام والدراسين»، لذلك يشدد شْويكة في مقدمته على أنه يبقى من الطبيعي «الاهتمام بفتح صلة - أو صلات - ممكنة تفتح النشاط السينمائي في مجمله على الفلسفة التي تجدد عدتها المفاهيمية والمنهجية، وتحيين نظرياتها الأنطولوجية والإبستيمولوجية والاستيتيقية لتواكب التعبيرات الإنسانية الجديدة؛ إذ بات من المعلوم أن للصورة مكانة رئيسية في حياتنا الراهنة، وأن المقترحات التخييلية للسينما تستثمر تفاصيل الفرد والجماعة لرسم خرائط جمالية جديدة عبر تقنياتها التي تتطور باستمرار، والتي لا يمكن اختزالها في الفرجة كما يدعي المعارضون لجدارة السينما بحمل التأمل إلى درجاته القصوى، وبتقديمها لأعمال إبداعية خلاقة».
تنطلق مقدمة الكتاب من أن أغلب النقاد السينمائيين وبعض الأكاديميين يعتبرون أن «السينما لا يمكن أن تفكر، ولا تحمل فكراً، ويصر بعضهم بقوة على ذلك، والحال أن الساحة الأكاديمية لم تعرف إلا محاولات قليلة في كل ما يتعلق بالبحث السينمائي، والدراسات السينمائية. وهي لم تخضع بعد للتحليل العلمي الدقيق الذي لا يمكن أن نخلطه بالنقد الذي ينتصر لما هو ذاتي وذوقي أكثر». وفي هذا السياق، يرى شْويكة أنه «ليس في أمر الاهتمام بعلاقة السينما بالفكر ما يدعو إلى الدهشة لأن المسألة تحتاج إلى بعض الوقت، وإلى تأهيل ثلة من الباحثين داخل الكليات التي بادر بعض الأساتذة الباحثين بالاهتمام بالصورة عامة، والسينما خصوصاً، في محاضراتهم، وتحيل بعض كتاباتهم على مجالاتها وأسئلتها، وذلك ما يسهم في الابتعاد عن الخطابات العامة حول السينما».
يذهب شْويكة إلى أن التحليل الفلسفي للأفلام يشكل أهم مجال لتطبيق النظريات والمفاهيم الفلسفية داخل السينما التي تطرح تصورها للعالم بشكل تعبيري مختلف، وتنسج خطابات متجددة حول الذات والآخر، ما يغني الاستيتيقا ويدفع بها نحو تجديد أسئلتها المرتبطة بالفن الذي عرف بدوره منطلقات كثيرة جراء التحولات التقنية والتكنولوجية التي طالت مختلف مجالات الصورة»، فيما يتجاوز توغل الكاميرا في المجتمعات الراهنة الفيلسوف ذاته، ويضع السؤال الفلسفي على المحك بعد أن أصبح الناس يبعثون تأملاتهم وهواجسهم وإحباطاتهم وأقوالهم وصورهم وفيديوهاتهم بالملايين في كل دقيقة على صفحات التواصل الاجتماعي، وصرنا في حاجة مضاعفة لتأمل الواقع في طبيعته الحالية، وفحص طموح الإنسان المكثف للتحرر الفردي والجماعي، ونقد ميلودراما الواقع والخيال معاً كما جاء في سياق التحاليل الفلسفية لبعض الأفلام كثلاثية «ماتريكس».
يشير شْويكة إلى الأهمية القصوى التي تحظى بها الكاميرات داخل السينما، ليشدد على أنه لا يمكن تناول الظاهرة الفيلمية دون حد أدنى من المعرفة بها، وكذا اللغة السينمائية المرتبطة بتقنياتها، فــ«كل حركات الكاميرا يمكنها أن تدل أو لا تدل على شيء معين، وكل قطع، وكل إيقاع للمونتاج، وكل إطار، وكل انثناء داخله أو بعض الأشياء يتجدد وفقاً لطبيعة السينما والسياق الخاص الذي تنتج فيه الحركة داخل فيلم معين».
يشار إلى أن شْويكة المعروف بحضوره في مجال الإعلام الثقافي، يتميز بكتاباته في القصة والنقد السينمائي وبانشغالاته في المجال الفلسفي. ومن بين كتاباته في مجال المتابعة والنقد السينمائيين، نجد «الصورة السينمائية: التقنية والقراءة» و«أطروحات وتجارب حول السينما المغربية» و«السينما المغربية... رهانات الحداثة ووعي الذات» و«السينما المغربية: تحرير الذاكرة... تحرير العين» و«مجازات الصورة: قراءة في التجربة السينمائية لداود أولاد السيد» و«الصورة السينمائية... التقنية والقراءة».
السينما تفكر أيضاً
السينما تفكر أيضاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة