ذكرى تأسيس الدولة السعودية: شلهوب (1858 ـ 1959)

شخصيات من حقبة التأسيس (3)

ذكرى تأسيس الدولة السعودية: شلهوب (1858 ـ 1959)
TT

ذكرى تأسيس الدولة السعودية: شلهوب (1858 ـ 1959)

ذكرى تأسيس الدولة السعودية: شلهوب (1858 ـ 1959)

مع أنه عاش أطول فترات الرفقة مع الملك المؤسس وأكثرها تنوّعا، فإنه كان الأقل ذكرا في الكتابات التي تناولت التاريخ السياسي والاجتماعي لحقبة التأسيس، وهناك رغبة ملحّة عند جهات التوثيق وعند حفيديه منصور ود. عبد الملك لتوثيق سيرته حيث يحتفظان بوثائق مهمة عن جدهما، غير أن هذه الرغبة الرسمية والأهلية تصطدم بواقع محدودية المعلومات عنه وبسريّة بعضها، وبطموح الجميع بأن تأتي الكتابة عنه على مستوى يليق بمكانته وبقربه من رئيسه.
أما تفسير ما سبق «الرفقة الأطول» فلأنه ولد قبل ولادة الملك عبد العزيز بأعوام قليلة، ورافقه وفيّا له منذ فتح الرياض، وكان يثق به للاستدانة من الأثرياء أموالا تعين على تكاليف الحملات العسكرية، ويكلّفه بأنواع مختلفة من مهمّات التموين والأعطيات والضيافات، ثم عاش بعد وفاة الملك أكثر من 15 عاما حتى تجاوز عمره 100 عام وتوفي مستشفيا في لبنان سنة 1959.
وتجدر الإشارة إلى أن أسرة من الزمازمة في مكة المكرمة وأن أسرا عدّة تحمل هذا الاسم في شمال السعودية، كما توجد مدرسة عريقة في الكوت بالأحساء تسمى المدرسة الشلهوبية نسبة إلى أقدم مدرّسيها أحمد بن محمد بن شلهوب، وهذه الأسماء جميعها لا صلة لها - بالضرورة - بشخصيّة المقال وأسرته.
ولعل أفضل من تناول - وباستفاضة حتى الآن - سيرة محمد بن صالح بن شلهوب (المشهور بلقب شلهوب وهو عنوان هذا المقال) هو الباحث السعودي عبد الرحمن الرويشد الذي يعنى بتاريخ الأسرة المالكة آل سعود، يرصد بجهود ذاتية أسماء ملوكها وأمرائها وأميراتها ومراتبهم، جامعا من جهة بين معلوماته الشخصية والمعلومات التاريخية التي كان يرويها ابن عمه سعد بن عبد العزيز بن رويشد، وبين الأخذ من الروايات الشفوية المتداولة شعبيّا مع الاستفادة من كتب المؤرخين المحليين والأجانب، وهو يُكمل بكتاباته ورواياته ما تُغفله الكتب الأكاديمية، وبالتالي فإن من يكتب من الباحثين عن شلهوب وأمثاله من الروّاد لا بدّ أن يمرّ على ما يكتبه الرويشد، وكان نشر في عام 2009م في صحيفة «الجزيرة» السعودية مقال مطوّل عنه من جزأين.
يقترن استحضار سيرة هذه الشخصيّة بالتساؤل أحيانا - كعادة أهل الجزيرة العربية - عن بداية شهرة أسرة الشلهوب وصلتها بالملك المؤسس، فهناك من يربط ذلك بفتح الأحساء، وهناك - من ناحية أخرى - روايات متواترة ومنها رواية الرويشد، تشير إلى عراقة أسرة الشلهوب في نجد وتستشهد بوثائق تؤكّد على أنها كانت تسكن في حي منفوحة ثم في حي دخنة المعروفين بالرياض، وتنتشر بين الرياض والدرعية والمجمعة وجدة، وكان مما ذكره الرويشد «أن البعض من هذه الأسرة ومن بينهم صالح (والد شلهوب) معدود في كبار رجال فيصل بن تركي آل سعود (جد الملك عبد العزيز) إبان الدولة السعودية الثانية، فقد ذكر المؤرخان إبراهيم بن عيسى في كتابه (عقد الدرر) وإبراهيم بن عبيد في كتابه (تذكرة أولي النهى والعرفان) أنه في عام 1278هـ (1862م) أصدر الإمام فيصل أمرا إلى صالح بن شلهوب وكان أحد قواده بالذهاب في سرية إلى عنيزة، لكي ينضم إلى قوة كان قد سيّرها من قبل، كما ذُكر أن الإمام فيصل كان قد عيّن صالح هذا أميرا على بريدة قبل تعيين أحمد السديري، كما ذكرت المصادر أنه - أي صالح - كان ضمن من حضر وقعة تسمّى «أم العصافير» بين الإمام عبد الله بن فيصل آل سعود وابن رشيد عام 1884م» اهـ.
شيء آخر ينشغل به بعض المؤرخين المحليين عند ذكر جيل الروّاد المؤسسين القدامى ومن أبرزهم شخصية هذا المقال، هو عن حقيقة مرافقة شلهوب للعاهل المؤسس ضمن الستين من رجالاته عند دخولهم الرياض (1902م) وهو ما ذكره محمد بن مانع مؤلف كتاب توحيد المملكة العربية السعودية (صدر بالإنجليزية عام 1982م) بينما شكّك الرويشد في ذلك وهو - أي التشكيك - ما أُخذ به عند الاحتفال بالذكرى المئوية قبل 15 عاما، حيث يُنقل عن شلهوب نفسه أنه التحق بالسلطان عبد العزيز وجنده مع عودة الكثيرين منهم إلى الرياض، وكان مقدمه من حائل، ومهما يكن من أمر فإن أهميّة شلهوب لا تنتهي في هذه الناحية، سواء كان من بينهم أو من خلافهم.
وأشار الرويشد في مقاله إلى تمتّع شلهوب بالروح المرحة وأورد عددا من الطرف المحكيّة عنه، وأنه عُرف بقلّة الحديث عن دوره السياسي إلا نادرا، كما أشار إلى المخاطبات والمراسلات والوثائق التي جرت بين الملك عبد العزيز وشلهوب ونشرت عام 1990م في كتاب للدكتور عبد الرحمن السبيت وزملائه حيث كان شلهوب يتردّد بين الرياض والقصيم والكويت مكلّفا بالتجهيزات العسكرية وبشراء المواد التموينية وبالاتصال بشخصيات كبيرة، واستشهد الرويشد بما أورده إبراهيم النشمي في مذكراته المنشورة في كتاب: رجال وذكريات مع عبد العزيز أنه - أي النشمي - كان أحد تجار السلاح في المدينة المنورة والخليج والكويت وذلك قبل دخول الحجاز في الحكم السعودي، وكان يتعامل مع شلهوب بأمر من الملك عبد العزيز للحصول على الأسلحة والذخائر، كما يصف الرويشد الدور الكبير الذي قام به شلهوب للمساعدة في ضمّ إقليمي الأحساء والقصيم إلى حكم السلطان عبد العزيز.
كان عبد الله السليمان الحمدان المعروف شعبيّا باسم (الوزير ابن سليمان) هو المشهور بتولّيه حقيبة وزارة المالية منذ توحيد البلاد عام 1932م وكان الأكثر تنظيما واختصاصا بقضايا التموين والخزانة على مستوى الدولة الحديثة وفي التعامل مع الوفود الرسمية في عهد الملك عبد العزيز، وكانت معظم إقامته وعمله في مركز الحكومة في الحجاز، لكن شلهوب كان الأقدم والأطول زمنا والأقرب للقصر بالرياض، والأكثر تخصّصا بشؤون القبائل والزوّار وتجهيز الغزوات.
تتلخّص سيرة شلهوب في أنه في مطلع حياته زاول التجارة بين بلدان نجد والكويت والبحرين، ثم التحق بالسلطان عبد العزيز بُعيد دخوله الرياض سنة 1902م فعيّنه خازنا للمال، وكان يطلق عليه أحيانا رئيس الأموال في نجد، قال عنه الريحاني «كان بمثابة وزير التموين، فيه إخلاص لا ريب فيه، مهماته متعددة، تشمل الكبيرة والصغيرة، من المدفع إلى عود الكبريت، فهو يتولى أمر التوزيع العام الشامل، يوزع الحطب والسمن والسلاح والمال، طريقته في الإدارة أوّلية بدوية وحساباته قروية، كان يقول: اللي يجي نقيّده، واللي يروح نقيّده، والنتيجة لا شيء، وليس في طريقته محاباة أو تفضيل، وأنه طوّف بي ذات يوم مخازنه، فدهشت لما في ذمته من الأموال، وفي ذاكرته من الأشياء؛ فهذا مخزن السلاح والذخيرة، وهذا بيت التموين، وهذه الخوابي صنع الهند للسمن، وهذا التمّن (الرز) بمئات الأكياس مرصوصة بعضها فوق بعض، ثم أدخلني غرفة ذكرتني بمخازن الرهون بلندن وبنيويورك، كل ما فيها مهمل مجهول ومكدّس بعضه فوق بعض، سألت شلهوب عنها فقال: غنمناها في إحدى المواقع، ولا أدري ما فيها».
وبالعودة إلى الكتابات الموجزة التي - على قلّتها - ذكرته، يُلحظ أن الرواة والمؤرّخين القدامى - ومنهم غير العرب - أشاروا إليه في كتبهم، ففيلبي على سبيل المثال وصف دار شلهوب ومجلسه والضيوف الذين يرتادونه، كما روى المؤرخ سعد بن عبد العزيز بن رويشد كثيرا من المعلومات عنه.
ويجد الباحث إلماحات عنه في الروايات الشفوية التي دوّنتها جهات التوثيق المحلية، أما مراكز المعلومات الوطنية ففيها من الوثائق ما يصبّ أكثرها في مجال اختصاص شلهوب، وهو الجانب المالي والتمويني (اللوجستي) ضمن منظومة المسؤولين المحيطين عن قرب بالملك عبد العزيز من أمثال عبد الرحمن الطبيشي وإبراهيم بن جميعة وعبد الله بن نفيسة (عمعوم) وكانت مسؤوليّات شلهوب - كما ذُكر - أقرب إلى التعامل مع القبائل وأمراء الأقاليم والأهالي، يدير الأمور بأمانة وإخلاص ووفاء وبالطريقة التقليدية التي تناسب تلك الحقبة والجماعات.
كان بعض من يبحث في سيرة شلهوب يظن أنني سبق أن استضفته في أحد البرامج التلفزيونية وهو ما لم يحدث مع الأسف، لكن حفيده د. عبد الملك الشلهوب ذكر أن اللقاء الإعلامي الوحيد الذي أُجري مع جده كان عبارة عن مقابلة صحافية أجرتها صحيفة «اليمامة» تحدث فيها عن عادات العيد في نجد، وأن صحيفة لبنانية رغبت في أثناء تواجد الجد في بيروت إجراء لقاء معه لكنه اعتذر، كما أفاد د. عبد الملك بأنه يعمل على استكمال مؤلف يحكي سيرة جده، والمرجو أن يُعجّل الحفيدان - منصور وعبد الملك - بذلك فما سيصدر عنهما سيثري تاريخ الحياة الاجتماعية في نجد بخاصة، وسيكون رافدا للباحثين في دراسات الجزيرة العربية في تلك الحقبة بعامة.
* إعلامي وباحث سعودي



اتفاقية تعاون سعودية ـ مغربية متعددة المجالات

الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)
الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)
TT

اتفاقية تعاون سعودية ـ مغربية متعددة المجالات

الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)
الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

أبرمت السعودية والمغرب اتفاقية للتعاون في عدد من المجالات التي تجمع وزارتي «الداخلية السعودية» و «العدل المغربية»، بعد مباحثات أجراها الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودية مع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، في الرياض، الأربعاء، تناولت سبل تعزيز مسارات التعاون بين الوزارتين، ومناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

ونقلت «وكالة الأنباء المغربية» (ماب) عن وزير العدل المغربي قوله في تصريح أعقب مراسم التوقيع، إن «هذه الاتفاقيات تأتي استكمالاً لبرنامج التعاون القانوني والقضائي بين البلدين، وتعد تثميناً كبيراً للشراكة التاريخية التي تجمع المغرب والسعودية، مما يساهم في ترسيخ العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم العابرة للحدود».

الأمير عبد العزيز بن سعود خلال رعايته الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

وأضاف وهبي أن الاتفاقيات «ستدعم جهود البلدين في تحقيق الأمن والاستقرار، وتعزز آفاق التعاون القضائي والقانوني بينهما».

الحفل السنوي وتخرُّج دفعة

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود الذي يرأس المجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الأربعاء، أن التحديات الأمنية التي تتعرض لها المنطقة لن تحول دون استمرار الجهود المشتركة، ومواصلة المسيرة للحفاظ على الأمن بما يعود بالرخاء والازدهار على دولنا العربية وتحقيق آمالها وتطلعاتها.

وقال وزير الداخلية السعودي في كلمة له خلال رعايته الحفل السنوي للجامعة، وتخريج 259 طالباً وطالبة من 7 دول عربية من الدفعة 42، بمقر الجامعة في الرياض، الأربعاء، إن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار للمستقبل، وهذا ما سعى إليه مؤسس هذه الجامعة الأمير نايف بن عبد العزيز التي تحمل اسمه تقديراً من الدول العربية لجهوده ورؤيته، فقد أولى هذه الجامعة اهتمامه ورعايته منذ تأسيسها وحتى وفاته.

الأمير عبد العزيز بن سعود في صورة تذكارية مع خريجي الدفعة 42 من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

وأشار الوزير السعودي إلى أن مجلس وزراء الداخلية العرب يبذل جهوداً كبيرة منذ نشأته لتعزيز التعاون العربي في المجال الأمني، عادّاً المجلس بجهازيه الأمانة العامة وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أنموذجاً للمنظمات العربية الناجحة قياساً على إنجاز الخطط والإستراتيجيات التي أقرها وتابع تنفيذها على مدار أكثر من أربعة عقود، إضافةً إلى تعزيزه التنسيق بين الأجهزة الأمنية العربية، بجانب جهوده الكبيرة في توطيد العلاقات مع المنظمات الدولية المعنية بالشأن الأمني بهدف الحفاظ على أمن الإنسان العربي والحد من الجريمة في المنطقة العربية.

ولفت إلى اهتمام السعودية البالغ بأعمال مجلس وزراء الداخلية العرب؛ مما ساهم في تحقيق أهدافه، مشيراً إلى دعمها أعمال أمانته العامة، واستضافتها وتوفيرها جميع سبل النجاح لجهازه العلمي المتمثل في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، إيماناً منها بأهمية العمل العربي المشترك، وامتداداً لنهجها الثابت في تعزيز التضامن العربي وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة العربية.

وزير العدل المغربي خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

من جانبه، قال عبد اللطيف وهبي وزير العدل المغربي، إن السعودية بصفتها دولة المقر لجامعة نايف العربية ظلت تؤدي دوراً محورياً في تطوير هذه الجامعة، حتى أصبحت على الشكل الذي نراه اليوم محتضنة لعدة كليات ومراكز علمية، من خلال دعمها المادي واللوجيستي لتقوم الجامعة بالمهام المنوطة بها بجودة وإتقان.

ونوه إلى أن حفل التخرج في دورته الـ42 يعد مثالاً للعمل الجاد والكبير الذي يقوم به منسوبو هذه الجامعة، التي ساهمت في بناء قدرات أجهزة إنفاذ القانون، وإعداد قادة وخبراء متخصصين في مجالات أمنية متعددة مواكبة للتطور السريع والتحديات المتسارعة.

من ناحيته، أشار الدكتور عبد المجيد البنيان رئيس الجامعة إلى استعدادات تجري لإطلاقِ خطة استراتيجية جديدة للجامعة التي قال إنها تستندُ إلى مسيرةٍ ممتدة منذ تأسيسها في عام 1978، مشيراً إلى أن الجامعة نفَّذَت خلال السنوات الماضية مخرجات الاستراتيجيات والخطط الأمنية العربية المعتمدة من مجلس وزراءِ الداخلية العرب، وأهّلت العديد من القيادات والكوادر العربية، وقدمت مجموعة كبيرة من الدراسات، كما تُوِّجَتْ جهودها باختيارها للانضمام إلى أهم التجمعات الدولية في مجال عملها ضمن نخبة محدودة من مؤسسات التعليم الأمني العالمية.

وأكد أن الجامعة، حصلت هذا العام على الاعتماد المؤسسي الكامل من هيئة تقويم التعليم والتدريب في السعودية.