اتفاق التسوية في الجنوب السوري يفشل في إرساء الأمن

تفجيرات واغتيالات وغياب الخدمات

TT

اتفاق التسوية في الجنوب السوري يفشل في إرساء الأمن

فشلت تجربة التعايش الفريدة من نوعها بين قوات النظام السوري والفصائل المعارضة، التي استسلمت لها، في إرساء الأمن في محافظة درعا الجنوبية الغارقة اليوم في دوامة من التفجيرات والاغتيالات والاعتقالات، ذلك حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت.
كانت درعا مهد الاحتجاجات ضد النظام، ومنها انطلقت المظاهرات التي طالبت بإسقاط النظام في 2011، وتمت مواجهتها بالقمع، قبل اندلاع نزاع دام في البلاد لا يزال مستمراً. وهي المنطقة الوحيدة التي لم يخرج منها كل مقاتلي المعارضة بعد استعادة النظام السيطرة عليها في يوليو (تموز) 2018.
ووضع اتفاق تسوية رعته موسكو حداً للعمليات العسكرية بين قوات النظام والفصائل المعارضة، ونصّ الاتفاق على أن تسلم الفصائل سلاحها الثقيل، لكن بقي عدد كبير من عناصرها في مناطقهم على عكس ما حصل في مناطق أخرى استعادها النظام. واحتفظوا بأسلحة خفيفة، فيما لم تنتشر قوات النظام في كل أنحاء المحافظة.
ويقول سلام، الذي فضّل استخدام اسم مستعار، وفرّ قبل نحو شهرين من درعا، لوكالة الصحافة الفرنسية، عبر الهاتف، «ما حصل في درعا لم يحصل في منطقة أخرى»، مضيفاً: «لكن الاتفاق فشل في إرساء الاستقرار، إذ عمّت الفوضى أكثر وتزداد الاغتيالات والتفجيرات يوماً بعد يوم».
في الغوطة الشرقية قرب دمشق، في حمص (وسط) وحلب (شمال)، وغيرها من المناطق، دخلت قوات النظام بعد معارك عنيفة بموجب اتفاقات تسوية غالباً سمحت بخروج كل مقاتلي المعارضة وغالبية السكان المدنيين من المناطق المدمرة.
ولعبت خصوصية درعا السياسية كونها محاذية للأردن الذي أقفل حدوده، ويسعى إلى تجنب تداعيات النزاع السوري على أرضه، ولإسرائيل التي تخشى انتشاراً لمجموعات إيرانية أو من «حزب الله» تقاتل إلى جانب قوات النظام على حدودها، دوراً في إتمام التسوية بضمانة روسيا، حليفة النظام.
وغادر بضعة آلاف من مقاتلي المعارضة والمدنيين في صيف 2018 درعا التي جنبها الاتفاق الدمار الكامل، رفضاً للتسوية، لكن الجزء الأكبر من مقاتلي الفصائل وافقوا على الاتفاق.
ويوجد هؤلاء في مناطق واسعة، ويتولون عمليات حفظ الأمن في الأرياف الجنوبية والغربية، والأحياء الجنوبية من مدينة درعا المعروفة بـ«درعا البلد». وانضم بعض مقاتلي المعارضة السابقين إلى «الفيلق الخامس»، وهو فصيل في الجيش السوري تدعمه روسيا.
ويقتصر وجود الحكومة السورية في هذه المناطق على مؤسسات رسمية ورجال أمن، وتنتشر قوات تابعة للنظام على حواجز في محيطها.
وإذا كانت دمشق نجحت منذ 2015 باستعادة أكثر من 60 في المائة من مساحة البلاد، لكن الخسائر التي تكبدتها، وتردي الوضع الاقتصادي، تضع عوائق كبيرة أمام ضبط الوضع الأمني بسهولة في هذه المناطق. وهذا أحد الأسباب التي تجعلها تعول على فصائل المعارضة السابقة لحفظ الأمن في درعا.
ويقول أليكس سايمن، مدير برنامج سوريا في شبكة «سينابس» للدراسات في بيروت، «في ظل غياب إمكانات إعادة الإعمار وإحلال الهدوء، تسعى دمشق لاستيعاب الجنوب من خلال فسيفساء» من المجموعات المسلحة، معتبراً أن مقاتلي المعارضة السابقين «يشكلون وكلاء مناسبين للروس والنظام». ويضيف: «ترتبط خصوصية درعا بالحد الذي بقيت فيه تركيبة المعارضة كما هي» بعد التسوية، مشيراً إلى أن «السلاح المتبقي وتصاعد المشاعر المعادية للأسد تخلق ظروفًا مواتية لاندلاع أعمال عنف».
ووثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، خلال الأشهر الأخيرة، وبشكل شبه يومي، تفجيرات، أو عمليات إطلاق نار ضد قوات النظام، أو اغتيالات طالت موالين أو معارضين سابقين، بينها أكثر من 60 عملية منذ يونيو (حزيران).
وحسب تقرير للأمم المتحدة في مايو (أيار)، «تطال الاغتيالات مقاتلين وافقوا على التسوية أو مدنيين عادوا إلى العمل لدى المؤسسات الحكومية».
وباستثناء هجوم انتحاري أوقع ستة قتلى من قوات النظام في يوليو، وتبناه تنظيم «داعش»، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عشرات الهجمات والاغتيالات. ورغم ذلك، يطلق البعض على منفذيها تسمية «الثوار» أو «المقاومة الشعبية».
ويعيد الناشط المعارض عمر الحريري، الذي غادر درعا قبل أشهر، حالة الفوضى الأمنية إلى «تعدد السيطرة بين الأطراف وانتشار السلاح»، متحدثاً عن «بدء تشكل خلايا أو (ذئاب منفردة) ضد النظام».
ويرى رفعت، أحد سكان درعا البلد، الذي تكلم عبر الهاتف وفضل عدم ذكر اسمه الحقيقي، أن أحداً «لا يستطيع أن يحدد من يقف خلف الاغتيالات. في كل منزل هناك سلاح (...)، وأي أحد قادر على قتل الآخر لأي سبب كان. إنها فوضى السلاح».
وشهدت المحافظة، قبل أشهر، خروج مظاهرات محدودة ضد النظام، واحتج سكان في مارس (آذار) على إقامة تمثال للرئيس السابق حافظ الأسد في مدينة درعا، في المكان نفسه الذي كان يوجد فيه تمثال له أزاله المتظاهرون في 2011.
والشهر الماضي، كُتبت على جدران إحدى البلدات عبارات معارضة بينها «يسقط النظام وكل جنوده».
وشهدت درعا، كما غيرها من المناطق التي استعادها النظام، موجة اعتقالات طالت ناشطين إنسانيين أو معارضين، وفق منظمة «هيومن رايتس ووتش». وتوضح الباحثة في الشأن السوري سارة كيالي، أن «جميع الذين أوقفوا هم ممن وقعوا على اتفاقات التسوية». وتقول «ما نراه اليوم هو أن الوعود المتعلقة بالمصالحة ليست سوى كلام فارغ. السكان يواجهون الاعتقالات، المضايقات، سوء المعاملة، ووضعاً يتسم بالخوف وعدم الاستقرار».
ويتعرض الشبان للملاحقة لسوقهم للخدمة العسكرية. واختار رفعت البقاء في مناطق انتشار الفصائل.
ويقول «لا أغادر درعا البلد أبداً، ومثلي كثر. طالما أننا لا نمرّ عبر حواجز النظام، لا يستطيع أحد أن يصل إلينا»، ويضيف: «حتى وإن شعرت أنني محاصر، يبقى أفضل بمليون مرة من أن أقاتل مع النظام أو أُسجن لديه».



الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين دعا أتباعه إلى الاحتشاد بأكبر قدر ممكن عقب فوز ترمب بمنصب الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)

بعد نحو 10 أيام من الهدوء وتراجع الهجمات الحوثية ضد السفن، تبنّت الجماعة المدعومة من إيران قصف قاعدة إسرائيلية في منطقة النقب، الجمعة، وزعمت إسقاط مسيرة أميركية من طراز «إم كيو 9»، بالتزامن مع إقرارها تلقي غارتين غربيتين استهدفتا موقعاً في جنوب محافظة الحديدة الساحلية.

وجاءت هذه التطورات بعد يومين فقط من فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية؛ حيث تتصاعد مخاوف الجماعة الحوثية من أن تكون إدارته أكثر صرامة فيما يتعلّق بالتصدي لتهديداتها للملاحة الدولية وتصعيدها الإقليمي.

صاروخ زعمت الجماعة الحوثية أنه «فرط صوتي» أطلقته باتجاه إسرائيل (إعلام حوثي)

وتهاجم الجماعة منذ أكثر من عام السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا في البحرين الأحمر والعربي، كما تطلق الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، وأخيراً مساندة «حزب الله» اللبناني.

وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، في بيان، إن قوات جماعته نفّذت عملية عسكرية استهدفت قاعدة «نيفاتيم» الجوية الإسرائيلية في منطقة النقب بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع «فلسطين 2»، وإذ ادّعى المتحدث الحوثي أن الصاروخ أصاب هدفه، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضه دون الحديث عن أي أضرار.

وتوعّد المتحدث العسكري الحوثي بأن جماعته ستواصل ما تسميه «إسناد فلسطين ولبنان»، من خلال مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل، زاعماً أن هذه العمليات لن تتوقف إلا بتوقف الحرب على قطاع غزة ولبنان.

حريق ضخم في ميناء الحديدة اليمني إثر ضربات إسرائيلية استهدفت خزانات الوقود (أرشيفية - أ.ف.ب)

وكان آخر هجوم تبنّته الجماعة الحوثية ضد إسرائيل في 28 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، حينها، أن طائرة مسيّرة أُطلقت من اليمن عبرت أجواء مدينة عسقلان قبل أن تسقط في منطقة مفتوحة.

وخلال الأشهر الماضية تبنّت الجماعة إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو (تموز) الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة؛ وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

12 مسيّرة تجسسية

زعم المتحدث العسكري الحوثي، في البيان الذي ألقاه خلال حشد في صنعاء، أن الدفاعات الجوية التابعة للجماعة أسقطت، فجر الجمعة، «طائرة أميركية من نوع (إم كيو 9) في أثناء تنفيذها مهام عدائية في أجواء محافظة الجوف».

وحسب مزاعم الجماعة، تُعدّ هذه الطائرة المسيرة الـ12 التي تمكّنت من إسقاطها منذ بدأت تصعيدها البحري ضد السفن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

المتحدث العسكري باسم الحوثيين يردّد «الصرخة الخمينية» خلال حشد في صنعاء (أ.ف.ب)

وتحدّثت وكالة «أسوشييتد برس» عما وصفه شهود، الجمعة، بأنه سقوط مسيّرة في أحدث إسقاط محتمل لمسيرّة تجسس أميركية. وأوردت أن الجيش الأميركي على علم بشأن مقاطع الفيديو المتداولة عبر الإنترنت التي تُظهر ما بدا أنها طائرة مشتعلة تسقط من السماء والحطام المحترق في منطقة، وصفها من هم وراء الكاميرا بأنها منطقة في محافظة الجوف اليمنية.

وحسب الوكالة، قال الجيش الأميركي إنه يحقّق في الحادث، رافضاً الإدلاء بمزيد من التفاصيل، وذكرت أنه «لم يتضح على الفور طراز الطائرة التي أُسقطت في الفيديو الليلي منخفض الجودة».

غارتان في الحديدة

في سياق الضربات الغربية التي تقودها واشنطن لإضعاف قدرة الجماعة الحوثية على مهاجمة السفن، اعترفت وسائل الجماعة بتلقي غارتين، الجمعة، على موقع في جنوب محافظة الحديدة.

وحسب ما أوردته قناة «المسيرة» الذراع الإعلامية للجماعة، استهدفت الغارتان اللتان وصفتهما بـ«الأميركية - البريطانية» مديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً رئيسياً لشن الهجمات البحرية ضد السفن.

قاذفة شبحية أميركية من طراز «بي 2» مضادة للتحصينات (أ.ب)

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم رابع ضد سفينة ليبيرية.

يُشار إلى أن الجماعة أقرت بتلقي أكثر من 770 غارة غربية، بدءاً من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي؛ سعياً من واشنطن التي تقود تحالف «حارس الازدهار»، إلى تحجيم قدرات الجماعة الهجومية.

وكانت واشنطن لجأت إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في استهداف المواقع المحصنة للجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة، في رسالة استعراضية فُهمت على أنها موجهة إلى إيران بالدرجة الأولى.

وتقول الحكومة اليمنية، إن الضربات الغربية ضد الجماعة الحوثية غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانيها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

صورة طوربيد بحري وزّعها الحوثيون زاعمين أنه بات ضمن أسلحتهم الجديدة (إكس)

ويتهم مراقبون يمنيون الجماعة الحوثية بأنها وجدت في الحرب الإسرائيلية على غزة فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية؛ إذ كان الطرفان وافقا أواخر العام الماضي على خريطة سلام توسطت فيها السعودية وعمان، قبل أن تنخرط الجماعة في هجماتها ضد السفن وتعلن انحيازها إلى المحور الإيراني.

وتترقّب الجماعة، ومعها حلفاء المحور الإيراني، بحذر شديد ما ستؤول إليه الأمور مع عودة ترمب إلى سدة الرئاسة الأميركية؛ إذ يتوقع المراقبون اليمنيون أن تكون إدارته أكثر صرامة في التعامل مع ملف إيران والجماعات الموالية لها، وفي مقدمتها الجماعة الحوثية.

وحاول زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في خطبته الأسبوعية، الخميس، التهوين من أهمية فوز ترمب بالرئاسة الأميركية، كما حاول أن يطمئن أتباعه بأن الجماعة قادرة على المواجهة، وأنها لن تتراجع عن هجماتها مهما كان حجم المخاطر المرتقبة في عهد ترمب.