بتخزين المواد التموينية واللجوء للمخابئ... سكان نيويورك يستعدون لمواجهة الكوارث

منزل مدمَّر بفلوريدا جراء الإعصار إرما (أرشيفية - رويترز)
منزل مدمَّر بفلوريدا جراء الإعصار إرما (أرشيفية - رويترز)
TT

بتخزين المواد التموينية واللجوء للمخابئ... سكان نيويورك يستعدون لمواجهة الكوارث

منزل مدمَّر بفلوريدا جراء الإعصار إرما (أرشيفية - رويترز)
منزل مدمَّر بفلوريدا جراء الإعصار إرما (أرشيفية - رويترز)

يحتفظ جاسون تشارلز بنحو 15 حقيبة ظهر في غرفة المعيشة بشقته الكائنة بحي هارلم بنيويورك، وتمتلئ الحقائب بمعلبات المواد الغذائية، بينما يضع داخل خزانة صندوقاً من عبوات معكرونة النودلز المخلوطة باللحوم والخضراوات، ويقول إن لديه ما يكفي من المواد التموينية التي تكفيه لمدة ثمانية أشهر تقريباً.
غير أنه بغضّ النظر عن هذا المخزون الكبير، هناك علامات قليلة في منزل تشارلز -وهو رجل إطفاء يبلغ من العمر 41 عاماً وعاش طيلة حياته في نيويورك- تشير إلى أنه قائد مجموعة على الإنترنت يطلق عليها «المستعدون»، وهم الأشخاص الذين يقضون وقت فراغهم في الاستعداد تحسباً لاضطرارهم إلى اللجوء إلى مخبأ تحت الأرض أو الهرب من كارثة وشيكة.
ومن الشائع أن تلتفت الأنظار إلى شريحة المليونيرات أو المشاهير التي تشتري مخابئ فاخرة في مواقع سرية تحت الأرض، ومع ذلك نجد أيضاً مجموعات من المواطنين العاديين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، يخططون تحسباً لوقوع حالات مختلفة من الطوارئ.
وقال تشارلز من منزله في هارلم، لوكالة الأنباء الألمانية، إن الاستعداد لوقوع حالات من الطوارئ، يتطلب تحسين اللياقة البدنية والتخطيط لطريق يمكن الهروب منه في حالة الحاجة إلى مغادرة المدينة، ثم التأكد من أن يكون المرء مستعداً ذهنياً في حالة الحاجة إلى الاندفاع هرباً.
ويضيف أنه يجب على المرء أيضاً أن يتعلم «المهارات المناسبة للبقاء على قيد الحياة في حالة خروجه من منزله بالمدينة إلى العراء، مثل كيفية الاختفاء وسط غابة، وكيفية بناء مأوى له وإعداد مكان للطهي وتنقية المياه بغرض الشرب».
ويوضح تشارلز أن الأمر يتعلق أيضاً بالقدرة على التعامل مع الظروف غير المتوقعة، وهي مسألة صعبة بالنسبة إلى سكان مدينة حافلة بوسائل الراحة مثل نيويورك.
وينظم تشارلز فعاليات حول موضوعات مثل كيفية إعداد المنزل تحسباً لوقوع كارثة، وكذلك مهارات تحمل الصدمات النفسية، وتنظيم رحلات إلى ضواحي نيويورك البعيدة لاختبار قدرات التعامل مع الكوارث، يُحضر المشتركون فيها معهم كميات محدودة من الأغراض والتصرف في كيفية تمضية الليلة.
وفي هذا السياق تُبدي إنشيرا أوفرتون، اهتماماً بالغاً بما تطلق عليه «الحياة الريفية الحضرية»، وهي تعني بذلك اقتباس الأسلوب الشائع في المناطق الريفية حيث تحقق العائلات الاكتفاء الذاتي من الأطعمة وغيرها، كما تركز على الاعتبارات البيئية والصحية ومعرفة مكونات المنتجات التي يستهلكها الفرد.
وتمارس أوفرتون (39 عاماً) مهنة «المحاماة نهاراً وتتحول إلى نشاط الاستعداد ليلاً»، وبدأت ممارسة نشاط الاستعداد للكوارث عام 2008 عندما حدثت الأزمة المالية العالمية، وقتها توقفت شركتها عن تشغيل الموظفين وقررت ألا «تعتمد على النظام المؤسسي».
من ناحية أخرى، يرى جيفري شيلجميلش نائب مدير «المركز الوطني للاستعداد للكوارث» بجامعة كولومبيا، أنه لا يوجد أي برهان يؤكد فائدة عبوات المواد المخزّنة تحسباً للكوارث كما لا توجد قائمة بما يجب أن تحتويها.
ويقول: «لكن يوجد دليل على فائدة الروابط الاجتماعية وعلى (مساعدة الجيران بعضهم بعضاً)، كما أن الانعزال بنفسك ومواردك يمكن أن يسبب فقدانك لهذه الروابط».
ويضيف: «قد يكون بحوزتك أكبر مخزون من مواد الإعاشة على ظهر الأرض، ومع ذلك تفتقد ما هو أكثر أهمية وهو التواصل مع الأشخاص الذين يمكنك أن تعمل معهم في أثناء عملية تجنب الكارثة».
وليس من الواضح عدد الأميركيين الذين يقومون باستعدادات لاحتمال حدوث كوارث، غير أن هناك زيادة في حالات الاستعداد وفقا لماً يقوله شيلجميلش.
وتم تأسيس «المركز الوطني للاستعداد للكوارث» في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية التي شهدتها نيويورك، ولكن بعد أن ضرب إعصار كاترينا مدينة نيو أورليانز عام 2005 حدث تحول وصار هناك تركيز على الكوارث المناخية باعتبارها التهديد الأساسي.
ويشير شيلجميلش إلى أن طبيعة الكارثة لا تغير من طريقة الاستعداد لها، حيث قد يتعرض الشخص للاحتجاز داخل منزله ويحتاج إلى إمدادات، أو قد يحتاج إلى طريق للهروب.
ولا يشير أيٌّ من أوفرتون أو تشارلز إلى نوع معين من الكوارث يستعدان لاحتمال وقوعه، لكنهما يريان أمثلة حقيقية له من مختلف أنحاء العالم، مثل الافتقار إلى الدعم الحكومي لضحايا الإعصار الذي ضرب بورتو ريكو والانهيار الاقتصادي في فنزويلا.
وتوضح آنا باوندز أستاذة علم الاجتماع بكلية كوينز بنيويورك والدارسة لظاهرة الاستعداد بالمدن لحالات الكوارث، أن هناك فارقاً مهماً بين الاستعداد للكوارث القائم على «الواقع» والاستعداد للغد، وبين أصحاب فرقة «الناجين» الذين يركزون على الاعتقاد الديني، وكل اهتمامهم ينصبّ على الاستعداد ليوم القيامة.
وشهد سكان نيويورك عدة كوارث مثل هجمات سبتمبر الإرهابية، أو انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء المدينة عام 2003، أو تعرضهم لإعصار ساندي عام 2012، وفي هذا الصدد تقول باوندز إن كثيراً من السكان لم يعرفوا وقتها كيف يتصرفون.
وتضيف باوندز: «إننا من سكان المدن، ونعيش في عالم من الاستهلاك الترفي، ومن هنا فإن التركيز على الاستعداد يعد أمراً معاكساً ومختلفاً، إنه يدور حول فكرة الحد من الاعتياد على الحياة المرفهة».



«من القلب إلى اليدين»... معرض يطير من ميلانو إلى باريس

حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
TT

«من القلب إلى اليدين»... معرض يطير من ميلانو إلى باريس

حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)

للمرّة الأولى، تجتمع في باريس، وفي مكان واحد، 200 قطعة من تصاميم الإيطاليَيْن دومنيكو دولتشي وستيفانو غبانا، الشريكَيْن اللذين نالت أزياؤهما إعجاباً عالمياً لعقود. إنه معرض «من القلب إلى اليدين» الذي يستضيفه القصر الكبير من 10 يناير (كانون الثاني) حتى نهاية مارس (آذار) 2025.

تطريز فوق تطريز (إعلانات المعرض)

وإذا كانت الموضة الإيطالية، وتلك التي تنتجها ميلانو بالتحديد، لا تحتاج إلى شهادة، فإنّ هذا المعرض يقدّم للزوار المحطّات التي سلكتها المسيرة الجمالية والإبداعية لهذين الخيّاطَيْن الموهوبَيْن اللذين جمعا اسميهما تحت توقيع واحد. ونظراً إلى ضخامته، خصَّص القصر الكبير للمعرض 10 صالات فسيحة على مساحة 1200 متر مربّع. وهو ليس مجرّد استعراض لفساتين سبقت رؤيتها على المنصات في مواسم عروض الأزياء الراقية، وإنما وقفة عند الثقافة الإيطالية واسترجاع لتاريخ الموضة في ذلك البلد، وللعناصر التي غذّت مخيّلة دولتشي وغبانا، مثل الفنون التشكيلية والموسيقى والسينما والمسرح والأوبرا والباليه والعمارة والحرف الشعبية والتقاليد المحلّية الفولكلورية. هذه كلّها رفدت إبداع الثنائي ومعها تلك البصمة الخاصة المُسمّاة «الدولتشي فيتا»، أي العيشة الناعمة الرخية. ويمكن القول إنّ المعرض هو رسالة حبّ إلى الثقافة الإيطالية مكتوبة بالخيط والإبرة.

للحفلات الخاصة (إعلانات المعرض)

عروس ميلانو (إعلانات المعرض)

هذا المعرض الذي بدأ مسيرته من مدينة ميلانو الساحرة، يقدّم، أيضاً، أعمالاً غير معروضة لعدد من التشكيليين الإيطاليين المعاصرين، في حوار صامت بين الفنّ والموضة، أي بين خامة اللوحة وخامة القماش. إنها دعوة للجمهور لاقتحام عالم من الجمال والألوان، والمُشاركة في اكتشاف المنابع التي استمدَّ منها المصمّمان أفكارهما. دعوةٌ تتبع مراحل عملية خروج الزيّ إلى منصات العرض؛ ومنها إلى أجساد الأنيقات، من لحظة اختيار القماش، حتى تفصيله وتزيينه بالتطريزات وباقي اللمسات الأخيرة. كما أنها مغامرة تسمح للزائر بالغوص في تفاصيل المهارات الإيطالية في الخياطة؛ تلك التجربة التي تراكمت جيلاً بعد جيل، وشكَّلت خزيناً يسند كل إبداع جديد. هذه هي باختصار قيمة «فيتو آمانو»، التي تعني مصنوعاً باليد.

دنيا من بياض (إعلانات المعرض)

رسمت تفاصيل المعرض مؤرّخة الموضة فلورنس مولر. فقد رأت في الثنائي رمزاً للثقافة الإيطالية. بدأت علاقة الصديقين دولتشي وغبانا في ثمانينات القرن الماضي. الأول من صقلية والثاني من ميلانو. شابان طموحان يعملان معاً لحساب المصمّم كوريجياري، إذ شمل دولتشي صديقه غبانا برعايته وعلّمه كيف يرسم التصاميم، وكذلك مبادئ مهنة صناعة الأزياء وخفاياها؛ إذ وُلد دولتشي في حضن الأقمشة والمقصات والخيوط، وكان أبوه خياطاً وأمه تبيع الأقمشة. وهو قد تكمَّن من خياطة أول قطعة له في السادسة من العمر. أما غبانا، ابن ميلانو، فلم يهتم بالأزياء إلا في سنّ المراهقة. وقد اعتاد القول إنّ فساتين الدمى هي التي علّمته كل ما تجب معرفته عن الموضة.

الخلفية الذهبية تسحر العين (إعلانات المعرض)

الأحمر الملوكي (إعلانات المعرض)

عام 1983، ولدت العلامة التجارية «دولتشي وغبانا»؛ وقد كانت في البداية مكتباً للاستشارات في شؤون تصميم الثياب. ثم قدَّم الثنائي أول مجموعة لهما من الأزياء في ربيع 1986 بعنوان «هندسة». ومثل كل بداية، فإنهما كانا شبه مفلسين، جمعا القماش من هنا وهناك وجاءا بعارضات من الصديقات اللواتي استخدمن حليهنّ الخاصة على منصة العرض. أما ستارة المسرح، فكانت شرشفاً من شقة دولتشي. ومع حلول الشتاء، قدَّما مجموعتهما التالية بعنوان «امرأة حقيقية»، فشكَّلت منعطفاً في مسيرة الدار. لقد أثارت إعجاب المستثمرين ونقاد الموضة. كانت ثياباً تستلهم الثقافة الإيطالية بشكل واضح، وكذلك تأثُّر المصمّمين بالسينما، لا سيما فيلم «الفهد» للمخرج لوتشينو فيسكونتي. كما أثارت مخيّلة الثنائي نجمات الشاشة يومذاك، مثيلات صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي. وكان من الخامات المفضّلة لهما الحرير والدانتيل. وهو اختيار لم يتغيّر خلال السنوات الـ40 الماضية. والهدف أزياء تجمع بين الفخامة والحسّية، وأيضاً الدعابة والجرأة والمبالغة.

جمال الأزهار المطرَّزة (إعلانات المعرض)

اجتمعت هذه القطع للمرّة الأولى في قصر «بالازو ريالي» في ميلانو. ومن هناك تنتقل إلى باريس لتُعرض في واحد من أبهى قصورها التاريخية. إنه القصر الكبير الواقع على بُعد خطوات من «الشانزليزيه»، المُشيَّد عام 1897 ليستقبل المعرض الكوني لعام 1900. وعلى مدى أكثر من 100 عام، أدّى هذا القصر دوره في استضافة الأحداث الفنية الكبرى التي تُتقن العاصمة الفرنسية تقديمها.