«خراسان».. خلية إرهابية توارت بعيدا عن الأضواء

ابتعدت عن دعايات «القاعدة» ولم تفاخر بالخطط الموضوعة من جانبها

الجنرال الأميركي ويليام مايفيل يتحدث في مؤتمر صحافي عن ضربات التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في واشنطن (أ.ف.ب)
الجنرال الأميركي ويليام مايفيل يتحدث في مؤتمر صحافي عن ضربات التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

«خراسان».. خلية إرهابية توارت بعيدا عن الأضواء

الجنرال الأميركي ويليام مايفيل يتحدث في مؤتمر صحافي عن ضربات التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في واشنطن (أ.ف.ب)
الجنرال الأميركي ويليام مايفيل يتحدث في مؤتمر صحافي عن ضربات التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في واشنطن (أ.ف.ب)

في فترة ما من العام الماضي، وصل رجل كويتي - في أوائل الثلاثينات من عمره وقضى أكثر من عقد من الزمان يختبئ من الحكومة الأميركية - إلى شمال غربي سوريا؛ حيث التقى بأعضاء آخرين من تنظيم القاعدة، وبدأوا يغرسون جذورهم في بلد مزقه عامان من سفك الدماء والفوضى.
يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، أرسل هذا الكويتي - الذي يُعرف أحيانا باسم محسن الفضلي - من باكستان، ليتولى السيطرة على خلية يمكن أن تستخدم سوريا، في يوم من الأيام، كقاعدة لشن هجمات ضد أوروبا، وربما ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى النقيض من الجماعات الجهادية الأخرى التي برزت على الساحة في السنوات الأخيرة، توارت هذه الخلية الإرهابية «خراسان»، التي جاء السيد الفضلي ليقودها - بعيدا عن الأضواء؛ حيث لم تقم بنشر مجلات إلكترونية ولم تتباه بالخطط الموضوعة من جانبها عبر موقع «تويتر».
تطور هذه الجماعة من الغموض إلى الأعمال المشينة كان أمرا مفاجئا: في يوم الثلاثاء، تحدث الرئيس أوباما، للمرة الأولى، عن هذه الجماعة بشكل علني، عندما صرح بأنه أصدر أمرا بشن غارة جوية ضدها لعرقلة ما عدّه المسؤولون الأميركيون مؤامرة إرهابية تستهدف الغرب.
ولم تؤكد الحكومة الأميركية حتى الآن مقتل السيد الفضلي في الهجوم الذي شنته، وأدلى المسؤولون الأميركيون بروايات مختلفة تفيد فقط بأن الجماعة كانت على وشك شن هجوم، وحول فرص نجاح أي مؤامرة. ونعت مسؤول أميركي بارز، يوم الأربعاء الماضي، مؤامرة جماعة «خراسان» بـ«التطلعية»، موضحا أنه لا يبدو حتى الآن وجود خطة ملموسة يسيرون عليها.
التركيز على جماعة «خراسان» في الآونة الأخيرة - في الوقت الراهن على الأقل - أدى لتشتيت الانتباه عن «داعش»، التنظيم المسلح الذي كانت النجاحات الأخيرة التي حققها على أرض المعركة المبرر الأساسي لقيام أوباما بشن غارات جوية ضده. كما أكد أيضا على الصلة المستمرة مع قيادة تنظيم القاعدة في باكستان، وهو التنظيم الذي أوضح الرئيس أوباما - في الكلمة التي ألقاها أمام الأمم المتحدة يوم الأربعاء - جرى تدميره بشكل سيئ.
ومن جهته، قال بروس أوه ريدل، محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وهو الآن محلل بمعهد بروكينغز «هناك نوع من التناقض»، وأضاف «لو كان جرى تدميرهم، فلماذا يناوبنا قلق شديد عندما نكتشف أدلة جديدة حول أنشطتهم؟».
ندرة المعلومات العامة حول جماعة «خراسان» تجعل من الصعب استخلاص استنتاجات قاطعة حول أهدافها النهائية. فيما يعتقد مسؤولون استخباراتيون وخبراء معنيون بشؤون الإرهاب أن هذه الجماعة رغم وجودها في سوريا فإنها تدين بالولاء، في نهاية المطاف، إلى الظواهري والقيادة الأساسية لتنظيم القاعدة في باكستان. وأشاروا إلى أنه كان يبدو أن حجم الجماعة يتأرجح، لكنها كانت تتكون من نحو عشرين عنصرا، جاء معظمهم من باكستان وأفغانستان إلى سوريا، في بداية عام 2012.
وبمجرد وصولهم إلى سوريا، تواصل أعضاء الجماعة مع مقاتلين من جبهة النصرة، المنظمة السورية المتمردة والفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، وهي واحدة من الجماعات التي تضم عددا لا يحصى من العناصر وتشكلت في السنوات الأخيرة من أجل محاربة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وبينما قال محللون إن جبهة النصرة لا تزال ملتزمة في الأساس بمحاربة القوات التابعة للحكومة من أجل السيطرة على الأراضي في الحرب الأهلية المفزعة التي تشهدها سوريا، تركز جماعة خرسان على الهجمات الخارجية.
ومن جانبه، قال سيث جي جونز، الخبير في شؤون الإرهاب بمؤسسة «راند»: «كان تنظيم القاعدة يريد بالأساس نشر المزيد من العناصر التابعة له في سوريا، التي تعد ساحة قتال مهمة بالنسبة لهم، لأنها قريبة جدا من أوروبا». فيما أفاد عدد من مساعدي الرئيس أوباما يوم الثلاثاء بأن الغارات الجوية لعناصر جماعة خراسان جرى شنها لإحباط تهديد إرهابي «وشيك»، ربما يلجأ إلى استخدام متفجرات مخبأة لتفجير طائرات، بينما أوضح مسؤولون أميركيون آخرون أنه لم يكن هناك دليل يشير إلى أن «خراسان» اتفقت على توقيت أو مكان الهجوم.
* خدمة «نيويورك تايمز»



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.