معرض جديد في واشنطن يدور حول قرن من الفنون والتشريد

لوحة تعبر عن طوفان المهاجرين النازحين الأبرياء
لوحة تعبر عن طوفان المهاجرين النازحين الأبرياء
TT

معرض جديد في واشنطن يدور حول قرن من الفنون والتشريد

لوحة تعبر عن طوفان المهاجرين النازحين الأبرياء
لوحة تعبر عن طوفان المهاجرين النازحين الأبرياء

كتبت هانا أرندت في عام 1943: «في أول الأمر، نحن نكره كلمة لاجئين»، إذ كانت في نيويورك في ذلك الوقت. وقبل ذلك بعشر سنوات، كانت الفيلسوفة الألمانية قد فرت هاربة من بلادها الأصلية من دون أوراق ثبوتية. وفي باريس اعتبروها مهاجرة غير شرعية، ثم تم إرسالها مع اليهود إلى أحد معسكرات الاعتقال، الذي فرت منه وتمكنت من الذهاب إلى البرتغال، ومنها إلى الولايات المتحدة.
لكن في عام 1943. كانت لا تزال عديمة الجنسية، وحاولت في مقالها الفريد للغاية بعنوان «نحن اللاجئون»، أن تصف منزلها وسط طوفان من المهاجرين النازحين الأبرياء، الأمر المؤلم للغاية لدرجة أن أولئك النازحين والفارين بحياتهم يجدون صعوبة بالغة في توصيفه والحديث عنه. وقالت في مقالها: «لم يعد الجحيم معتقداً دينياً أو تصوراً خيالياً، ولكن بات أمراً طبيعياً مثل المنازل والأحجار والأشجار. ومن الواضح ألا يرغب أحد في معرفة أن التاريخ البشري المعاصر قد أوجد صنفاً جديداً من البشر - ذلك النوع الذي يرهن في معسكرات الاعتقال بواسطة خصومهم وفي معسكرات الانتظار من قبل أصدقائهم»، حسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
واليوم، تقدر الأمم المتحدة أن هناك 25.9 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم. وهو أعلى رقم مسجل منذ واقعة السيدة هانا أرندت وفرار أعداد لا تحصى من اللاجئين من منازلهم خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا الرقم هو ضعف العدد الإجمالي لعام 2012.
وربما يتعدى حالات النزوح الضخمة التي يتعرض لها مواطنو فنزويلا في الآونة الأخيرة. وأكثر من نصف اللاجئين من الأطفال. فإن أضفنا عدد الأشخاص المجبرين على ترك منازلهم داخل بلادهم، فإن العدد الإجمالي سوف يرتفع إلى نحو 70 مليون شخص.
وكانت الكوارث التي تلازمهم تثير الرعب، ونوازع الإحسان، ووعود تغيير القوانين التي لا يعبأ بها أحد. ففي 25 يوليو (تموز) الماضي انقلب زورق في البحر الأبيض المتوسط وعلى متنه 150 مهاجراً ماتوا جميعاً من دون أي اهتمام دولي يُذكر. ولا تزال السيدة هانا أرندت على حق في كلمتها: «يبدو أنه لا أحد يريد أن يعرف الحقيقة».
تلك هي الأرواح التي تسكن الآن في معرض «دفء الشموس الأخرى» المؤثر، والجذاب، والمخزي في آنٍ واحد ضمن مجموعة «فيليبس» بتاريخ 22 سبتمبر (أيلول). ويملأ المعرض متحف واشنطن بأعمال 75 فناناً، بعضهم يلاحق أزمات الهجرة والنزوح بأعماله، والآخرون يتمتعون بمزيد من وجهات النظر الشعرية عن حركة الهجرة والنزوح العالمية.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.