على غير عادتها في مثل هذه الأيام، تبدو المفوّضية الأوروبية مثل خليّة نحل يعمل معظم أجهزتها حتى ساعات متأخرة من الليل، بما في ذلك خلال نهاية الأسبوع، استعداداً لموعدَين كبيرَين كانت تتمنّى ألا يتزامنا، خصوصاً في مثل هذه المرحلة المضطربة: عملية الانتقال الداخلية الواسعة، وخروج بريطانيا من الاتحاد في ظل حكومة بوريس جونسون.
ويعترف دبلوماسيون أوروبيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» بأن «بروكسل»؛ «اضطرت لإعادة النظر في استراتيجيتها بشأن خروج بريطانيا»، بعد أن كانت جميع الدول الأعضاء، باستثناء فرنسا، تراهن على إطالة عملية الخروج بانتظار أن تحسم بريطانيا انقساماتها السياسية العميقة حول الموضوع. لكن، يقول الدبلوماسيون، بات من المؤكد في بروكسل أن الخروج سيتمّ من غير اتفاق في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد وصول بوريس جونسون إلى «10 داونينغ ستريت».
الاتحاد الأوروبي ما زال يؤكد في مواقفه الرسمية المعلنة أنه مستعدّ لمثل هذا الخروج، وإن كان لا يرغب فيه. لكن مصادر دبلوماسية أوروبية تقول إن الجدول الزمني ليس في مصلحة الاتحاد الذي يقف على أبواب تجديد القيادات في مؤسساته بعد مخاض سياسي عسير، وتلمّح إلى «تمديد تقني» يتيح لجونسون الوفاء بوعده مغادرة الاتحاد على طريقته الصدامية، لكن بعد أسابيع من الموعد المحدد في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتقول الأوساط الدبلوماسية إن هذه الفكرة لم تتخذ بعد شكل الاقتراح الرسمي، لكنها تُناقَش في الاجتماعات الدورية التي يعقدها ممثلو الدول الأعضاء، بحضور بريطانيا التي أبدت تجاوباً لدراستها.
يعتقد بعض الجهات الأوروبية، خصوصاً فرنسا، أن مثل هذا الاقتراح قد يوحي بأن بروكسل تخشى أكثر من لندن تداعيات الخروج من غير اتفاق. لكن مصادر المفوّضية تقول إن العكس هو الصحيح، وتضيف أن «الهدف هو القبول بمواجهة التحدي البريطاني للخروج من غير اتفاق، لكن بعد فترة قصيرة من الموعد المحدد لإتمام بعض التحضيرات الأخيرة لما فيه مصلحة الطرفين». وتضيف هذه المصادر أن مثل هذا التمديد قد يتناسب مع احتمال إجراء انتخابات مسبقة في المملكة المتحدة؛ الأمر الذي تراهن عليه بروكسل بقوّة في حال رفض البرلمان البريطاني خطة جونسون وأسقط حكومته.
ويرى خبراء دبلوماسيون في المفوضية أن هذا «التمديد التقني» من شأنه أن يساعد الاتحاد على تجاوز المرحلة الحساسة التي تنتظره مع تغيير قيادات مؤسساته الرئيسية التي تنتهي ولايتها في اليوم نفسه المحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد، ويشيرون إلى أن 1 نوفمبر يصادف يوم جمعة وعطلة في كثير من البلدان الأعضاء، لكن ليس بالنسبة لأسواق البورصة، مما يزيد من خطورة تداعيات الخروج من غير اتفاق.
ومن الأمور الأخرى التي تثير قلق الأوساط الدبلوماسية في بروكسل، أن الفريق الذي فاوض البريطانيين على اتفاق الخروج قد انتهت ولايته، رغم أن كبير المفاوضين الفرنسي ميشال بارنييه قد أعرب عن استعداده لمعاودة الاتصالات مع لندن عند الاقتضاء والبحث في أي اقتراح تتقدم به الحكومة البريطانية الجديدة «شريطة ألا يتعارض مع الاتفاق الراهن للخروج». لكن هذه الأوساط تحذّر من أن الفريق المفاوض «خسر» اثنين من ركائزه الأساسية: سابين ويان الساعد الأيمن لبارنييه والمفاوضة الرئيسية في أصعب المراحل، ومارتن سلماير الأمين العام للمفوضية الذي لعب دوراً أساسياً في المفاوضات وكان وراء معظم القرارات الحاسمة، مثل اختيار بارنييه لرئاسة الوفد التفاوضي، أو الموافقة على إعطاء تيريزا ماي مهلتين إضافيتين لإنجاز اتفاق الخروج.
ولا تخفي أوساط «بروكسل» خشيتها من أن يؤدي تغيير الفريق المفاوض إلى إضعاف الموقف الأوروبي في حال العودة إلى طاولة المفاوضات لتعديل الاتفاق كما طلب جونسون من رئيس المفوضية جان كلود يونكر والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل في مكالمات هاتفية أجراها معهما يوم الخميس الماضي. وكان جونسون، كما كشفت المصادر البريطانية يومها، قد شدّد على أن الحل يقتضي تعديل بنود الاتفاق حول الحدود بين جمهورية آيرلندا وإقليم آيرلندا الشمالية التابع للمملكة المتحدة، أو إلغاءها.
يُذكر أن جونسون كان قد أعلن فور تسلّمه منصب رئاسة الحكومة أن أولويته هي الخروج من الاتحاد الأوروبي في نهاية أكتوبر المقبل؛ «وإلا سيتعرّض النظام السياسي البريطاني لأزمة ثقة خطيرة»، كما سبق له أن استبعد رفض الاتحاد الأوروبي العودة إلى التفاوض حول الاتفاق الموقّع في نوفمبر الماضي، ثم هدّد بأنه في حال امتناع «بروكسل» عن معاودة المفاوضات، فستخرج بريطانيا من غير اتفاق ويخصّص المبلغ المتفق عليه (45 مليار يورو) للحد من تداعيات الخروج على الاقتصاد البريطاني.
مثل هذا السيناريو يثير قلقاً عميقاً لدى آيرلندا، بوصفها الدولة التي ستتأثر أكثر من غيرها جراء الخروج البريطاني من غير اتفاق. وتقدّر المفوضية الأوروبية بأنه سيكلّف آيرلندا 3 في المائة من إجمالي الناتج القومي في العام الأول، وستكون له تداعيات كبيرة على قطاعات مثل الصناعات الغذائية والسياحة، مع فقدان نحو 50 ألف فرصة عمل.
الاتحاد الأوروبي يراهن على انتخابات مبكرة في بريطانيا
مخاوف من إضعاف موقف بروكسل بعد تغيير الفريق المفاوض
الاتحاد الأوروبي يراهن على انتخابات مبكرة في بريطانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة