أنقرة قد تتفق مع النظام لإخراج «الوحدات» الكردية من «المنطقة الآمنة»

وفد حزبيّ تركي يلتقي الأسد الشهر المقبل في إطار مفاوضات منذ 3 سنوات

طفلة سورية مع والدتها تبكي أمام حافلة في إسطنبول ستقل مجموعة من السوريين إلى الحدود التركية ــ السورية (أ.ف.ب)
طفلة سورية مع والدتها تبكي أمام حافلة في إسطنبول ستقل مجموعة من السوريين إلى الحدود التركية ــ السورية (أ.ف.ب)
TT

أنقرة قد تتفق مع النظام لإخراج «الوحدات» الكردية من «المنطقة الآمنة»

طفلة سورية مع والدتها تبكي أمام حافلة في إسطنبول ستقل مجموعة من السوريين إلى الحدود التركية ــ السورية (أ.ف.ب)
طفلة سورية مع والدتها تبكي أمام حافلة في إسطنبول ستقل مجموعة من السوريين إلى الحدود التركية ــ السورية (أ.ف.ب)

كشفت تقارير صحافية تركية عن احتمال عقد اتفاق بين أنقرة ونظام بشار الأسد بوساطة روسية إيرانية بشأن المنطقة الآمنة في شمال سوريا وإخراج وحدات حماية الشعب الكردية منها، في الوقت الذي جدد فيه حزب تركي دعوته للحكومة إلى التفاوض المباشر مع نظام الأسد بشأن وضع سوريا في المستقبل.
وحسب هذه التقارير، يبدو اتفاق المنطقة الآمنة مُرضياً لجميع الأطراف على الرغم من استمرار الجدل حول عمق وامتداد هذه المنطقة، فأنقرة، وعلى الرغم من عدم رضاها حتى الآن عن مسألة حدود وعمق المنطقة فإنها تبدو راضية عما تحقق بشأن المجال الجوي، في حين تشعر واشنطن بأنها انتصرت عندما نجحت في منع تركيا من دخول منطقة شرق الفرات والهجوم على الوحدات الكردية الحليفة لها، بينما الوحدات الكردية ذاتها تشعر بالرضا لانتهاء الرهان على زوالها عقب زوال تهديد تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا.
ووفقاً للكاتب في صحيفة «خبر تورك» القريبة من الحكومة التركية، محرم صاري كايا، فإن قلق أنقرة من أن يتم إنشاء كيان كردي في سوريا على غرار إقليم كردستان العراق، يدفعها إلى الاستعجال فيما يخص إنشاء المنطقة الآمنة، بينما تخشى واشنطن ومعها الوحدات الكردية من أن تنفكّ العقدة في لحظة ما، فتذهب أنقرة مع النظام بوساطة روسية - إيرانية إلى اتفاق مشترك حول إدارة المنطقة الآمنة.
في السياق ذاته، حذر الخبير الأمني التركي عبد الله أغار، من استغلال الولايات المتحدة للقلق التركي بشأن قيام كيان كردي في شمال شرقي سوريا، قائلاً إن ذلك الأمر ستكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة ذاتها، لأنه سيؤدي إلى تغيير في التفضيلات الجيوسياسية التركية.
ولفت أغار إلى خطط تركية بديلة ستطبقها أنقرة، إذا لم تفِ الولايات المتحدة بتعهداتها بإنشاء المنطقة الآمنة في شمال شرقي سوريا، مؤكداً أن اهتمام تركيا الرئيس هو التهديد المتمثل في «إنشاء كيان شبه دولة إرهابية» في المنطقة، الأمر الذي سيؤدي إلى تمزيق سوريا، ثم العراق وتركيا نفسها على المدى المتوسط أو البعيد».
وأضاف: «نرى أن الولايات المتحدة تستغل هذا القلق، وفي الوقت نفسه تحذّر أنقرة واشنطن من أنه ما لم يتم تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها، فلدينا خيارات بديلة تتضمن مجموعة من الأدوات ذات الطبيعة الجيوسياسية والاستراتيجية والتكتيكية والعملياتية».
وأشار الخبير التركي إلى أن «الاستراتيجية الأميركية الرئيسة في سوريا هي استخدام عناصر الوحدات الكردية لأغراضها من ناحية، ومن ناحية أخرى تطوير تعاون مع تركيا يفيدها في تحقيق مصالحها في المنطقة... لكن مثل هذه السياسة ذات الوجهين ستكون لها عواقب وخيمة». واعتبر أن مشكلة تركيا مع الولايات المتحدة ليست في المواجهة في سوريا، فحسب، بل في مجموعة التفضيلات والأولويات الجيوسياسية.
وبدا أن تباينات في المواقف لا تزال تفرض نفسها على التنسيق التركي الأميركي بشأن المنطقة الآمنة في شمال شرقي سوريا، عبّر عنها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، بقوله إن «هناك خلافاً بين الولايات المتحدة وتركيا حول وحدات حماية الشعب الكردية».
ولفت جيفري، خلال ندوة في معهد «أسبن» للدراسات الإنسانية بواشنطن، ليل الجمعة - السبت، إلى أن هناك اختلافاً في الأدوار التي تقوم بها كل من واشنطن وأنقرة في شمال شرقي سوريا، مؤكداً أن وحدات حماية الشعب الكردية حليف لبلاده وأنها وتركيا تقفان على طرفي نقيض حيالها. وأشار إلى أن «قاعدة وحدات حماية الشعب جاءت من حزب العمال الكردستاني، وتركيا تعدهما (إرهابيين)، أما نحن فلا نرى أولئك المواطنين السوريين (عناصر الوحدات الكردية) إرهابيين». وأضاف: «وحدات حماية الشعب الكردية ليست مدرجة على لائحة الإرهاب الأميركية، ولا على لائحة الأمم المتحدة، وتركيا تطالب بفك ارتباطنا وتحالفنا معها، كما سبق أن هددت الولايات المتحدة». وتابع: «الوحدات الكردية ستبتعد عن المناطق الحدودية مع تركيا عند إنشاء المنطقة الآمنة التي يجري العمل على إقامتها حالياً».
كان الجانبان الأميركي والتركي قد توصلا، الأسبوع الماضي، إلى اتفاق بشأن المنطقة الآمنة شمالي سوريا، يقضي بإنشاء مركز عمليات مشتركة في شانلي أورفا جنوب تركيا، لتنسيق شؤون إنشاء وإدارة المنطقة الآمنة.
في السياق ذاته، أكد زعيم حزب العمال الكردستاني السجين في تركيا مدى الحياة عبد الله أوجلان، أن «اندلاع الحرب في منطقة شمال شرقي سوريا سيتسبب بأضرار لتركيا وللشعوب التي تعيش في سوريا في الوقت ذاته، ولن يستفيد منها أي طرف»، مشدداً على أنه «من الممكن حل هذه المشكلة بالوسائل الديمقراطية، وأن الحرب لن تَحلّ أي مشكلة». وذكر محمد أوجلان، الذي زار شقيقه عبد الله أوجلان في محبسه بسجن إيمرالي غرب تركيا بمناسبة عيد الأضحى، أنه تناول مع شقيقه التطورات في شمال العراق وشمال سوريا والتهديدات التركية بعملية عسكرية ضد الوحدات الكردية في شرق الفرات، وأن شقيقه أكد أنه دائماً مع خيار السلام، مشيراً إلى أنه عاش في سوريا 20 عاماً، ويعرف شعبها والعشائر العربية الموجودة هناك جيداً، وطلب إيصال تحياته للعشائر العربية ولشعب تلك المنطقة.
في سياق متصل، قال رئيس حزب «الوطن» التركي المعارض دوغو برينتشيك إنه تلقى دعوة من رئيس النظام السوري بشار الأسد لزيارة سوريا، وإنه سيزور دمشق في سبتمبر (أيلول) المقبل. وأضاف برينتشيك، الذي بات في السنوات الأخيرة على وفاق مع حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان، أن النظام السوري يتبنى دوراً محورياً في إنهاء وجود «داعش» والوحدات الكردية (امتداد حزب العمال الكردستاني) في الشمال السوري، وأن حكومة إردوغان ترتكب خطأً كبيراً بعدم تواصلها مع النظام السوري، معتبراً أن التنسيق مع نظام الأسد سيجنّب تركيا الكثير من المخاطر.
ودعا برينتشيك، الذي يُجري حزبه زيارات ومباحثات مع نظام الأسد في سوريا منذ عام 2016 بعلم الحكومة التركية، حكومة إردوغان إلى المشاركة في الزيارة المرتقبة لوفد حزبه إلى دمشق. وقال في تصريح أمس: «سنحمل إلى دمشق خطة لحل الأزمة القائمة منذ سنوات، ومقترحنا يتمثل في إلقاء المعارضة للسلاح، وإصدار حكومة دمشق عفواً عاماً يشمل الجميع»، مشيراً إلى أن خطته لاقت قبولاً مبدئياً من كل من النظام السوري وروسيا وإيران.
على صعيد آخر، كشفت مصادر عسكرية تركية أن المعارك العنيفة التي تشهدها إدلب في الآونة الأخيرة، وتقدم النظام السوري في بعض البلدات بدعم من روسيا وإيران، لن تؤثر على وجود نقاط المراقبة العسكرية التركية في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وأن تركيا لن تسحب قواتها من النقاط الاثنتي عشرة، التي تعرّض بعضها لهجمات في الأشهر الماضية أدت إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود الأتراك. وحسبما نقلت وسائل إعلام تركية عن المصادر تم التأكيد لوفد من أهالي المنطقة، أن تركيا لن تسحب جنودها من أيٍّ من نقاط المراقبة وستتعامل مع أي محاولة لمحاصرة نقطة المراقبة في مورك بريف حماة الشمالي بعد سيطرة النظام على خان شيخون وقرى أخرى في المنطقة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.