تواجه بريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي تحديا للتوصل إلى تنازلات حول اتفاق بريكست قبل موعد خروج بريطانيا في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وأكد الرئيس إيمانويل ماكرون لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه من الممكن إجراء مفاوضات للتوصل إلى اتفاق حول بريكست خلال ثلاثين يوما، مستبعدا في الوقت نفسه تقديم تنازلات كبيرة في هذا الشأن. وبعيد إعلان الرئيس الفرنسي، أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق حتى 31 أكتوبر، الموعد المحدد لبريكست.
وصرحت ميركل في لاهاي: «قلت (لجونسون) أن ما تريدون فعله خلال سنتين أو ثلاث سنوات يمكنكم القيام به خلال ثلاثين يوما (...) حتى حلول الحادي والثلاثين من أكتوبر». وعبّر ماكرون عن تأييده لهذه الفترة الإضافية لإيجاد حل لمسألة الحدود الآيرلندية التي تثير خلافا منذ بدء المفاوضات في 2017.
وقال ماكرون: «يجب أن نحاول أن يكون لدينا شهر مفيد»، فيما أصر جونسون في مؤتمر صحافي مشترك بينهما على أن الحلول «متوفرة بالفعل» لمنع عودة الحواجز على حدود إيرلندا المقسمة، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
إلا أن ماكرون الذي أقر بسمعته بأنه «الرئيس الأكثر تشددا» حيال بريكست، رفض دعوات جونسون إلى إلغاء «شبكة الأمان» الخاصة بآيرلندا والتي جرى التفاوض عليها بين الاتحاد الأوروبي ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي.
وينص البند المتعلق «بشبكة الأمان» على أن تبقى المملكة المتحدة بأكملها ضمن «منطقة جمركية واحدة» مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب عدم وجود حل أفضل لنهاية المرحلة الانتقالية كما من أجل تفادي عودة حدود فعلية بين مقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية وجمهورية إيرلندا.
ويرى جونسون أن هذا البند «غير ديمقراطي ويمس بسيادة الدولة البريطانية» لأنه يتطلب منها مواصلة تطبيق قوانين الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الانتقالية، ويمنعها من اتباع سياسة تجارية مستقلة عن الاتحاد الأوروبي.
وقال جونسون إن «الحلول التقنية متوفرة بسهولة (لتجنب الحواجز) ونوقشت بتفصيل كبير (...) يمكن الحصول على برامج تجارة موثوقة، وأنظمة إلكترونية لتخليص البضائع». ويرى الاتحاد الأوروبي أن «شبكة الأمان» ضرورية لمنع عودة الحواجز التي يمكن أن تؤدي إلى عودة الاقتتال بين آيرلندا الشمالية البريطانية وجمهورية آيرلندا، الذي أدى إلى مقتل الآلاف. وصرح ماكرون في قصر الإليزيه وسط باريس: «أود أن أكون واضحا. خلال الشهر المقبل، لن نتمكن من التوصل إلى اتفاق انسحاب جديد بعيد جدا عن الأسس» التي أرساها الاتفاق مع ماي.
ومنذ تولي جونسون السلطة الشهر الماضي، تزايدت احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد «من دون اتفاق» في الموعد المقرر في 31 أكتوبر، وهو ما يرى خبراء اقتصاد أنه سيلحق أضرارا اقتصادية جسيمة ببريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وصرح مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي لصحافيين في بروكسل الخميس طالبا عدم الكشف عن هويته بأن «الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يجب أن تضع في الاعتبار احتمال خروج بريطانيا من دون اتفاق بجدية أكبر من السابق». فيما قال مسؤول فرنسي، الأربعاء، إن هذا السيناريو أصبح «الأكثر ترجيحاً».
وكانت باريس هي المحطة الثانية في أول جولة خارجية لجونسون بعد توليه رئاسة الوزراء. وقد زار الأربعاء برلين لإجراء محادثات مع ميركل التي يبدو أنها قدمت له بريق أمل بقولها إن على بريطانيا أن تحاول إيجاد مخرج لهذه المسألة خلال الشهر المقبل. وقال: «أريد أن أوضح أنني أريد اتفاقا (...) أعتقد أن بإمكاننا التوصل إلى اتفاق جيد».
وأكد أمس أن محادثاته مع ميركل «شجعته بقوة». وأضاف: «أعجبت بروح (نستطيع تحقيق ذلك) التي لديها».
إلا أن الكثير من مراقبي بريكست يعتبرون أن تصريحات ميركل تنسجم مع لهجتها الأكثر تصالحية في العلن بشأن بريكست مقارنة مع ماكرون الذي تسببت تصريحاته القاسية بغضب في لندن في الماضي.
وأضاف مسؤول الاتحاد الأوروبي في بروكسل أن الاتحاد «قلق قليلا بناء على ما سمعناه بالأمس في برلين (...) وننتظر حقائق جديدة وأفكار قابلة للتطبيق».
وانعكست هذه التطورات ارتفاعا في سعر الجنيه الإسترليني الخميس مقابل اليورو والدولار. وبعد ظهر أمس، بلغ سعر الجنيه 1.2240 دولار (بزيادة نسبتها 0.91 في المائة) و0.90 سنت مقابل اليورو (0.93 في المائة).
وقال بيار فيريه المحلل في مجموعة «أكتيفتريدس» لوكالة الصحافة الفرنسية إن «المستثمرين يردون على التصريحات المطمئنة الأخيرة لأنجيلا ميركل حول شبكة الأمان الآيرلندية».
من جهته، رأى ديفيد مادن المحلل في مجموعة «سي إم سي ماركيتس» أن «ميركل قالت إنه من الممكن التوصل إلى حل لشبكة الأمان التي ستحافظ على تكامل السوق الواحدة وتحترم مبادئ اتفاق بلفاست الموقع في 1998». ويراهن جونسون الذي استعرض مهاراته باللغة الفرنسية ليثير إعجاب الدبلوماسيين الفرنسيين، على إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد في 31 أكتوبر «مهما كان الثمن».
ويتحدث محللون عن خطر أن تصبح العلاقات بين ماكرون وجونسون عاصفة في العلن، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تبادل اللوم في حال خروج بريطانيا من دون اتفاق. إلا أن ماكرون استبق أي محاولة لإلقاء اللوم على الجانب الأوروبي خلال مؤتمر صحافي الأربعاء قبل وصول جونسون إلى باريس. وقال: «ستكون هذه مسؤولية الحكومة البريطانية دائما، لأنه، أولا، الشعب البريطاني هو الذي قرر الخروج، وثانيا لأن الحكومة البريطانية لديها الخيار حتى اللحظة الأخيرة للعودة عن المادة 50».
والمادة 50 هي آلية قانونية تستخدمها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للانسحاب من الاتحاد، وقد فعّلتها بريطانيا في مارس (آذار) 2017، وخلال عطلة نهاية الأسبوع سيلتقي ماكرون وميركل وجونسون مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المؤيد لبريكست وجونسون، في قمة مجموعة السبعة في منتجع بياريتز الفرنسي.
بريطانيا و«الأوروبي» أمام تحدي التوصل إلى اتفاق «بريكست»
ماكرون وميركل وافقا على مهلة 30 يوماً بشروط
بريطانيا و«الأوروبي» أمام تحدي التوصل إلى اتفاق «بريكست»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة