الدعم الاقتصادي الدولي للبنان مرهون بالنأي بالنفس «عملاً لا قولاً»

جانب من مؤتمر {سيدر} الذي استضافته باريس العام الماضي (أ.ف.ب)
جانب من مؤتمر {سيدر} الذي استضافته باريس العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

الدعم الاقتصادي الدولي للبنان مرهون بالنأي بالنفس «عملاً لا قولاً»

جانب من مؤتمر {سيدر} الذي استضافته باريس العام الماضي (أ.ف.ب)
جانب من مؤتمر {سيدر} الذي استضافته باريس العام الماضي (أ.ف.ب)

أكد مصدر وزاري لبناني واسع الاطلاع أن بلاده تلقت رسالة واضحة من المجتمع الدولي مفادها أنه لن يتخلى عن مساعدة لبنان للتغلب على أزماته المالية والاقتصادية «شرط التزام النأي بالنفس فعلاً لا قولاً، وأن يكون القرار في السلم والحرب من صلاحية الحكومة بلا أي شريك محلي»، في إشارة إلى المواقف التي تصدر عن «حزب الله» وتتعارض مع هذه التوجهات.
وقال المصدر الوزاري لـ«الشرق الأوسط» إن «لبنان نجح في الحفاظ على استقراره من خلال الدور الذي قام به رئيس الحكومة سعد الحريري إبان حرب الطائرات المسيّرة» بين «حزب الله» وإسرائيل، ورأى ضرورة وجود حاضنة سياسية لمقررات «سيدر» فور إطلاق الضوء الأخضر لوضعها موضع التنفيذ وأنها لن تتأمن إلا بقيام شبكة أمان سياسية لا تعرّض البلد إلى أي اهتزاز من جراء الخروج على البيان الوزاري الذي نص من دون أي لبس على التزام الحكومة بسياسة النأي بالنفس.
وأكد أن على الحكومة القيام بجهد خاص لدى «حزب الله» بهدف «إقناعه بجدوى النأي بالنفس وعدم استخدام لبنان على أنه منصة لإطلاق الصواريخ السياسية التي تستهدف الدول العربية التي لم تقصّر يوماً في مد العون للبلد».
وشدد على أن البدء بتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» لن يسري مفعوله «ما لم يصَر إلى تحصين الوضع الداخلي وتعزيز الاستقرار فيه، وهذا لن يتحقق إلا بالتزام جميع الأطراف، وتحديداً (حزب الله)، بسياسة النأي بالنفس وعدم إقحام لبنان في لعبة المحاور، أكانت إقليمية أو دولية لأنه بذلك يعرّض تحييده إلى الأخطار ويدفع في اتجاه إقحامه في الصراعات المشتعلة في المنطقة بدءاً بدول الجوار».
ورأى أن على الحكومة الإفادة من الوقت إلى حين انعقاد الهيئة الاستراتيجية لمتابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» في باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل والإسراع باستكمال التحضيرات المطلوبة منها للإفادة من هذه المقررات المخصصة لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية.
وقال إن «هدر الوقت لا يصب لمصلحة البلد لأنه سيؤدي إلى التأخير في توظيف مفاعيل المقررات التي تدفع باتجاه منع الانهيار».
واعتبر أنه «لم يعد من مبرر يعيق الإسراع بتحقيق الإصلاحات المالية والإدارية شرط أن تأتي متلازمة مع إقرار الموازنة لعام 2020 في موعدها الدستوري، وأيضاً الشروع في خفض العجز بدءاً بالكهرباء». وسأل عن الأسباب التي لا تزال تعيق تشكيل الهيئات الناظمة لقطاعات الكهرباء والطاقة والاتصالات والطيران، وأيضاً تعيين نواب حاكم مصرف لبنان ومجلس إدارة جديد لمجلس الإنماء والإعمار. ورأى أن التأخير لا يخدم الإسراع بالإفادة من مقررات «سيدر» باعتبار أن «هذه التعيينات باتت ملحة ويجب الإفراج عنها في أقرب وقت ممكن».
وكشف أن «بعض التعيينات كان موضع انتقاد لانطلاقه من مبدأ المحاصصة وأدى إلى حصر الحصة المسيحية بالتيار الوطني الحر كأنه يراد منها إلغاء جميع منافسيه في الشارع المسيحي».
وقال إن «الحكومة لم تكن مضطرة لإسناد منصب المجلس الأعلى للخصخصة إلى فرحات فرحات المحسوب مباشرة على الوزير جبران باسيل». وأكد أن «هذا المنصب يجب أن يُسند إلى شخصية حيادية لما له من دور في تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص».
وقال المصدر الوزاري إنه يجهل الأسباب الكامنة وراء تأخير تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وأيضاً مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان. وأكد أن «وجود الهيئة الناظمة ضروري لما لها من دور في تحقيق الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في الكهرباء، والتأخير في تشكيلها يعني حكماً أن إدارة هذا القطاع ستبقى تحت إشراف التيار الوطني، خصوصاً أن رئيس المجلس الأعلى للخصخصة يتبع له، وبالتالي لن يكون عائقاً أمام تحقيق هذه الشراكة بشروط لا دور فيها للهيئة الناظمة».
واستغرب قول وزيرة الطاقة ندى البستاني إن تأخير تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء يعود إلى التريث لبعض الوقت ريثما يصار إلى إقرار التعديلات المقترحة على القانون. وشدد على أن «تذرّع الوزيرة بذلك ليس في محله، ومن الأفضل الإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة». وحذر من أن «الحكومة تقف بدءاً من اليوم أمام مهمة قد لا تكون سهلة وتتعلق بتوفير الإطار السياسي العام الذي يشجع الدول على مواصلة دعمها للبنان والذي لن يتأمن عملياً إلا بالتزام الجميع وأولهم حزب الله بسياسة النأي بالنفس عملاً لا قولاً، إضافة إلى المضي في تحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية على قاعدة أن تُعطى الأولوية لتشكيل الهيئات الناظمة بلا أي تردد أو تمديد لهدر الوقت. وعليه، فإن توصّل الحكومة إلى وضع خطة عملية لخفض العجز في الكهرباء يشكل الممر الإلزامي للعبور منه إلى مؤتمر سيدر للإفادة من مقرراته».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.