الأردن: نظام حكومي جديد لتمويل الأحزاب يُخيرها بين الدمج والتلاشي

TT

الأردن: نظام حكومي جديد لتمويل الأحزاب يُخيرها بين الدمج والتلاشي

خلافا للسائد طول الخمسة عشر عاما الماضية، ابتكرت الحكومة الأردنية نظاما جديدا لتمويل الأحزاب، يجبرها على الائتلاف والدمج، قسرا، بعد توزع أرقامها على 48 حزبا، لا يوجد منها في البرلمان الأردني اليوم سوى 23 عضوا يمثلون 11 حزبا، منهم 10 نواب عن حزب جبهة العمل الإسلامي، و4 عن حزب الوسط الإسلامي، والبقية يوجدون باسمهم وليس كممثلين عن أحزاب ينتمون إليها.
وتدافع الحكومة الأردنية على لسان وزيرها للشؤون السياسية موسى المعايطة، بأن النظام الجديد المرتبط بالمشاركة في الانتخابات، يوزع التمويل على دفعتين الأولى كتمويل للأحزاب المشاركة ودعم حملاتها الانتخابية، والثانية بعد فوز مرشحي الأحزاب ووجودهم تحت القبة ككتل حزبية ملتزمة ببرامجها.
ولا تعتبر الحكومة أن النظام الجديد ابتكار أردني، بل اختبرته دول ديمقراطية متقدمة، تعتبر تمويل الأحزاب أساسا في تطوير ذاتها ووجودها، على أن التمويل يجب أن يكون مستندا لمدى فاعلية الأحزاب في الحياة السياسية، لكون الأموال التي تقدمها الحكومة مال عام من جيوب دافعي الضرائب.
ولا تخفي أرقام الدراسات خشيتها من «تلاشي» الأحزاب الأردنية في حال توقف الدعم الحكومي، وكانت دراسة أجراها المعهد الهولندي للديمقراطية متعددة الأحزاب، أشارت إلى أن غالبية الأحزاب السياسية في المملكة من المرجح أن «تتلاشى» في حال توقف الدعم الحكومي غير المشروط عنها، باستثناء بعض الأحزاب السياسية القوية القادرة على استقطاب تبرعات من الأعضاء والداعمين، حيث إن هناك أحزابا تعتمد بالكامل على الدعم الحكومي الذي تعمل الحكومة على إعادة توجيه صرفه مشروطا بحجم المشاركة السياسية، على غرار الدول الديمقراطية.
مباشرة يقفز الحزب المستفيد من النظام الجديد، حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة في البلاد، ويطالب بسقوف تمويل مفتوحة، ومرتبطة بأعداد المرشحين الفائزين، في إشارة منهم إلى ضمان حصتهم المؤثرة في أي انتخابات.
ويفسر ذلك، إعلان رئيس كتلة الإصلاح الذراع النيابية للحزب عبد الله العكايلة في محاضرة للحزب، نية حزبه خوض الانتخابات المقبلة، بقوائم عابرة للدوائر الانتخابية في جميع المحافظات، وعزمهم على «التأثير» في قرار اختيار أي حكومات قادمة، نظرا لحصتهم الوازنة في مقاعد المجلس الجديد.
السهل على الحزب الإسلامي الأوسع انتشارا في البلاد، يبدو صعبا على منافسيه، فالأحزاب التي تصنف نفسها وسطية، وقريبة من التيار الرسمي، تجد صعوبة في تسجيل أي اختراق على صعيد الفوز بحصة من مقاعد المجلس، وحتى فرصة دمجها في تيارات عريضة، قد لا تأتي لها بما يمكنها من مواجهة الكتلة الحرجة للتيار الإسلامي في البرلمانات.
هنا يبدو النظام وكأنه مفصل على مقاس الحزب المعارض والذي قاطع مواسم انتخابية سابقة بسبب عورات قانون الانتخاب ذي الصوت الواحد، لكن إعلان العكايلة، شكل موقفا مسبقا في إعلان المشاركة على أساس أي قانون، في وقت تتحدث أوساط رسمية عن تفاهمات يجريها رئيس الحكومة عمر الرزاز مع قيادات من حزب جبهة العمل الإسلامي، تضمن تعديلات جوهرية على القانون الأكثر جدلا، وهو ما تعارضه مراكز قرار رسمية، مصرة على المضي بصيغة القانون الحالي صاحب القائمة النسبية المفتوحة على مستوى الدائرة الانتخابية بحدودها الواسعة.
بالنسبة لجمهور الناخبين الأردنيين فإن الترشح تحت لافتة حزبية، قد يكون سببا في التوجه لنواب مستقلين، أو الالتزام بنائب الحزب الأكبر في البلاد حزب العشيرة، في حين يسعى، حتى الحزبيون الذين ينتوون الترشح للانتخابات، إلى قواعدهم العشائرية ولا يطرحون شعاراتهم الحزبية في دعايتهم لكسب الأصوات وحشد المؤيدين. في ظاهرة أردنية جعلت من الأحزاب فزاعة للعمل السياسي، يهرب منها الجادون في السعي نحو المواقع المتقدمة في مؤسسات القرار، خصوصا بعد ممارسات كرسها قادة حزبيون اعتمدت على احتكار المناصب القيادية داخل المكاتب السياسية والتنفيذية في البناء الحزبي، وسط انتقادات ساقها نخب ومراقبون لضعف الأحزاب في إعادة إنتاج دورها وتصويب مساراتها، وقطع اتصال بعضها بالانتماء العقائدي لمنظمات ودول خارجية، انعكست تبعيتها على برامجها السياسية وشعاراتها في العمل على الساحة المحلية، وهو ما يهددها اليوم بالاختفاء.
في السياق، فشلت تعديلات قانون الأحزاب في السنوات الماضية، وهو القانون الذي طرأ عليه أكثر من 5 تعديلات بذريعة تطوير الحياة الحزبية، وبين رفع أرقام المؤسسين وخفضها كشرط لترخيص الأحزاب، بقيت أرقام الأحزاب في زيادة مطَّردة، وزاد من عددها تقديم دعم حكومي مقطوع بقيمة 50 ألف دينار (75 ألف دولار)، ما دفع البعض لتأسيس أحزاب لغايات مالية وليست سياسية، الأمر الذي يهددها اليوم أكثر في حال علقت الحكومة شرط تمويلها ببيان دفع المنتسبين لاشتراكاتهم السنوية بوصولات تفصيلية محددة الأسماء.
في الأثناء ربطت الحكومة شرط تمويلها للأحزاب بمدى كفاءة مساهماتها بالحياة السياسية، واستثمرت وزارة الشؤون البرلمانية والتنمية السياسية قرب موسم الانتخابات النيابية المقبلة العام القادم، عندما ربطت أرقام التمويل بقدرة الأحزاب على الترشح للانتخابات وقدرتها على تشكيل قائمة حزبية عابرة للدوائر الانتخابية، كما ربطت جزءا آخر من الدعم بفوز مرشحي الأحزاب تحت لافتة الكتل المتماسكة في الأداء.
تعرف الحكومة وهي تقر النظام الجديد، مدى تعثر التجربة الحزبية في المواسم الانتخابية السابقة، لكنها تريد تحفيز الأحزاب على الاندماج والتآلف، تحت عنوان تيارات وجبهات سياسية، لا أحزاب تتشابه في برامجها وأهدافها، وتضيع بين أرقامها، بعد أن وصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني واقعها بـ«الزحام الذي يعيق الحركة».
ليس سهلا إعادة إنتاج التجربة الحزبية في البلاد بعد ثلاثين عاما من الركود، وضعف الأحزاب في بناء نفسها، ونجاح الحكومات في تحييد القوى الحزبية كقوى فاعلة تقود الرأي العام، مما أسفر عن تراجع الثقة بأي شعار أو نشاط حزبي، والبحث عن بدائل للانضواء تحت شعارات العمل الجماعي.
النقد العام لا ينصب على الأحزاب نفسها، بل أيضا على الحكومات التي كرست مفهوم «حرمة» العمل الحزبي على مدى سنوات من الأحكام العرفية قبل أكثر من ثلاثين عاما، فيما يعتبر الانتماء الحزبي لطلبة الجامعات، إنذارا نهائيا للطالب ويجعله تحت طائلة الفصل من الدراسة، وهو ما ساهم في تجذير الخوف من الانتماء للأحزاب حتى تلك التي تحمل برامج وطنية، مبتعدة عن تهمة أحزاب المعارضة التي لم يتم تعريفها حتى اللحظة في البلاد.
في ربيع عام 2017 تمكنت النقابات المهنية من الاختراق والعودة للعمل السياسي، إبان زمن الأحكام العرفية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، فاستطاعت الدعوة لإضراب عام في البلاد، ضد قانون ضريبة الدخل وقتها الذي اقترحته حكومة هاني الملقي السابقة، الإضراب نجح بعد التزام مدني كبير، لكن سرعان ما اختطف الشارع الصدارة من النقابات المهنية التي فشلت في السيطرة والقيادة، ونجحت قوى شبابية مستقلة بتنفيذ سلسلة اعتصامات مسائية على الدوار الرابع وسط العاصمة عمان بمحاذاة مقر الحكومة، استطاعت خلالها إسقاط حكومة الملقي ودعوة حكومة عمر الرزاز التي أقرت قانون ضريبة دخل أكثر قساوة من قانون الملقي.
تحييد فرصة قيادة المؤسسات السياسية للعمل الجماهيري، بعد إضعاف دور مجالس النواب الحالية والمتعاقبة من خلال قوانين الانتخاب التي تتغير موسميا، وتحطيم البنى الحزبية بعد تحييد دورها وأثرها، مرة بحكم ضعف الأحزاب نفسها، ومرات عبر الإرادة الرسمية، وتراجع إثر النقابات في الصدارة، نتيجة فقدان دورها المركزي في الدفاع عن مصالح منتسبيها الذين يمثلون الطبقة الوسطى في البلاد، جعل المجتمع السياسي في البلاد مجتمعا تتقاسمه الفردية وتتراجع فيه فرص تجميع الإرادة الشعبية في التغيير الإيجابي.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.