تحليل إخباري: القمة الروسية ـ التركية ـ الإيرانية منصة للتصعيد ضد أميركا

تفاهمات متبادلة حول أربع نقاط بشأن سوريا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين نظيره الايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب اردوغان خلال لقائهم في انقرة اول امس ( اف ب )
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين نظيره الايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب اردوغان خلال لقائهم في انقرة اول امس ( اف ب )
TT

تحليل إخباري: القمة الروسية ـ التركية ـ الإيرانية منصة للتصعيد ضد أميركا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين نظيره الايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب اردوغان خلال لقائهم في انقرة اول امس ( اف ب )
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين نظيره الايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب اردوغان خلال لقائهم في انقرة اول امس ( اف ب )

حشد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمام نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني للحصول على موقف ثلاثي ضد الأميركيين ويدعم إقامة «منطقة أمنية» شمال سوريا تتضمن إبعاد «الانفصاليين» و«الإرهابيين» وإعادة اللاجئين السوريين، فيما نجح بوتين في تخفيف حدة موقف إردوغان من شروط التسوية السياسية وتشكيل اللجنة الدستورية وإعلان موقف بـ«الحفاظ على السيادة السورية». في المقابل، سعى روحاني إلى ضمان انعقاد القمة السادسة لـ«ضامني» مسار آستانة في طهران في هذا التوقيت الإقليمي والدولي. كان ذلك ضمن نتائج القمة الخامسة بين بوتين وإردوغان وروحاني في أنقرة أول من أمس. وحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، يمكن تلخيص نتائج قمة «الضامنين» الثلاث إزاء أربعة ملفات رئيسية:
1- اللجنة الدستورية: تمت إقرار القائمة النهائية للجنة الدستورية لإجراء الإصلاحات الدستورية وتنفيذ القرار 2254 بعدما سحبت أنقرة اعتراضها على دحام الجربا الذي كانت دمشق رشحته ضمن أربعة أسماء من ضمن 6 أسماء جرى الخلاف عليهم بين «الضامنين» الثلاثة. حاول الرئيس بوتين إقناع الرئيس بشار الأسد بالموافقة على «قواعد العمل» للجنة الدستورية وأوفد مبعوثه ألكسندر لافرينييف إلى دمشق الأحد عشية قمة أنقرة، لكن لم يتم الوصول سوى إلى إقرار أسماء اللجنة.
وعليه، فإن قادة روسيا وتركيا وإيران حققوا اختراقا وحيدا في اللجنة الدستورية بإقرار اسم دحام الجربا والاتفاق على الأسماء الـ150. وجاء في البيان الختامي: «أعربوا (القادة) عن رضاهم إزاء الإنجاز الناجح لجهود تشكيل اللجنة الدستورية وأعادوا التأكيد على دعمهم لجهود المبعوث الأممي غير بيدرسن للتوصل لاتفاق بين الأطراف السورية حول قواعد الإجراءات. وشددوا على استعدادهم لتيسير إطلاق اللجنة الدستورية في جنيف بما يتوافق مع قرارات مجلس الحوار الوطني السوري في سوتشي»، الذي عقد في روسيا بداية العام الماضي. بحسب المعلومات، لم يصل حجم الاختراق إلى حدود الاتفاق على موعد انعقاد اللجنة الدستورية وقواعدها الإجرائية. وهناك رهان على إمكانية توجه بيدرسن إلى دمشق قريباً لإنجاز التعديلات النهائية لـ«قواعد العمل» للجنة الدستورية على أمل الوصول إلى اتفاقات نهائية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من الشهر الحالي التي ستعقد على هامشها لقاءات لوزراء خارجية «المجموعة الصغيرة» الخاصة بسوريا.
2- إدلب ومنطقة «خفض التصعيد»: حصل تفاهم غير مكتوب على تأجيل الهجوم الشامل لقوات الحكومة السورية على إدلب واستمرار طهران في عدم زج ميليشياتها المتمركزة غرب حلب في الهجوم وتوقف القوات البرية الروسية المتمركزة شمال حماة عن التقدم، ما يعني تمديدا مؤقتا لوقف النار.
في المقابل، تمسك الجانب الروسي بضرورة استعجال محاربة «التنظيمات الإرهابية» في إدلب. واتفق القادة الثلاثة بعد مشاورات جماعية وثنائية على «أهمية الحاجة للحفاظ على الهدوء على الأرض عبر التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات المتعلقة بإدلب، خاصة مذكرة سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) 2018». كما أعربوا عن «قلقهم الشديد من تزايد وجود تنظيم هيئة تحرير الشام الإرهابي وأعادوا التأكيد على عزمهم الاستمرار في التعاون للقضاء النهائي على (داعش) و(جبهة النصرة) وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والتنظيمات الأخرى المرتبطة بتنظيمي (القاعدة) و(داعش) والجماعات الإرهابية الأخرى المصنفة من مجلس الأمن».
وحصلت أنقرة على انتقاد لاستهداف المنشآت المدنية والمدنيين في إدلب و«ضمان أمن الأفراد العسكريين المنتمين للدول الضامنة المتمركزين داخل أو خارج منطقة نزع التصعيد في إدلب» في إشارة إلى عناصر الجيش التركي المتمركزين في النقاط الـ12 شمال غربي سوريا. لكن هدفي محاربة الإرهابيين وإعادة فتح الطريقين الرئيسيين اللاذقية – حلب، وحماة - حلب لا يزالان قائمين. وقال بوتين: «علينا اتّخاذ تدابير إضافية لتدمير التهديد الإرهابي الآتي من منطقة إدلب تدميرا كاملا».
3- شمال شرقي سوريا: كان لافتا حجم التركيز في موقف القادة الثلاثة والنقاشات بينهم والبيان الختامي حول الوضع شرق الفرات، خصوصاً أن هذه القمة جاءت بعد أيام من بدء واشنطن وأنقرة تنفيذ ترتيبات عسكرية مع أنقرة شرق الفرات. كانت تركيا تريد إقامة «منطقة أمنية» بعمق 30 كلم وامتداد 410 كيلومترات وإقامة بنية تحتية تسمح بإعادة اللاجئين وإقامة مناطق للمجلس المحلية وسحب السلاح الثقيل لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. لكن أميركا عرضت إقامة «آلية أمنية» شرق الفرات (وليس منطقة أمنية) تشمل إقامة مركز مشترك للعمل العسكري وتنفيذ طلعات جوية وتبادل معلومات وتسيير دوريات مشتركة وبعض الخطوات الرمزية المتعلقة بتدمير مواقع لـ«الوحدات».
لم تكن هذه الخطوات كافية لأنقرة، حيث كرر مسؤولون أتراك التلويح بعملية عسكرية. وعلم أن إردوغان أعطى مهلة لنهاية الشهر الحالي لتلبية واشنطن مطالبه وهو يراهن على لقائه بالرئيس دونالد ترمب في نيويورك لحلحلة موقف العسكريين الأميركيين. وكانت قمة أنقرة بمثابة تمهيد الأرضية للموقف التركي ودعمه. وأكد القادة الثلاثة أن «الاستقرار والأمن في هذه المنطقة (شرق الفرات) لا يمكن تحقيقهما سوى على أساس احترام سيادة ووحدة أراضي البلاد، واتفقوا على تنسيق جهودهم نحو تحقيق هذه الغاية». ورفضوا جميع محاولات خلق واقع جديد على الأرض بذريعة محاربة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي (الكردية) غير القانونية، ويعربون عن عزمهم على معارضة الخطط الانفصالية الرامية لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا وتهديد الأمن الوطني للدول المجاورة»، في إشارة إلى تركيا.
4- ربط بين منطقتين: حاول الرئيس إردوغان الحصول على دعم بوتين وروحاني لخطة تركية بإقامة «منطقة أمنية» بامتداد 910 كيلومترات (ما يعني الاعتراف بضم لواء إسكندرون) وعمق 30 كلم شمال سوريا في محاذاة حدود تركيا لإعادة قسم من 3.5 مليون سوري في تركيا. وقد حاول الحصول على الدعم نفسه من دول أوروبية وعربية وسيكرر ذلك لدى استضافة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبوتين في القمة الرباعية بعد أسابيع. وبدا أن الموقف الثلاثي تضمن بعض الإشارات الداعمة لتصور إردوغان حيث تمت «دعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة والوكالات الإنسانية التابعة لها لزيادة مشاركتهم ومساعداتهم في سوريا عبر تنفيذ مشروعات بمجال جهود إعادة الأعمار الأولي، بما في ذلك البنية التحتية الأساسية؛ مثل الماء والكهرباء والمدارس والمستشفيات وإزالة الألغام». كما دعوا المجتمع الدولي لتوفير الدعم المناسب لـ«إعادة توطين اللاجئين وعودتهم إلى الحياة الطبيعية وإعادتهم التأكيد على استعدادهم في الاستمرار في التعاون مع جميع الأطراف المعنية. ووافقوا على تنسيق مبادراتهم بخصوص تنظيم مؤتمرات دولية حول المساعدات الإنسانية لسوريا وعودة اللاجئين السوريين».
عليه، بدأ من خلال المناقشات والبيانات أن الدول الثلاث تمهد لاحتمال الربط بين منطقتي شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي تحت عنوان «وحدة سوريا وسيادتها»، عبر إقامة «شريط عازل» يمتد على طول الحدود بحيث يكون بعمق متفاوت بين 5 و30 كلم شمال الطريق بين اللاذقية وحلب والقامشلي. وفهم أن بوتين أبدى مرونة في التعاطي مع إدلب حالياً شرط أن تكون هذه الحلول «مؤقتة إلى حين الانتهاء من ملف الإرهاب» مع تمسك روحاني وبوتين بتفعيل «اتفاق أضنة» بين أنقرة ودمشق الذي يسمح لتركيا بالتوغل بعمق خمسة كيلومترات شمال سوريا فقط. وقال إردوغان: «نحن متّفقون تماما في سعينا إلى التوصل لاتفاق سياسي يحفظ الوحدة السياسية لسوريا وسلامة أراضيها».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.