خروقات تشكّك في سلامة نظم القياسات البيولوجية وأمنها

سرقة بصمات الأصابع وتزييف الصوت لاستخلاص البيانات الشخصية

تركيب أصوات المستخدم  للدخول إلى بياناته الشخصية
تركيب أصوات المستخدم للدخول إلى بياناته الشخصية
TT

خروقات تشكّك في سلامة نظم القياسات البيولوجية وأمنها

تركيب أصوات المستخدم  للدخول إلى بياناته الشخصية
تركيب أصوات المستخدم للدخول إلى بياناته الشخصية

تعكس البصمات المسروقة، والأيدي المزيّفة، والأصوات المركبة، وغيرها من التقنيات المريبة، كثيراً من التحديات التي تحيط القياسات البيولوجية Biometrics.
مع تصاعد وتيرة عمليات الاحتيال وسرقة بيانات الحسابات الإلكترونية والسيطرة عليها التي تؤرق خبراء الأمن، ظل كثير من النقّاد يعتقدون أن نظم القياسات البيولوجية للتصديق على الهوية الشخصية هي الحلّ.
ولكنّ أي مخضرم في عالم الأمن الإلكتروني سيقول لكم إنّ حلّ هذا الأمر ليس بسيطاً. صحيح أنّ المقاسات الحيوية تزوّدكم بصيغة مصادقة أكثر إحكاماً من عمليات وضع اسم المستخدم وكلمة المرور، ولكنّها تنطوي على مخاطرها الخاصة أيضاً.

خروقات حديثة
شرح الباحثون عدداً من الخروقات والقرصنات الأخيرة، وفصّلوا الفجوات التي قد تظهر في طبقات أي نموذج أمني يعتمد بدرجة كبيرة على القياسات الحيوية.
> اختراق نظام «بيوستار 2» BioStar 2 يعرّض مليون بصمة إصبع للانكشاف. وهذا النظام هو منصة إنترنتية مفتوحة متكاملة الجوانب الأمنية.
إنّ ثبات وعدم تغيّر القياسات البيولوجية الجسدية من شأنه أن يشكّل خطراً عند استخدامها كعامل مصادقة، إذا تمكّن القراصنة من اختراق البيانات. والحالة التي تحدّث عنها أخيراً موقع «دارك ريدينغز» الإلكتروني، حصلت قبل بضعة أسابيع، عندما وجد الباحثون الأمنيون قاعدة بيانات من المعرّفات (أدوات التعريف) البيولوجية غير محمية وغير مشفّرة، تديرها منصّة «بيوستار 2»، التي عرّضت معلومات ملايين الأشخاص للخطر. كانت هذه القاعدة تحتوي على 23 غيغابايت من البيانات التي تتألّف من معلومات التعرّف إلى الوجه، وأسماء المستخدمين وكلمات المرور غير المشفّرة، وبصمات أصابع مليون شخص.
> اختراق نظام مكتب شؤون الموظفين في الولايات المتحدة OPM»» يعرّض 5.6 مليون بصمة إصبع للانكشاف.
إنّ بروز قدرة القراصنة على استخراج بصمات أصابع 5.6 مليون موظف فدرالي كان من أهمّ التفاصيل الصادمة للاختراق المدمّر، الذي طال قاعدة بيانات الخاصة بمكتب شؤون الموظفين عام 2015. وتبيّن أنّ هذه البصمات تعود لأهمّ الأسماء وأكثرها حساسية في الحكومة الأميركية، ما جعل منها مخزن أسرار ثميناً، للخصوم.
> قرصنة ماسح بصمة الإصبع في هاتف «سامسونغ غالاكسي S10».
المشكلة في سرقة بصمات الإصبع من مخازن بيانات «بيوستار» و«OPM» هي أنّ القراصنة يستطيعون وبكلّ سهولة تقليدها باستخدام كلّ شيء من طبعات البصمة الشمع مثلاً إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد المصنوعة على غرار أي معلومة مسروقة. هذه الحيلة ظهرت إلى العلن في 10 أبريل (نيسان) الماضي ندماً تمّ اختراق ماسحات بصمة الإصبع في أحدث هواتف «غالاكسي» من «سامسونغ».
> خرق نظام التعرّف إلى الوجه التابع للهيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة. في أوائل هذا الصيف، أعلنت الحكومة الأميركية عن اختراق طرف ثالث لأحد المقاولين الفرعيين العاملين لدى هيئة الجمارك وحماية الحدود، استهدف مخزوناً سرياً لصور التعرّف إلى الوجه. وعرّض هذا الاختراق ما يقارب 100000 صورة لمسافرين ولوحات ترخيص تستخدمها الوكالة للتحقّق من هويات المسافرين والمصادقة عليها. وكان المتعاقد الفرعي، شركة «بيرسيبتيكس إل إل سي»، قد وضع الصور على خوادم لتكنولوجيا المعلومات، فقط لتتمّ سرقتها عبر اعتداء سيبراني خبيث.

تزييف اليد والصوت
> استخدام يد مزيّفة للتلاعب بالقياسات الحيوية. هذه الحيلة مصممة لتقديم تأكيد أفضل مقارنة بتقنيات قراءة بصمة الإصبع السهلة الخداع، وهي تُعرف باسم «التعرّف على رّاحة اليد والوريد» palm - vein recognition، ولكنّها بدورها لا تخلو من مواطن الضعف. فقد أفاد باحثون العام الماضي أنّهم قادرون على ابتكار يد مزيّفة من الشمع واستخدامها للتلاعب بنظم قياسات الوريد البيولوجية المنتجة من قبل «فوجيتسو»، و«هيتاشي»، إلا أن عملية ابتكار اليد تطلبت نحو شهر واعتمدت على 2500 صورة لأشكال الوريد.
> سوق البصمات. عشرات آلاف بصمات الإصبع الرقمية المسروقة تُعرَض في السوق السوداء
مع بداية هذا العام، اكتشف الباحثون في مختبرات «كاسبرسكي» سوقاً نشطة للبصمات الرقمية المسروقة. وأظهر مخزن البيانات الرقمية أنّ القراصنة يعملون بجدّ للتوصل إلى طرق احتيال تتمحور حول رصد القياسات البيولوجية السلوكية لأي مستخدم بهدف ابتكار عوامل مصادقة هوية مبينة على مقطع عرضي من السلوكيات والمواصفات.
> صناعة الصوت لخرق المصادقة الصوتية. يقول كثير من الخبراء إنّ المصادقة الصوتية هي الحلّ الأمثل لتفادي مخاطر الاختراق التي تواجهها القياسات الحيوية الأخرى، كبصمة الإصبع.
ولكنّ الحقيقة هي أنّ بصمات الصوت يمكن التلاعب بها أيضاً. فقد وجد الباحثون، العام الماضي، في مؤتمر «بلاك هات» أنّه وبنموذج صوتي صادر عن مكبّر صوت ومدّته عشر دقائق، تمكّنوا من اختراق أنظمة مصادقة صوتية متعدّدة. ونظراً لأنّ الشخصيات البارزة التي تكون عادة مستهدَفة موجودة على التواصل الاجتماعي، ومواقع المؤتمرات، وغيرها من الحلبات الإلكترونية التي تعجّ بالفيديوهات العامّة، لن يصعب على القراصنة الحصول على بصمات أصواتهم.



الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».