لبنان الرسمي يمتلك الموقف... وقرار الرد لـ«حزب الله»

جنود لبنانيون يتجولون في بلدة عيترون الحدودية أمس قرب علم لـ«حزب الله» (أ.ب)
جنود لبنانيون يتجولون في بلدة عيترون الحدودية أمس قرب علم لـ«حزب الله» (أ.ب)
TT

لبنان الرسمي يمتلك الموقف... وقرار الرد لـ«حزب الله»

جنود لبنانيون يتجولون في بلدة عيترون الحدودية أمس قرب علم لـ«حزب الله» (أ.ب)
جنود لبنانيون يتجولون في بلدة عيترون الحدودية أمس قرب علم لـ«حزب الله» (أ.ب)

تسيطر حالة من الترقّب والحذر الشديد على مجمل الوضع في لبنان، فيما الأنظار مشدودة إلى الرد الذي يعد له «حزب الله» على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف حي معوض في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، وما إذا كان سيكون محدوداً أم أن تداعياته ستنسحب على المنطقة، في ضوء التهديد الذي أطلقه نائب وزير الخارجية الإيرانية لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا حسين عبد اللهيان بأن ردّ الحزب سيزلزل المنطقة، في مقابل وقوف واشنطن إلى جانب إسرائيل بذريعة حقّها في الدفاع عن النفس.
ومع تصاعد وتيرة تبادل التهديدات بين «حزب الله» وإسرائيل، والتي تتخذ حالياً بُعداً إقليمياً ودولياً، فإن الدولة اللبنانية تملك الموقف، وليس القرار، الذي هو الآن بيد الحزب، بعد أن التزم أمينه العام حسن نصر الله الرد على العدوان الإسرائيلي، ولم يعد في وسعه التراجع، لأن مصداقيته على المحك.
فلبنان الرسمي يتحرك انطلاقاً من تقديره بأن «حزب الله» اتخذ موقفه في الرد على العدوان، وبات يترقّب طبيعة رد فعل تل أبيب، وما إذا كان سيكون محدوداً، في حال إن جاء رد الحزب محدوداً، يستدعي تدخّلاً أممياً، في محاولة من الأمم المتحدة لإعادة الاعتبار لمنظومة قواعد الاشتباك والامتناع عن خرقها لاحقاً.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن رئيس الحكومة سعد الحريري لم ينقطع منذ وقوع العدوان الإسرائيلي عن التواصل مع الإدارة الأميركية، من خلال وزير الخارجية مايك بومبيو، وجهات دولية، في محاولة للجم إسرائيل، لأنه يتخوّف في حال تدهور الوضع من انجرار لبنان ومن خلاله المنطقة إلى منزلق خطير قد يدفعها إلى المجهول.
وقالت مصادر وزارية واسعة الاطلاع إن الحريري يتشاور باستمرار مع رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، ويدعو المجتمع الدولي بدءاً بواشنطن إلى التدخّل من أجل الضغط على إسرائيل لوقف خروقها للقرار 1701.
وكشفت المصادر نفسها أن الحريري يتصرف من خلال اتصالاته على أساس أن «حزب الله» سيرد على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف حي معوض، وقالت إنه يحمّل إسرائيل مسؤولية الإخلال بالتوازن الذي أرسته قواعد الاشتباك، وكان وراء الحفاظ على التهدئة في الجنوب منذ أن توصّل مجلس الأمن الدولي إلى إصدار القرار 1701 الذي أوقف الحرب التي اندلعت في يوليو (تموز) 2006.
واتهم الحريري - بحسب المصادر الوزارية - إسرائيل بأنها وراء نسف قواعد الاشتباك هذه ظناً منها أنها تستطيع فرض أمر واقع جديد في الجنوب يدفع في اتجاه تغييرها. ورأت أن المواجهة المحتملة بين «حزب الله» وإسرائيل هي مواجهة مثلثة الأطراف، لا تقتصر على الساحة اللبنانية، وإنما تمتد إلى سوريا والعراق، وإن كانت تتسم أحياناً بطابع الحروب بالوكالة، فإنها تبقى تحت سقف تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران، ودخول تل أبيب على هذا الخط الساخن، على خلفية أنها معنية بالملف النووي، فيما تحاول باريس خفض منسوب التوتر الإيراني - الأميركي لعلها تعيد الحوار بينهما.
وقالت المصادر الوزارية إن الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية ميشال عون حيال العدوان الإسرائيلي لم يتجاوز السقف السياسي، الذي رسمه البيان الوزاري للحكومة، ورأت أن لا خلاف حول حق لبنان في الدفاع عن النفس في وجه الحرب التي تشنها إسرائيل ضده.
وأكدت أن عون استحضر الموقف اللبناني من مضامين البيان الوزاري، وقالت إن بعض الأطراف المنتمية إلى «محور الممانعة» في لبنان بزعامة النظام السوري وإيران لجأت عن قصد إلى إدخال تعديل على موقف لبنان، واستبدلت عبارة «حق لبنان في الدفاع عن نفسه» بعبارة أخرى جاءت على النحو الآتي «حق لبنان في الرد على العدوان»، ما يعني من وجهة نظر هذا المحور أنه يوفر الغطاء الرسمي لـ«حزب الله» ليتولى هو الرد على العدوان.
وتوقفت المصادر الوزارية أمام الاتصال الذي أجراه الحريري بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقالت إنه يأتي في سياق تزخيم الجهود الدولية وصولاً إلى استنفارها من أجل التدخّل لتفادي الانزلاق نحو مزيد من التدهور؛ خصوصاً أن العدوان الإسرائيلي يأتي في سياق الاعتداء على سيادة لبنان.
ولفتت إلى أن الحريري يواصل تشغيل محركاته منذ حصول العدوان الإسرائيلي، فجر الأحد الماضي، لعله يتمكّن من تغليب الخيار الدبلوماسي على الخيار العسكري؛ خصوصاً أنه يملك سلاح الموقف، لأن القرار في مكان آخر.
وكشفت المصادر نفسها أن الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية لم تقتصر على تحليق طائرات الاستطلاع، وبعضها من النوع المتطور، على علو منخفض في الأجواء اللبنانية، وإنما أقدمت على عدوان آخر في قصفها بالصواريخ لخراج بلدة قوسايا في البقاع الأوسط؛ حيث توجد قاعدة عسكرية للجبهة الشعبية - القيادة العامة - بزعامة أحمد جبريل، الحليف للنظام السوري، مع أن هذه الصواريخ استهدفت البقعة الجغرافية المتداخلة بين الحدود اللبنانية والسورية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن المنطقة التي استهدفتها الصواريخ تشكل جسر العبور من البقاع الأوسط إلى بلدة الزبداني في سوريا، وأن مقاتلي «حزب الله» يستخدمونها في تنقلاتهم للوصول إلى بعض البلدات الواقعة في ريف دمشق، وبالتالي فإن الصواريخ أصابت بعض أطراف البلدة المتداخلة حدودياً مع الأراضي السورية. ويبقى السؤال طالما أن لبنان الرسمي يمتلك الموقف، الذي يعبّر عنه أركان الدولة، فهل يمكن توظيفه بغية ضبط الرد المنتظر من «حزب الله» ليأتي محدوداً، من شأنه أن يعزز مصداقية أمينه العام لدى محازبيه وجمهوره في تنفيذه لما وعد به من رد على العدوان، من دون أن تترتب عليه تداعيات ومضاعفات، في حال اضطرت إسرائيل للرد على الرد، باعتبار أنه كان محدوداً؟
لذلك يقف لبنان أمام مرحلة سياسية وأمنية لن تكون حتماً نسخة طبق الأصل عن المرحلة التي كانت قائمة قبل العدوان الإسرائيلي، وعليه تبقى كل التكهّنات حول طبيعة هذه المرحلة تدور في حلقة من التوقّعات ولا تغيب عنها المفاجآت. لكن حالة الترقّب التي تطغى على ما عداها، لا تُسقط من حسابات أركان الدولة أهمية الحراك الدبلوماسي الذي يتولاّه الحريري الذي تبلغ من لافروف حرص موسكو على الاستقرار في لبنان وسعيها لإعادة الهدوء إليه وعدم جرّه إلى منزلق خطر تصعب السيطرة عليه، وهذا ما سيضعه نصب عينيه، في ضوء الاستعداد الذي أظهره للتدخل لدى إيران وإسرائيل للجم التدهور.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».