التسوية الرئاسية في أخطر مراحلها: إقرار باهتزازها ولا اعتراف بسقوطها

TT

التسوية الرئاسية في أخطر مراحلها: إقرار باهتزازها ولا اعتراف بسقوطها

تتعرض التسوية الرئاسية التي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لهزّة هي الأكثر خطورة على مصيرها منذ عام 2016 باعتراف الأطراف المعنية الرئيسية، مع إصرار على عدم الإقرار بسقوطها رغم كل المعطيات التي تشير إلى هذا الواقع.
ومنذ انتخاب رئيس الجمهورية قبل ثلاث سنوات ضربت التسوية التي كانت نتيجة توافق بشكل أساسي بين عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، هزات كثيرة، بدأت بالانتخابات النيابية مروراً بتشكيل الحكومة، ووصلت إلى ذروتها في الفترة الأخيرة عبر تعطيل عمل الحكومة انطلاقاً من الخلاف حول تحويل حادثة الجبل إلى المجلس العدلي، وهو الأمر الذي يطالب به «الحزب الديمقراطي اللبناني» وحلفاؤه ويرفضه الحريري و«الحزب التقدمي الاشتراكي» بزعامة وليد جنبلاط، من دون إغفال حرب الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على خلفية طلب الرئيس عون من الحريري الدعوة إلى جلسة في أسرع وقت، وهو ما ردت عليه الأخيرة بتأكيد أن رئيس الحريري يدرك صلاحياته تماماً.
كانت حادثة الجبل قد وقعت نهاية الشهر الماضي بين «الحزب الديمقراطي اللبناني» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» وأدت إلى مقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب. ويكاد يُجمع المسؤولون اللبنانيون على خطورة الأزمة التي يمر بها لبنان والتي من شأنها أن تضرب بالتسوية الرئاسية عرض الحائط، وهو ما عبّر عنه صراحة رئيس البرلمان نبيه بري، أمس، بقوله: «نمرّ بفترة خطيرة جداً نأمل أن نتجاوزها قريباً»، مؤكداً أنه «لا استثمار ولا نهوض بالاقتصاد دون الاستقرار السياسي والأمني»، بينما اكتفى رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد، بالقول: «نحتاج إلى الدعاء» في ردّ منه على سؤال بعد لقائه بري، عما إذا كانت الأمور تتجه إلى الحلحلة.
ويقرّ كل من مستشار رئيس الحكومة عمار حوري، ومصادر وزارية في «التيار الوطني الحر»، بأن التسوية الرئاسية ليست بخير وهي تحتاج إلى إعادة الترميم، لكنهما يرفضان القول بأنها سقطت. وتعتبر المصادر أنه «ما دام أي طرف من الأطراف المعنية بالتسوية لم يعلن خروجه منها أو رفضه لها فهي لا تزال قائمة».
في المقابل تربط مصادر وزارية أخرى ما يحصل اليوم في لبنان بالحركة الإقليمية وتحديداً الإيرانية – الأميركية، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الجو التصعيدي السائد اليوم يشير إلى أننا مقبلون على مرحلة أسوأ في غياب أي مؤشرات للحلحلة بل قد تكون المرحلة المقبلة أكثر خطورة بانتظار ما سيؤول إليه التوتر الإيراني – الأميركي».
ولا ينفي حوري أن الأزمة السياسية اليوم هي الأخطر منذ التسوية الرئاسية، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا أقررنا بسقوط التسوية يعني دخلنا في أزمة أكبر بل حتى في المجهول». ويؤكد: «التسوية لم تسقط ولكن تشوبها شوائب كثيرة، لذا فإن ترميمها لا يزال ممكناً بالعودة إلى المؤسسات واحترام الدستور واتفاق الطائف». ومع رفضه الدخول في تفاصيل أكثر حول الجهة التي يعتبر أنها تخرج عن الدستور و«الطائف» يكتفي بالقول: «لا شك أن الأزمة معقدة وهي الأخطر منذ التسوية الرئاسية وإنقاذها يحتاج إلى تضافر الجهود».
المصادر الوزارية في «التيار» تقول في المقابل، إنه «لا شك أن التسوية ليست مرتاحة وهي تهتز لكنها لم تسقط»، وشددت على أنها «تسقط عندما يعلن أحد أطرافها الخروج منها، لكن لغاية الآن لم يقم أي منهما بهذه الخطوة، وبالتالي ستبقى مستمرة ما داما متمسكين بها». وتضيف المصادر: «لا شك أن هناك بعض الخلافات إضافةً إلى بعض سوء تفسير لبعض الأمور لكن كل ذلك يبقى تحت سقف معيّن، ما دمنا لم نرَ أي وزير قدّم استقالته أو نواباً طلبوا حجب الثقة عن الحكومة وغيرها من الخطوات العملية التي من شأنها أن تعني سقوط هذه التسوية».
كذلك تعتبر المصادر الوزارية أن الخطوة الأولى لترميم هذه التسوية تكمن في إعادة تفعيلها وتأكيد التفاهمات التي بُنيت عليها، وتقول: «هي لا تزال موجودة ولكنها غير فاعلة وبالتالي المطلوب تحريك المؤسسات التي انبثقت عنها وعلى رأسها مجلس الوزراء، وفي المرحلة التالية قد تتم الدعوة للقاء موسّع أو لقاءات فردية تعيد تصحيح كل الشوائب التي أصابتها».
وقال رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، أمس، إن «الخلافات التي تحصل اليوم مصطنعة وتهدف إلى الشعبوية، الأمر الذي يؤدي إلى إسقاط لبنان في حفرة كبيرة»، فيما كانت لافتة دعوة «حزب الكتائب» على لسان رئيس الجمهورية السابق أول من أمس، إلى إعادة النظر في التسوية الرئاسية «بعدما أثبتت فشلها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.