«فوياجير 1 و2»... سفينتان فضائيتان قديمتان تسبران أعماق الكون

أقوى دليل على الوجود البشري في أبعد نقاطه

رسم تخيلي لسفينة «فوياجير»
رسم تخيلي لسفينة «فوياجير»
TT

«فوياجير 1 و2»... سفينتان فضائيتان قديمتان تسبران أعماق الكون

رسم تخيلي لسفينة «فوياجير»
رسم تخيلي لسفينة «فوياجير»

خارج النظام الشمسي، بعيداً عن الأرض وما يحيطها من أقمار صناعية، وبعيداً عن المرّيخ حيث تؤدي العربات الجوالة أعمالها الاستكشافية، وبعيداً عن كوكب المشتري ومسباره الدوّار، تغوص سفينتان فضائيتان في أعماق الفضاء المليء بالنجوم.
رحلة «فوياجير»
عبرت هاتان السفينتان الحدّ المرئي الفاصل بين نظامنا الشمسي وأي مدى آخر، إلى منطقة لا تطالها تأثيرات الشمس. ورغم أن البشر استطاعوا أن يروا عمق هذا الكون بفضل التلسكوبات الدقيقة التي تلتقط الضوء المنبعث من النجوم البعيدة، فإن هذه النقطة التي وصلتها السفينتان هي أبعد ما سافر إليه الإنسان، وهاتان السفينتان المعدنيتان البرّاقتان هما الدليل الحسّي الأبعد في هذا الكون على وجودنا البشري.
أقلعت السفينتان «فوياجير» عام 1977 حاملتين معدّات علمية وسجلّات ذهبية محشوة بالمعلومات. واليوم، لا تزالان على بعد ملايين الأميال، مستمرّتين في التواصل مع الأرض وجمع البيانات، ولكنّهما «تتقدّمان في السنّ».
تزداد السفينتان اللتان تتحرّكان باتجاهين مختلفين قليلاً، ضعفاً سنة بعد سنة، حيث إن دفاعاتهما التي تحافظ على توازنهما تعاني من التآكل، فضلاً عن أنّ المولّدات التي تزودهما بالطاقة أصبحت تنتج 40 في المائة أقلّ من الطاقة الكهربائية التي كانت تنتجها عند الإطلاق.
للحفاظ على استمرار نشاط سفينتي «فوياجير»، وفي إطار التحضير لما قد يكون السنة الأخيرة للبعثة، يُجبر المهندسون على اتخاذ قرارات صعبة من مسافات بعيدة، إذ إنهم يبلغون السفينتين بتوجيهات تحملها موجات الرّاديو، بضرورة إيقاف نظاميهما والتحوّل إلى الاحتياطات لترشيد استهلاك كلّ واط واحد من القدرة الكهربائية. تقول كاندي هانسن، عالمة في معهد علوم الكواكب والتي عملت في بعثة «فوياجير» في السبعينات والثمانينات: «يوماً ما، سيكون علينا أنّ نودّعهما».
ولكنّ هذه اللحظة لم تحِن بعد. فقد قام المهندسون هذا الصيف بالإيعاز إلى سفينة «فوياجير 2» لتشغيل مجموعة من الدفّاعات (محركات دفع صغيرة) التي لم تستخدمها منذ 1989. وتساعد هذه الدفّاعات السفينة في الحفاظ على توازنها، ولكنّ الدفّاعات التي كانت تستخدمها السفينة سابقاً كانت تعاني من التلف، أي أنّها كانت يجب أن تشغل أكثر حتى بلوغ نهايتها، بحسب «ناسا».
يؤدّي فقدان الدفّاعات السليمة إلى خسارة السفينة لقدرتها على الحفاظ على ثبات اتجاه هوائياتها نحو الأرض، أي نقطة التواصل بين السفينة والمسؤولين عنها على الأرض. وكانت سفينة «فوياجير 1» قد خاضت التحوّل نفسه العام الماضي.
ترشيد الطاقة كما عمد المهندسون إلى إطفاء أداة تسخين تؤدي إلى الحفاظ على الحرارة المطلوبة لاستمرار عمل أحد مكونات «فوياجير 2» في المناطق الجليدية في الفضاء، ويوفّر إطفاء السخّان على البعثة أربعة واط من القدرة الكهربائية وهو ما يوازي خسارتها خلال عام. وبعد أشهر من التشاور، قرّر العلماء أنّ التضحية بهذه الأداة، التي ساعدت العام الماضي في التأكيد على أنّ السفينة غادرت النظام الشمسي، كان مناسباً.
في المقابل، تحمّلت أجهزة عديدة أخرى خسارة سخّاناتها واستمرّت في العمل لعدّة سنوات أحياناً. تقول «ناسا» إنّ حرارة جهاز الأشعّة الكونية، وهو الهدف الأحدث لقرار الترشيد، قد انخفضت إلى 59 درجة مئوية تحت الصفر، أي أقلّ بكثير من الدرجة التي صمدت فيها خلال الاختبارات الأرضية. ولكنّ هذا الجهاز مستمرّ حتى اليوم في جمع البيانات والتواصل مع الفريق على الأرض.
السخّانات الموجودة في مركبتي «فوياجير» هي التالية على لائحة إيقاف التشغيل، إذ تقول سوزان دودّ، مديرة مشروع «فوياجير» في مختبر «ناسا» للدفع النفّاث إنّ «الفريق قد يُجبر يوماً ما على تعطيل أحد الأجهزة الهندسية التي تساعد السفينة على التواصل مع الأرض. وفي حال نجحت الخطوة، سنكسب 2 واط إضافيين، أمّا إن فشلت، فسنخسر البعثة».
لم يكن أحدٌ يفكّر بالكون العميق بين النجوم عندما تمّ إرسال بعثة «فوياجير». فقد بنى العلماء والمهندسون رؤيتهم المستقبلية لعمل المركبتين على مسافة قريبة من الأرض، أي الكواكب الأخرى المصطفّة بترتيب نادر أتاح للمركبتين التنقّل من كوكب إلى آخر. ويعتبر رالف ماك نات، العالم المخضرم في «ناسا»، الذي يواصل العمل على البعثة حتّى اليوم، أنّ «السفينتين فوياجير، وعلى عكس جميع التوقعات، ظلا زائرين غير متوقّعين من البشر إلى بداية الفضاء الذي يقع بين النجوم نفسها».
أعماق الكون
وصلت السفينتان أوّلاً إلى كوكب المشتري، والتقطتا صوراً تفصيلية غير مسبوقة لدوّامات الأعاصير فيه. بعدها، انتقلت «فوياجير 1» إلى كوكب زحل، الذي شكّل قمره الأكبر «تيتان» مصدر اهتمام للعلماء والذي تبيّن لاحقاً أنّه أحد أغرب البقع في نظامنا الشمسي وموطن محتمل للحياة خارج كوكب الأرض. ولو لم تجمع «فوياجير 1» بيانات مهمّة كافية قبل الانتقال، كان سيُعاد توجيه «فوياجير 2» للمحاولة من جديد. ولكنّ دوران الأولى حول الكوكب نجح وسمح لـ«فوياجير 2» بتجاوز زحل والمضي نحو كوكبي أورانوس ونبتون.
لم يمرّ الكثير من الوقت قبل أن يتّخذ العلماء أولى خطواتهم لتوفير الطاقة. فبعد المرور بجميع كواكب النظام الشمسي، لم يكن هناك الكثير لتصويره باستثناء بعض النجوم البعيدة. لهذا السبب، عمد المهندسون إلى إيقاف تشغيل الكاميرات الموجودة في المركبتين. تقول هانسن، التي عملت في فريق التصوير، إنّه «وفي حال أعاد المهندسون اليوم تشغيل هذه الكاميرات، ستؤدّي حتماً إلى تدمير كلّ الأجهزة الأخرى الموجودة على متن المركبتين».
غادرت «فوياجير 1» النظام الشمسي في 2012. وتبعتها «فوياجير 2» في السنة اللاحقة. وسجّلت السفينتان عملية الانتقال، ورصدت الأدوات العلمية الموجودة على متنهما تغييرات كبيرة في البيئة الكونية المحيطة بهما، حيث اختفت لمسة الرياح الشمسية والذرّات غير المرئية التي تغلّف النظام الشمسي بفقاعة حامية. وقبل سنوات قليلة، عطّل المهندسون بعض الأجهزة. أمّا تلك التي لا تزال فعّالة حتى اليوم، فهي مصممّة لدراسة الظواهر القليلة القابلة للرصد في الفضاء النجمي، كالأشعة الكونية والحقول المغناطيسية.
طلبت وكالة «ناسا» من العلماء دراسة إمكانية إرسال مسبار نجمي آخر، ولكن لم يتمّ إرسال أي بعثات رسمية حتى اليوم. في الوقت الحالي، لا يوجد إلا سفينتي «فوياجير» في تلك البقعة من الكون، ولكن في يوم من الأيّام، سيحضر المهندسون إلى عملهم وهم يتوقّعون تلقّي إشارات ضعيفة من المركبتين أو رسائل قد تتطلّب ساعات وربّما يوماً كاملاً لتخطّي المدى الواسع وبلوغ هوائيات الأرض خاصة في حالة «فوياجير». وقد لا يسمعون شيئاً وقد لا يتمكنّون من معرفة السبب حتّى.
قد يحدث مثلاً أنّ السفينتين تعملان دون سخّانات، فأصبحتا باردتين إلى درجة تجمّد الوقود، مما أدّى إلى انقطاع الطاقة التي تحتاجها الدفاعات للحفاظ على ثبات الهوائيات باتجاه الأرض؛ أوّ قد يكون أنّ المرسلات، أي الأجهزة التي ترسل وتستقبل الإشارات، قد فرغت من الطاقة. وكان دودّ قد توقّع تحقّق هذا السيناريو عام 2020. لا شكّ في أنّ خطّ الاتصال غير المرئي الذي وصل الباحثين والمهندسين بالمركبتين لأربعة عقود متواصلة سينقطع في النهاية. وقد يستمرّ جهاز أو اثنين في العمل، لتستمرّ سفينتا «فوياجير» في تسجيل مسيرتيهما عبر المجرّات، وترك بصمة تاريخية مع كلّ ميلٍ إضافي تقطعانه، ولكنّهما عندها لن تستطيعان التواصل مع الكوكب الأمّ.

- «أتلانتك أونلاين»،
خدمات «تريبيون ميديا».



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.