مصارف لبنان تترقب تصنيف المؤسسات الدولية للوضع المالي

TT

مصارف لبنان تترقب تصنيف المؤسسات الدولية للوضع المالي

تصب الدولة اللبنانية تركيزها في الوقت الراهن على محاولة إبقاء مؤسسات التصنيف الائتماني تقييمها الحالي للوضع المالي والاقتصادي والنقدي. حركة غير اعتيادية تحصل خلف الكواليس، أبرزها لقاءات للرؤساء الثلاثة مع «قادة» الملف المالي والنقدي والاقتصادي، أي وزير المال علي حسن خليل، ووزير الاقتصاد منصور بطيش، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير.
وكانت الدولة دخلت سابقاً في جدل مع مؤسسات تصنيف ائتماني بسبب الصورة القاتمة التي عكستها هذه المؤسسات عن الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، خلافاً لتأكيدات أهل الشأن بأن الوضع في لبنان تحت السيطرة. وهو الأمر الذي تسبب في تراجع الثقة بالدولة اللبنانية من قبل دول ومصارف وشركات مالية وغيرها. حتى أن بعض هذه المؤسسات راح يروّج لفكرة أن لبنان لم يعد قادراً على السداد والإيفاء بالتزاماته المالية؛ مما ينتج منه ارتفاع المخاطر المتعلقة بالاستثمار، كما في نسبة الفائدة على الاستثمار بسندات الدولة اللبنانية وغيرها، وهو ما يتسبب بدوره في زيادة خدمة الدين العام، الذي ينجم عنه بالتالي ارتفاع الضغط على الاقتصاد اللبناني.
ويعتبر تصنيف وكالات الائتمان المعيار من أجل إنشاء وتطوير ورعاية العلاقة الاستثمارية بين الدول والمصارف والشركات المالية أو التجارية.
وفي حين يترقب القطاع المصرفي اللبناني تصنيف وكالة «ستاندرد اند بورز» بحذر، أوضح رئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة «بنك بيبلوس» الدكتور نسيب غبريل لـ«الشرق الأوسط»، أن وكالات التصنيف الدولية تمنح المصارف اللبنانية التصنيف الائتماني ذاته، الذي تمنحه للدولة اللبنانية وللدّين العام، أي أن تصنيف المصارف لا يمكن أن يتعدّى التصنيف السيادي للبنان، وتصنيف وكالتي S&P وFitch Ratings الائتماني للمصارف اللبنانية هو «B -» حالياً»؛ لأنه التصنيف الائتماني السيادي للبنان.
عوامل أخرى تعزز ارتباط تصنيف المصارف بالتصنيف السيادي للدولة اللبنانية، على سبيل المثال، ما تحمله المصارف التجارية من نسبة الدين العام. ففي لبنان، تحمل المصارف التجارية ما نسبته 38 في المائة من الدين العام، ما يشكل 13 في المائة من موجوداتها المجمعة، بالإضافة إلى ودائعها لدى مصرف لبنان. وهذا عامل أساسي لارتباط تصنيف المصارف بالتصنيف السيادي حسب الوكالات. حتى النظرة المستقبلية للقطاع المصرفي في لبنان، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنظرة المستقبلية للتصنيف السيادي للدولة اللبنانية. وكانت وكالة «ستاندرد آند بورز» عدلت في مارس (آذار) الماضي نظرتها المستقبلية للتصنيف السيادي للبنان من «مستقر» إلى «سلبي»؛ ما يعني حصول المصارف على النظرة ذاتها، على الرغم من ربحيتها وحسن إدارتها.
وذكّر غبريل بالأسباب التي استندت عليها الوكالة في تصنيفها، وفي تعديل نظرتها المستقبلية للوضع، كتلكؤ الحكومة ومجلس النواب والطبقة السياسية في تطبيق الإصلاحات في المالية العامة، والإصلاحات البنيوية، التي من شأنها تخفيض عجز الموازنة العامة للعام 2019؛ مما قد يؤثر على ثقة المستثمرين ويخفّض وتيرة تدفق الودائع إلى القطاع المصرفي.
ويستطرد غبريل بما أشارت إليه الوكالة عينها، فيما يخص الثقة القوية في النظام المصرفي اللبناني، والمدعومة من سياسات مصرف لبنان، للحفاظ على مستوى مرتفع من احتياطيات العملات الأجنبية. كما قالت الوكالة أن القدرة على خدمة الدين العام تعتمد بشكلٍ أساسي على تدفق الودائع، وعلى استعداد وقدرة القطاع المصرفي على استمرار الاكتتاب في السندات الحكومية. ونبهت الوكالة، كما قال غبريل، من أن اعتماد الحكومة على مصدر وحيد لتمويل احتياجاتها، هو ضعف هيكلي، يزيد من تعرّض لبنان لظروف مالية واقتصادية سيّئة. وهي نقطة تلاقٍ لآراء المصارف التجارية مع وكالات التصنيف الائتماني؛ إذ إن اعتماد الدولة على القطاع المصرفي لتمويل احتياجاتها يشكّل ضعفاً هيكلياً. كما أنها خطوة ولو غير مباشرة لتشجيع الدولة على تخفيض حاجاتها إلى الاستدانة وعلى تنويع مصادر تمويلها.
وتعتبر المصارف التجارية في لبنان أن تقييد تصنيفها الائتماني بالتصنيف السيادي يجب أن يتغيّر. إذ أثبتت المصارف حسن إدارتها وقدرتها على اجتذاب الودائع، في أصعب الظروف، وشفافيتها، وحفاظها على مستوى عالٍ من الملاءة والسيولة، وتطبيق المعايير الدولية.
ويؤكد غبريل تقبل المصارف اللبنانية تقييم وكالات التصنيف لها وتعاملها معها باحتراف وبواقعية؛ لأنها تعلم مدى الارتباط الوثيق بين تصنيفها وبين التصنيف السيادي للبنان، بغض النظر عن موافقتها أو عدم موافقتها على تقييد تصنيف المصارف بسقف التصنيف السيادي للبنان، وبغض النظر عن اعتقادها أن على وكالات التصنيف إعادة النظر بمعايير تصنيف المصارف اللبنانية، ومنحها تصنيفات أعلى من التصنيف السياديّ. إذ إن المصارف، مثلاً، تعيد ضخّ ما يقارب 60 في المائة من أرباحها، في رأسمالها، مما يساعدها على مواجهة أي تقييم أو قرار من وكالات التصنيف. أيضاً، تتبع وكالات التصنيف منهجية متطورة لتقييم التصنيف الائتماني لدولة ما، أو لشركة أو لمصرف. وفي حال التصنيف السيادي، تأخذ في الاعتبار المخاطر السياسية، والوضع الاقتصادي، وأداء المالية العامة، ووضع القطاع الخارجي والسياسة النقدية. وفي حالة المصارف، تأخذ في الاعتبار البيئة التشغيلية، واستراتيجية المصرف، وملاءته ونسبة السيولة لديه من ضمن عوامل متعددة أخرى.
ويستغرب غبريل بعض التصريحات التي صدرت من مستشارين لبعض المسؤولين في الأشهر الماضية، وفحواها الاتجاه لاتخاذ إجراءات بحق إحدى الوكالات، بسبب تصنيفها للبنان، أو إمكانية الطلب من وكالة أخرى تأجيل تقييمها السيادي للبنان، بالقول «إنها طريقة غير مواتية في التعاطي ولن تؤدّي إلى نتيجة؛ لأن السلطات اللبنانية هي التي طلبت من وكالات التصنيف الثلاثة، تصنيف لبنان الائتماني، خصوصاً أن لبنان يصدر سندات يوروبوندز بشكل مستمرّ، منذ نحو عشرين سنة، وهذا ما يساعد على استقطاب مؤسسات وصناديق استثمارية أجنبية على شراء قسم من هذه الإصدارات». وإذا كان أحد أو جهة معيّنة يعتقد أن تقييم إحدى الوكالات غير مواتٍ، فيمكن للسلطات المعنية اللبنانية أن تفسخ عقدها مع هذه الوكالة. لكن خطوة كهذه ليست مُستَحَبّة، بحسب غبريل وتعطي انطباعاً أن السلطات المحلية لا ترغب في التعاطي مع وكالات التصنيف، خصوصاً بعد نحو عقدين من تصنيفها للبنان، بطلب من سلطاته».
ويرى غبريل أن الطريقة الفضلى للتعاطي مع وكالات التصنيف، وإقناعها برفع التصنيف الائتماني للبنان، وبالتالي للمصارف اللبنانية، هو بالعمل الجدّي على تقليص عجز الموازنة وتخفيض حاجات الدولة للاستدانة، واتخاذ إجراءات لتحفيز النمو الاقتصادي، وتشجيع تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات. وهذا ما ينادي به القطاع المصرفي اللبناني منذ سنين كثيرة. وإذا رأت وكالات التصنيف منحى مستمراً في هذا الاتجاه، وتقلّص نسبة عجز الموازنة العامة إلى الناتج المحلي، وتراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي بشكل مستمرّ، فإنها ستغيّر أولاً نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني للبنان من سلبي إلى مستقر، ومن بعد ذلك من مستقر إلى إيجابي. وفي وقت لاحق، سترفع التصنيف الائتماني للبنان من مستوياته الحالية، وسيتبع هذا القرار رفع التصنيف الائتماني للمصارف التجارية إلى مستوى التصنيف السيادي الجديد».
وعن التصنيف المتوقع للمصارف، يفضل غبريل عدم استباق التقييم؛ إذ إن لا أحد يستطيع تكهّن قرار الوكالة، كما أن البعض بدأ يهوّل بأن تخفيض تصنيف لبنان سيؤدي إلى انهيار أو إفلاس، مؤكداً أن تقييم التصنيف يؤخذ قبل يوم أو يومين من نشره.



الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
TT

الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)

أعلنت السلطات السورية، الثلاثاء، أن قواتها قتلت زعيم خلية مرتبطة بتنظيم «داعش» واعتقلت 8 آخرين، على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف، الأحد، قوات الأمن بشمال البلاد.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت الوزارة في بيان إن العملية «استهدفت موقع خلية إرهابية تتبع لتنظيم (داعش) الإرهابي»، وأدت العملية إلى «إلقاء القبض على جميع أفراد الخلية وعددهم 8، وحُيّد (قُتل) العنصر التاسع، متزعم الخلية، أثناء المداهمة».

وأفادت الوزارة بعملية أمنية ثانية بناء على المعلومات التي جمعتها من العملية الأولى، وأسفرت العمليتان عن «ضبط أحزمة ناسفة، وكواتم صوت، وصواريخ من نوع ميم-دال، إلى جانب أسلحة رشاشة».

وقالت الداخلية إن المجموعة المستهدفة «مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب».

وتأتي هذه العملية بعد هجوم استهدف، الأحد، دورية لإدارة أمن الطرق في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل أربعة من عناصر قوى الأمن الداخلي وإصابة خامس، حسب وزارة الداخلية السورية.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بأن مسلحين أطلقوا النار على الدورية أثناء تنفيذ مهامها على طريق معرة النعمان جنوب المحافظة.

وتبنى تنظيم «داعش» لاحقاً الهجوم، وفق ما أورده موقع «سايت» المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية.

ويأتي ذلك بعد أيام من استهداف وفد عسكري مشترك في مدينة تدمر وسط سوريا، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين، بينهم جنديان ومدني يعمل مترجماً، إضافة إلى إصابة عناصر من القوات الأميركية والسورية، حسب واشنطن ودمشق.


تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
TT

تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)

أقرت مصر حزمة واسعة من التسهيلات لمستثمري منطقة طابا ونويبع، الواقعتين على شاطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء، بعد تضرر الأنشطة السياحية هناك على مدار العامين الماضيين، نتيجة الحرب في قطاع غزة والتوترات الأمنية المحيطة بالمنطقة.

وبحسب تصريحات إعلامية لرئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإنه تمت الموافقة من جانب إدارة الهيئة على منح المستثمرين عاماً إضافياً لتأجيل سداد المديونيات، مع وقف المطالبة بالسداد لمدة 18 شهراً دون فوائد، لافتاً إلى أن هذه القرارات جاءت استجابة لمطالب المستثمرين وبعد عدة اجتماعات ميدانية وجولات تفقدية للمنطقة.

وتضمنت حزمة التسهيلات المقررة مد فترة الإعفاء من سداد قيمة الأراضي إلى 3 سنوات بدلاً من عامين، إلى جانب تجميد المديونيات لمدة سنة ونصف السنة دون فرض أي أعباء إضافية.

وأوضح أن المنطقة تعرضت لضغوط استثنائية أدت إلى توقّف غالبية المقاصد السياحية، مشيراً إلى أن عدد الفنادق العاملة حالياً لا يتجاوز 6 فنادق من بين 55 فندقاً مسجلة في المنطقة.

حوافز حكومية لمنتجعات جنوب سيناء في مصر لتنشيط السياحة (هيئة تنشيط السياحة)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أشارت تقارير إعلامية مصرية إلى «إغلاق نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين بسيناء على شاطئ البحر الأحمر وتراجع معدل الإشغالات الفندقية في منتجع شرم الشيخ ومدن جنوب سيناء نتيجة الحرب على غزة».

الدكتور يسري الشرقاوي، مستشار الاستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، عدّ التسهيلات المالية التي تقدمها الحكومة المصرية لمساندة المشروعات السياحية المتعثرة خطوة مهمة، لكنها لا تمثل حلاً كاملاً في مواجهة تداعيات الظروف الجيوسياسية الراهنة، مشدداً على ضرورة تبني استراتيجية متعددة المحاور.

وقال الشرقاوي، لـ«الشرق الأوسط»: «تُعد السياحة أحد أهم المصادر للعملة الصعبة في مصر، وكان تأثير الظروف الجيوسياسية على مناطق سيناء، خصوصاً المناطق الجنوبية المتضررة جغرافياً، تأثيراً مباشراً وحاداً».

وتابع: «اليوم، تنظر الحكومة المصرية إلى عام 2026 بوصفه عاماً مرتقباً للهدوء النسبي والاستقرار، وهو العام الذي سيأتي أيضاً بعد شهور من الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير، والتدابير المتخذة تهدف إلى جعل عام 2026 عاماً ذهبياً لقطاع السياحة إذا ما تلاشت التأثيرات الخارجية»، مؤكداً أن الحلول المالية المطروحة حالياً ستسهم في سداد الفواتير الكبيرة المستحقة على أصحاب المشروعات السياحية المتعثرة في سيناء، ومتوقعاً المزيد من المساعدات التدريجية في هذا الصدد.

وبحسب تصريحات رئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإن الهيئة حرصت على جمع مطالب المستثمرين، وإقرار ما يدعم استمرارية النشاط في المنطقة التي تمثل أحد أهم المقاصد في جنوب سيناء.

واستقبلت مصر، وفق بيانات رسمية 15.7 مليون سائح خلال عام 2024، ما يُعدّ أعلى رقم تحققه البلاد في تاريخها. كما أعلنت زيادة أعداد السائحين خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 بنسبة 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.

ودعا الشرقاوي إلى ضرورة تدخل أوسع من الحكومة على 3 محاور متزامنة لضمان جذب أعداد أكبر من السائحين؛ أولها المحور الدبلوماسي والسياسي، عبر استمرار الجهد المكثف، ممثلاً في وزارة الخارجية وتحت توجيهات القيادة السياسية، لضمان التحسن التدريجي المستقر في الظروف الجيوسياسية وتلاشي أثرها، إلى جانب الترويج النوعي، من خلال إعداد وزارة السياحة والآثار المصرية برامج ترويجية جاذبة تستهدف إعادة تثبيت الرؤية الآمنة لأسواق السياحة الدولية تدريجياً، خاصة للوافدين إلى سيناء.

وتابع: «كما يجب أن يكون هناك ترويج مدعوم للسياحة الداخلية للحفاظ على نسب الإشغال داخل هذه المنطقة، فلا يمكن لأي منطقة في العالم أن تتجاوز جميع الآثار إلا إذا تضافرت الأيدي الداخلية مع الدعم الخارجي».


«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

في وقت تحدث فيه إعلام إسرائيلي عن زيادة وتيرة التوتر بين مصر وإسرائيل في الفترة الحالية، بسبب ممارسات حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأجهزة المصرية رصدت ما تقوم به إسرائيل من مخالفات لاتفاق شرم الشيخ، وأعدت به ملفاً وأبلغت به واشنطن للتأكيد على أن القاهرة ملتزمة ومصرة على تنفيذ الاتفاق».

ووفق عسكريين سابقين بمصر، فإن «القاهرة ترى في ممارسات إسرائيل بغزة محاولة للتملص من خطة ترمب المتفق عليها، واللجوء لترسيخ وجود عسكري إسرائيلي دائم فيما يعرف بالخط الأصفر بغزة، مما يهدد الأمن القومي المصري».

و«الخط الأصفر» هو خط تقسيم يفصل قطاع غزة إلى جزأين، وفقاً لخطة السلام الموقعة بشرم الشيخ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الخطة التي تهدف إلى إنهاء حرب غزة. ويفصل الخط الأصفر 47 في المائة من الأراضي في المنطقة الغربية التي يسيطر عليها الفلسطينيون، عن 53 في المائة من قطاع غزة التي تسيطر عليها إسرائيل، وتقريباً جميع الفلسطينيين في غزة نزحوا إلى المنطقة الغربية من الخط.

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

وكشف تقرير لـ«القناة 14» الإسرائيلية عن نشاط للجيش الإسرائيلي فيما يعرف بـ«الخط الأصفر»، وتعديل التضاريس الجغرافية لقطاع غزة، وهو ما تعدّه القاهرة «تهديداً مباشراً لمصالحها الإقليمية»، وفق القناة، التي ذكرت أن «ذلك أغضب مصر ودفعها للشكوى إلى الولايات المتحدة، متهمة إسرائيل بأنها تعمل على تقسيم قطاع غزة إلى جزأين، وتغيير التركيبة الديموغرافية والتضاريسية للمنطقة».

وحسب التقرير، فإن القاهرة «تنظر بقلق بالغ لما يجري في قطاع غزة، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيل زامير، حول الخط الأصفر، باعتباره خطاً دفاعياً وهجومياً جديداً»، حيث إن نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة «الصفراء» - الذي يشمل تدمير بنية تحتية للأنفاق وهدم منازل - «يفسر في القاهرة على أنه استعداد لترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في غزة، ما دفع مصر إلى التحرك الدبلوماسي العاجل باتجاه واشنطن»، وفق القناة العبرية.

وأكد نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر غاضبة بشدة من محاولات إسرائيل التملص من التزامها بخطة السلام المتفق عليها، وتحركاتها في المنطقة الصفراء توحي برغبتها في تثبيت وجود عسكري دائم في غزة وقرب الحدود المصرية، مما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري».

مصادر تتحدث عن اشتراطات مصرية لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو (إعلام عبري)

كامل، وهو مستشار بالأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية قال لـ«الشرق الأوسط»: «الموقف المصري واضح ومحدد وثابت في عده قضايا رئيسية تخص الأمن القومي المصري، ويقوم على أن السلام هو الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الخارجية المصرية، واحترام مصر للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، خصوصاً اتفاقيه السلام الموقعة عام 1979، والملحق العسكري المرفق بالاتفاقية وتعديلاته الخاصة بزيادة أعداد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وضرورة احترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين».

وأوضح أن «هناك اشتراطات مصرية للتهدئة مع إسرائيل تتعلق بتنفيذ اتفاق غزة طبقاً لمبادرة الرئيس الأميركي ترمب بمراحلها المختلفة، والبدء فوراً في المرحلة الثانية دون عرقلة أو أسباب واهية، مع التأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والتحول إلى مرحلة السلام، وقيام إسرائيل بالتنفيذ الدقيق للاتفاقية ودخول المساعدات الإنسانية بالكميات المتفق عليها، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

ومن الشروط كذلك بحسب كامل، «رفض مصر الهجرة القسرية أو الطوعية لسكان قطاع غزة، وكذلك الإجراءات الإسرائيلية بالضفة الغربية الخاصة بإقامة المستوطنات وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل أراضي القطاع بما فيها محور فيلادلفيا والعودة لحدود 7 أكتوبر 2023، والتأكيد أن الوجود الإسرائيلي الحالي هو وضع مؤقت مرهون بتطور تنفيذ مراحل الاتفاق، وأن الخطوط الملونة ومنها الخط الأصفر، هي خطوط وهمية لا يعتد بها».

الشرط الرابع، وفق كامل، متعلق بـ«مدى تجاوب نتنياهو وحكومته مع المطالب العربية الواضحة في المبادرة العربية، والخاصة بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والشروع والموافقة على حل الدولتين وعدم التهجير للفلسطينيين؛ سواء بغزة أو الضفة، وإبداء النوايا الحسنة الخاصة بحسن الجوار وعدم الاعتداء، والتجاوب مع المطالب الدولية الخاصة بإخلاء المنطقة من التهديد بالسلاح النووي، وانضمام إسرائيل للاتفاقيات الدولية بذات الشأن».

مسلحون من «حماس» يرافقون أعضاء «الصليب الأحمر» نحو منطقة داخل «الخط الأصفر» الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

ويعتقد أن «مصر لن تتجاوب مع المساعي الأميركية والإسرائيلية الخاصة بعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دون تقديم إسرائيل مبادرة واضحة ومحددة لرغبتها في السلام واستقرار المنطقة، وتكون قابلة للتنفيذ».

وذكرت التقارير الإسرائيلية أن الولايات المتحدة حاولت فعلياً تنظيم قمة ثلاثية في واشنطن؛ بين السيسي ونتنياهو بحضور ترمب، لكن الفكرة ارتطمت بجدار الشروط المصرية التي وصفها الإعلام العبري بـ«غير المقبولة» من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن التقارير ذاتها أشارت إلى أن القاهرة تتوقع أن يمارس ترمب ضغوطاً خلال لقائه المرتقب مع نتنياهو في فلوريدا نهاية الشهر الحالي، لـ«كبحه» والحد من خطواته في غزة.

وقال رئيس الأركان السابق للجيش المصري، اللواء سمير فرج، إن «هناك تعويلاً كبيراً على القمة التي ستعقد بين ترمب ونتنياهو ومخرجاتها، وإن ترمب بالقطع سيضغط على نتنياهو للالتزام بخطة السلام في غزة، التي تحمل اسم ترمب شخصياً».

ونوه فرج في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن مصر ستقيم الموقف في إطار ما ستتمخض عنه قمة ترمب ونتنياهو، ولكن في الوقت ذاته، فإن موقفها واضح وثابت في أنها لا تقبل أبداً بتثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في الخط الأصفر، أو في أي منطقة من غزة، وكل ما تفعله حكومة نتنياهو تدرك القاهرة تماماً أنه محاولة لعرقلة خطة السلام التي تنص على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي غزة.