التوريث السياسي يطرق أبواب رئاسة الجمهورية

TT

التوريث السياسي يطرق أبواب رئاسة الجمهورية

لم يعد تداول السلطة علامة فارقة التي تميّز لبنان، بقدر ما بات مستنسخاً عن بلدان أخرى، بعدما أرسى زعماؤه ثقافة التوريث السياسي، وبات كلّ منهم يهيئ الأرضية لتوريث نجله أو زوجته أو أحد المقرّبين منه، وهذا ما بدأ يثير غضب بعض الفئات حيال عجز المجتمع اللبناني عن إنتاج نخب جديدة قادرة على قيادة البلاد.
اعتادت الزعامات السياسية تاريخياً توريث أبنائها أو أحد أقاربها رئاسة الأحزاب التي تتولى قيادتها، أو المناصب النيابية والوزارية التي تشغلها، لكنّ التطوّر الجديد يكمن فيما يحكى عن توريث في رئاسة الجمهورية، وهذا ما يستشفّ بقوة من تحركات وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يتهمه خصومه بالسعي لخلافة والد زوجته العماد ميشال عون في الرئاسة الأولى، وهذا ما جاهر به عون في مستهلّ السنة الثانية من عهده، عندما سئل عمّا إذا كانت لديه رغبة بتمديد ولايته، فأجاب: «أنا لا أسعى أبدا إلى التمديد، إنما أسعى إلى وراثة سياسية جيدة»، واستتبع عون هذا الكلام بموقف أشدّ وضوحاً عندما أعلن أن «باسيل يتعرّض لحملة سياسية لأنه يتصدّر السباق إلى رئاسة الجمهورية».
وثمة أسباب جوهرية تحول دون خروج لبنان من دوامة التوريث، إذ أشار الوزير السابق رشيد درباس إلى أن «معظم الأحزاب اللبنانية نشأت على طروحات وشعارات تحديثية كانت أكبر من إمكاناتها، وسرعان ما اصطدمت طموحاتها بالواقع، فغرقت بين الإفراط في التوقّعات وصعوبة التطبيق، ما جعل الجميع يرتدّون إلى مناطقهم وطوائفهم وعائلاتهم». وأكد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل المناطق بات لها إقطاعيون سياسيون، وكذلك الطوائف باتت لها مرجعياتها، فأصبحت هي من تنتج القيادات». وقال: «يكفي الزعيم أن يكون له ولدٌ فيرث زعامته، رغم أن الزعامات السابقة كانت أكثر وعياً وخبرة وفهماً لواقع لبنان».
ولا تزال ظاهرة التوريث سمة العائلات السياسية اللبنانية، فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورّث الزعامة لنجله تيمور بعد أن ورثها عن والده كمال جنبلاط، وسعد الحريري ورث الزعامة السنية عن والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بعد اغتيال الأخير في عام 2005، والرئيس السابق أمين الجميل ورّث رئاسة حزب «الكتائب» لنجله النائب سامي الجميل بعد أن ورثها عن والده بيار الجميل وشقيقه الرئيس الراحل بشير الجميل، أما النائب ميشال معوض فورث الموقع السياسي عن والده الرئيس الراحل رينيه معوّض ووالدته نايلة معوض، كذلك ورث النائب طوني فرنجية المقعد النيابي عن والده سليمان فرنجية، وهذا الحال ينسحب على عائلات لبنانية متعددة، مثل كرامي، وأرسلان، وسعد، والبزري، وسكاف، والمرعبي، وغيرها.
وعزا درباس التوريث القائم إلى «غياب الأحزاب التحديثية، وهو ما جعل الأحزاب القائمة ذات طابع ديني وطائفي ومذهبي»، مشيراً إلى أن «(حزب الله) بما يملك من قدرة سياسية وعسكرية ومالية هائلة، أصبح صاحب بيئة طائفية بحتة»، مؤكداً أنه «في ظلّ الظروف الحالية لا أمل في التطوير والإقلاع عن التوريث إلا إذا حسم الصراع الإقليمي إذ قد نشهد إنتاج قيادات تغيّر الوضع القائم حالياً». وعن سابقة محاولة توريث الرئيس عون لصهره الوزير جبران باسيل، أجاب درباس: «لا أظنّ أن الرئيس عون يفعلها، وإذا قبل عون بذلك فإن الشعب اللبناني لن يقبل».
الإمعان في التوريث السياسي بات موضع تذمّر كثير من الشخصيات السياسية، فقد أدان لقاء «البيت اللبناني» «محاولات تحويل لبنان إلى جمهورية وراثية أو توريثية، وترسيخ ثقافة التوريث السياسي». معتبراً أن الوراثة السياسية هي أحد أبرز معالم الفساد ومسبباته في النظام السياسي. وذكّر «البيت اللبناني» في بيان، بأن «لبنان دولة ديمقراطية وليس أملاكاً شخصية أو عائلية ليتم توريثها إلى الأقرباء والأبناء والبنات والزوجات».
من جهته، رأى السياسي اللبناني توفيق الهندي، أن «التوريث السياسي في لبنان آفة قديمة هي نتاج البنية السياسية للمجتمع اللبناني». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لم يسبق لرئيس جمهورية أن ورّث ابنه، حتى أهم الرؤساء الذين مرّوا بتاريخ لبنان، بدءاً من بشارة الخوري وفؤاد شهاب وكميل شمعون وسليمان فرنجية، لم يفعلوها، لكن يمكن القول إن الرئيس أمين الجميل ورث شقيقه بشير الجميل بعد اغتيال الأخير في شهر سبتمبر (أيلول) 1982».
وللمرّة الأولى فتحت في لبنان معركة الانتخابات الرئاسية، في الثلث الأول من ولاية الرئيس ميشال عون، وكشف الهندي أن «هناك مساعي حثيثة لتوريث الوزير جبران باسيل رئاسة الجمهورية من الرئيس ميشال عون». وقال: «الظاهرة الجديدة مع جبران باسيل، أنه يسعى لوراثة رئيس لا يزال على قيد الحياة، ولا يزال في النصف الأول من ولايته الرئاسية»، معتبراً أن «الخطورة تكمن في أن (حزب الله) هو من يستعجل هذا التوريث لأسباب عدة، أهمها أن يحافظ على قوة التنظيم المسيحي الحليف له (التيار الوطني الحرّ)، لأنه إن لم يأت جبران باسيل رئيساً فإن هذا التيار سيضمر ويتراجع دوره بعد الرئيس عون».
ويرى الهندي أن «ثمة أمرين سيحكمان تسريع التوريث الرئاسي: الأول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع البرلمان الحالي الذي يملك (حزب الله) الأكثرية فيه، وهذا ما قد يضطر عون إلى الاستقالة قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي، لتهيئة الأرضية لانتخاب باسيل، والثاني تحسب الحزب لتطورات خطيرة على مستوى المنطقة قد يصبح فيها ضعيفاً، وتؤدي إلى تغيير في موازين القوى».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.