«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية

المنظمات المتشددة تستفيد من الدعم المالي والمواقع الإلكترونية لتطوير مهاراتها.. وانتشارها «بات خارج السيطرة»

«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية
TT

«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية

«الفرقان» و«المنارة البيضاء» ذراعا «داعش» و«النصرة» في الحرب الإعلامية

لم يشهد إعلام المنظمات الجهادية تطورا بصريا، وانتشارا بهذا الحجم، قبل الصيف الحالي، إذ بات هذا الإعلام، الذراع الدعائية القادرة على تجييش الرأي العام، وحثه على تحويل المنظمات المصنفة إرهابية إلى حديث الساعة، سواء عند المؤيدين والمعارضين. وفيما تستفيد المنظمات الجهادية من التطور التقني، والانفتاح الإلكتروني لبث دعايتها، وتحقق انتشارا أوسع، اتجهت منذ بداية الصيف الحالي إلى مأسسته، وتطويره على نحو يضاهي الإنتاج السينمائي، فضلا عن استخدامه كأداة توثيقية إلكترونية، مستفيدة من الدعم المادي الهائل الذي تمتلكه المنظمات الجهادية.
وبينما كان تنظيم «القاعدة» يعتمد على المقاطع الصوتية لقيادييه، قلب تنظيم «داعش» وتنظيم «جبهة النصرة» كل المفاهيم السابقة، لتحويل الضخ الإعلامي باتجاه الصورة، التي تعادل عشرة آلاف كلمة، بحسب المفاهيم الإعلامية، مرفقة بمقاطع حية.
ويتنافس التنظيمان الآن، استنادا إلى الخصومة السياسية والفقهية والآيديولوجية بينهما، على بث مواد إعلامية تقاتل على جبهتين؛ الأولى تتمثل في القتال الإعلامي بينهما، والثانية تتمثل في القتال ضد الخصوم، وهم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، و«حزب الله» اللبناني، والحكومة اللبنانية، والحكومة العراقية، والمقاتلين الأكراد، إضافة إلى الحكومات الغربية التي تحالفت أخيرا لضرب «داعش» في العراق.
واتسعت دائرة القتال الإعلامي من الصوت إلى الصورة والبيان الصحافي، ثم الصور القليلة الجودة التي كانت تُصور بكاميرا الجوال، وصولا إلى الصورة المحترفة، الخاضعة لعملية مونتاج دقيقة بهدف إبراز الجانب المنوي الإضاءة عليه، مرفقة بخلفية صوتية، تنسجم مع الامتداد العقائدي لتلك المنظمات.
وإذا كانت «جبهة النصرة» (فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام) اتجهت إلى مأسسة ذراعها الإعلامية، تحت عنوان مؤسسة «المنارة البيضاء» منذ شهرين، ودشنتها بفيديو يوثق معركة مقاتليها ضد مقاتلي «حزب الله» في جرود القلمون بريف دمشق الشمالي، فإن «داعش» كان السباق إلى مأسسة ذراعه الإعلامية «الفرقان»، وهي مؤسسة الإنتاج البصري الأبرز في التنظيم، قبل تطوير الخيارات إلى مؤسسات أخرى، وإنشاء صحف ناطقة بلغات أجنبية إلى جانب العربية «لتلبي حاجات مقاتليها المهاجرين (الأجانب)»، إضافة إلى إنشاء إذاعات محلية في مناطق سيطرتها.
وانطلقت «الفرقان»، بوصفها مؤسسة إعلامية محترفة، من تصوير فيديو «إعلان الخلافة»، الذي ظهر فيه زعيمها أبو بكر البغدادي، في شهر يوليو (تموز) الماضي، يعلن فيه إقامة دولته في العراق وسوريا. كان ذلك الظهور الأول والأخير للبغدادي، لكن وقعه كان صادما. فقد اعتمدت «الفرقان» تصوير زعيمها بـ5 كاميرات عالية الدقة، من زوايا مختلفة، تسلط الضوء على تفاصيل تحرك البغدادي، وتنقل تعابير وجهه ويديه، وتبرز جزءا من شخصيته.
قرأ الإعلام الغربي في تلك الصورة جانبا دعائيا ضخما لتصوير هالة الزعيم، ونقل صورته إلى ملايين المشاهدين حول العالم، بوصفه زعيما لمنظمة «يفوق منافسه زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن تأثيرا»، خصوصا فيما يرتبط باختيار المكان. وساهم في ذلك التطور التقني وطريقة اختيار اللقطات، والتقطيع المشهدي لصورة البغدادي. ويرجع الخبير في الإعلام والاتصال د. محمود طربيه، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تلك الاحترافية في نقل الصورة، إلى «الموارد المالية الضخمة التي يمتلكها تنظيم (داعش)، والكفاءات في استخدام تلك التقنيات، والاستفادة من التجربة الغربية في التصوير السينمائي»، فضلا عن «إتقان المنظمة لسر الحرب الإعلامية والجانب النفسي والدعائي، مما يكرس وجود التنظيم في العالم كنقطة لجذب الأنظار إليه»، مشيرا إلى أن تلك الصورة «دفعت العالم إلى متابعة التنظيم».
ويقول طربيه إن فيديو «إعلان الخلافة»، يمثل «التأكيد على أن (داعش) يتقن اللعبة الإعلامية على أصولها»، كونه «في مجال الإعلام، إذا لم تقترن الرسالة بنوعية محددة من الشكل والمضمون، فإن قدرتها على الاستمرارية تنخفض إلى حدود موازاتها برسالة يقدمها هاوٍ». وعليه، فإن «وجود الكاميرات وعملية اختيار اللقطة وطريقة وقوفه، وإظهار ساعة اليد في يمناه التي أثارت وسائل إعلام عالية لمتابعتها، تنم عن احترافية عالية»، لافتا إلى أن الفريق الإعلامي في «داعش».. «يتمتع بمهارات إعلامية (ميديا سكيلز) لاختيار الكلمات القادرة على التحشيد دعائيا، استنادا إلى ثقافة دينية واسعة، وإلمام بالمفردات والآيات القرآنية التي تصب في الهدف»، وذلك وفقا لقاعدة أن «الإعلام هو ذراع، لا سياسة ولا حرب بلا إعلام توصل فيه إلى الخصم والحليف».
ويرى طربيه أن أداء فريق مؤسسة «الفرقان».. «يدل على أنهم متمرسون بالعمل الدعائي لإبراز قضيتهم للخصم وللمؤيد والحليف بأنهم موجودون، وقد استفادوا من التطور التقني الحالي».
ولا يقتصر إعلام «داعش» على مؤسسة «الفرقان»، فقد أوسع ماكينته الإعلامية لتشمل مؤسسات إنتاج مرئي أخرى، مثل «الاعتصام» و«الحياة» و«أجناد»، ووكالة أنباء «البركة»، ومجلات بالعربية والإنجليزية مثل «دابق» و«الشامخة»، وإذاعات مثل إذاعة «البيان» في معقله بالموصل، وإذاعة أخرى ينوي إطلاقها في الرقة (شمال سوريا)، كما يحضر لإطلاق محطة تلفزيونية خاصة به، من غير أن يتنازل عن العمل في المدونات، أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، وترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية، مثل الألمانية والإسبانية.
وعلى النقيض، لا تزال الماكينة الدعائية لدى «جبهة النصرة»، محصورة بـ«المنارة البيضاء»، وإذاعة «فجر الجهاد». ونشرت مراسلين لـ«المنارة البيضاء» على طول الجغرافيا السورية، في القلمون بريف دمشق، والقنيطرة ودرعا وحلب ودير الزور شرقا، وفي حمص وسط البلاد.
وتصدر أفلاما لعمليات بعد يوم على الأقل لحدوثها، تتضمن مشاهد حية، بعد خضوعها لعمليات المونتاج والميكساج، وإضافة المقاطع الصوتية. وكانت برزت أيضا في تصوير اعترافات رهائن لديها بطريقة سينمائية، وبثها في مواقع الإنترنت.
بالفعل، رسم التطور الإلكتروني معالم انتشار واسع في العالم الافتراضي للمجموعات المتشددة التي تعتمد الفضاء الإلكتروني وسيلة للتحشيد وتقديم نفسها بوصفها منظمات تتمتع بحيثية واسعة في العالم، حتى باتت صفحاتهم، سواء في «تويتر» أو «فيسبوك» أو «يوتيوب»، مصدرا بالنسبة لوسائل الإعلام التقليدي.
ويقول طربيه: «يجب ألا ننسى أن وسائل التواصل تساهم في انتشار الفيديوهات من شخص إلى آخر، لتكون جزءا من الإدراك لسر الاستمرارية والترويج لرسالة تلك المنظمات، في ظل إتاحتها الفرصة لمليارات الناس لمشاهدتها عبر مواقع التواصل».
ويضيف: «الإنترنت منذ أيام (تنظيم القاعدة) حتى اليوم، لطالما كان وسيلة للانتشار، لكن ما حصل أنه مع التطور ودخول وسائل التواصل والقنوات، مثل (تويتر) على خط الترويج، فإنه كان البديل عن المنع الذي يلحقهم في وسائل الإعلام العامة، وبالفعل بات لهم متابعون»، لافتا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي «تعوّض عن بث الرسالة في قنوات كانت تعرضها، مثل (الجزيرة) في السابق، وباتت طريقهم الأقصر إلى مختلف القنوات الأخرى».
غير أن هذا الجانب، ليس الحيّز الوحيد الذي منح «داعش» أفضلية على سائر المنظمات الأخرى من ناحية الانتشار. فقد بث التنظيم مقاطع الفيديو والرسائل في آلاف الحسابات الإلكترونية في وقت واحد، بما يحقق انتشارا لها، من دون خضوعها لرقابة أو فلترة.. وهي استراتيجية ترويج إلكترونية مبتكرة، للتحايل على القيود. تلك المهارة التقنية والقدرة التكنولوجية، يقف وراءها عقل مدبر، هو الأميركي من أصل سوري أحمد بوسمرا، كما كشفت تقارير أميركية، قبل أسبوعين.
وحال اعتماد هذه التقنية، دون المنع العالمي لمواقع وصفحات الجهاديين، ومحاولات إغلاق الصفحات الجهادية التي يضغط الغرب باتجاه حجبها. لكن تلك العملية مستمرة، ويبدو أنها قوضت إلى حد كبير انتشار الجهاديين، بدليل إطلاقهم حملات دعم واسعة لحسابات بديلة، عبر حسابات أخرى، بعد إقفالها.. وبدليل تهديد التنظيم بشن هجمات إلكترونية ضد أهداف غربية، نظرا إلى محاولات التنظيمات الجهادية، الوصول إلى معدات إلكترونية تساعدهم على شن تلك الهجمات.
لكن حجب تلك المواقع، ومحاصرتها، ليست مهمة سهلة. ويقول عميد كلية الإعلام في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا في لبنان د. جورج فرحة لـ«الشرق الأوسط»، إن انتشار المنظمات الإرهابية في القضاء الإلكتروني «بات خارج السيطرة، ولم يعد بالإمكان ضبطه»، رغم محاولات تلك المنظمات «الانكفاء قليلا، وتجميد بعض أنشطتها منعا للرقابة». ويرى أن القدرة العالمية على منع تلك المنظمات من توجيه الرسائل «ليست متوفرة الآن، بعدما تبين أن تلك المنظمات تمتلك أشخاصا محترفين في البروباغندا، ويعملون على مستويين؛ الأول يتمثل في الضغط على جمهور معين، عبر تقديم صورتهم المخيفة، عن طريق أسلوبي الترغيب والترهيب، أما الثاني فيتمثل في طريقة تقديم أنفسهم بصورة محددة إلى الجمهور»، موضحا أن المنظمات الجهادية «باتت تعرف جيدا اختيار جمهورها بطريقة محترفة».
ويضيف: «في السابق، كان يمكن السيطرة على التلفزيون، أما الآن، فإن السيطرة على مواقع التواصل ليست سهلة، في ظل النقاش المستمر حول الحريات وإشكالية الحرية الشخصية».
لكن ذلك «ليس مستحيلا»، بحسب ما يقول فرحة.. «إذا وجدت إرادة لمنعهم وإقفال منافذهم». وحتى تحقيق ذلك «تواصل المنظمات تسويق نفسها دعائيا باستخدام الصورة للتأثير على فئات الشعب، وجمهور خائف من ممارساتهم».



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.