جدل في دمشق بشأن المستفيد الحقيقي من ضرب أميركا لـ«داعش».. الأسد أم المعارضة

الحديث عن الضربات يأتي في وقت واجه فيه النظام انتقادات غير مسبوقة من مواليه

جدل في دمشق بشأن المستفيد الحقيقي من ضرب أميركا لـ«داعش».. الأسد أم المعارضة
TT

جدل في دمشق بشأن المستفيد الحقيقي من ضرب أميركا لـ«داعش».. الأسد أم المعارضة

جدل في دمشق بشأن المستفيد الحقيقي من ضرب أميركا لـ«داعش».. الأسد أم المعارضة

ساءت حظوظ الرئيس بشار الأسد على مدار الشهرين الماضيين بسبب الهزائم الميدانية وظهور بوادر جديدة للشكوك بين قاعدته السياسية، في حين تستمر الحرب الأهلية في سوريا دون أن تلوح نهايتها في الأفق.
ولكن في الوقت الحالي، يعتقد الأسد ودائرة مقربيه أنهم حصلوا على مهلة - سياسية على الأقل - بإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه قد يشن ضربات في سوريا ضد تنظيم «داعش»، وفقا لمحللين وأصدقاء الحكومة السورية الذين يقولون إنهم على اتصال مع المسؤولين في دمشق.
ويقول هؤلاء الأشخاص إنه بالنسبة للأسد ومستشاريه المقربين يمثل القرار الأميركي انتصارا لاستراتيجيته القديمة: بالتخلص من أي معارضة معتدلة تواجه حكمه، وإقناع العالم بأنه يواجه خيارا واضحا بينه وبين المسلحين الإسلاميين الذين يهددون الغرب.
ولكن هناك أيضا مخاوف في دمشق من أن الغارات الجوية الأميركية المحتملة في سوريا، التي سوف تكون جزءا من حملة تصعيد ضد «داعش»، تحمل مخاطر جديدة. ويوضح محللون موالون للحكومة إن المسؤولين السوريين غير واثقين ممن سيستفيد عسكريا - سواء قوات الحكومة أم الثوار السوريين والأكراد الانفصاليين، الذين يخوضون أيضا اشتباكات مع مقاتلي «داعش».
لا يبدو أن أيا من الجيش السوري أو الجماعات التي تحظى بدعم غربي من الثوار السوريين قادر على تحقيق استفادة مباشرة من إضعاف «داعش» في أقوى معاقلها في المحافظتين الشرقيتين المتاخمتين للحدود مع العراق: الرقة ودير الزور.
يملك الجيش السوري فرصة ضئيلة لاستعادة الأراضي التي فقدها مؤخرا هناك، ويبدو أنه تخلى تقريبا عن الشرق، وفقا لما صرح به أمين حطيط، العميد اللبناني المتقاعد المقرب من مسؤولين سوريين، الذي تقابل مع بعض منهم في دمشق الشهر الماضي.
يقول أوباما إن المساعدات الجديدة التي ستقدم للثوار السوريين، وتعدهم الإدارة الأميركية معتدلين نسبيا، سوف تسمح لهم بالعمل كقوة برية ضد «داعش»؛ واستبعد إرسال قوات أميركية. ولكن سوف تستغرق عمليات تسليح وتدريب الثوار فترة، وليس من الواضح ما إذا كانوا سيحققون نجاحا أكبر من المحاولات الماضية التي فشلت في تكوين قوة فعالة موحدة.
صرح يزيد صايغ، المحلل العسكري في مركز كارنيغي لـ«الشرق الأوسط» في بيروت، بأن ذلك جعل من غير المرجح أن تشن الولايات المتحدة في فترة قريبة أكبر من غارات جوية منتقاة محدودة ودقيقة ضد «داعش»، مثل الغارات التي تستهدف قوافل الصحراء. وقد انخرط مقاتلو التنظيم في الرقة مع السكان مؤخرا، فيما يزيد من خطورة تسبب الغارات في قتل مدنيين، وربما يؤدي ذلك إلى حشد التأييد وراء «داعش».
ويتمتع المسلحون السوريون بقوة أكبر بالقرب من مواقع «داعش» في محافظة حلب غربا. ولكن كذلك الجيش السوري، لذلك قد يعود ضرب التنظيم هناك أيضا بالفائدة على الأسد، وهو ما يكرهه أوباما.
يقول صايغ: «لذلك إذا لم تنجح الولايات المتحدة في قتل قادة داعش في سوريا، سوف يكون تأثيرها العسكري محدودا هناك على المدى القريب وربما المتوسط».
تفيد وجهة نظر أخرى، كما صرح صحافي من دمشق يعمل في إحدى وسائل الإعلام الموالية للحكومة في حديث عبر الهاتف، أنه «سيكون للحملة الأميركية تأثير ميداني ضئيل. ويعتقد كثيرون في الحكومة أن الحملة وضعت لأسباب سياسية لإظهار أن الولايات المتحدة تتخذ إجراء ضد داعش، وأن الخطوة الأولى في أي عمل جاد ستكون بإجبار تركيا، حليفة الولايات المتحدة وعضو الناتو، على وقف تدفق مقاتلي التنظيم عبر حدودها».
بعيدا عن التأثير العسكري، يأمل كل طرف في تحقيق مكاسب سياسية. وتأتي احتمالية شن غارات أميركية في الوقت الذي تواجه حكومة الأسد انتقادات شعبية غير مسبوقة من مؤيديها، الذين يعبرون عن شكاواهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي لقاءات من أن الحكومة سمحت للمتطرفين بالخروج عن السيطرة، وخرج هؤلاء المؤيدون الغاضبون في مظاهرة نادرة في دمشق يطالبون باتخاذ إجراءات أقوى للإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى المتطرفين.
يقول صحافيون ومحللون سوريون إن قرار أوباما جدد نشاط أعضاء أساسيين في دائرة المقربين من الأسد الذين يعتقدون أنه يواجه ضغوطا أقل من أجل التنازل، وأن الغرب سوف يتحالف معه في النهاية ضد داعش.
يظل الأسد رئيسا على دولة منقسمة ماديا ومنهكة نفسيا. ومنذ شهرين، كان موقفه أفضل من أي وقت مضى منذ مطلع عام 2012، بعد أن أحكم سيطرته على الخط الاستراتيجي في البلاد الذي يمتد من دمشق إلى الساحل. ولكن تبدو تلك المكاسب والروح المعنوية المرتفعة التي صاحبتها أقل صلابة في الوقت الحالي.
في خطوات تقدم سريعة أحرزها «داعش»، هزم مقاتلو التنظيم الجنود السوريين في ثلاث قواعد بالرقة أخيرا، وأخرجوهم فارين إلى الصحراء، مما جعل بعض مؤيدي الحكومة يشعرون بالسخط من عدم إرسال الجيش مزيدا من التعزيزات.
ويُظهر فيديو الهجوم على قاعدة الطبقة الجوية الجنود وهم يفرون إلى الصحراء، ويبدو أنهم عُزل، بينما يرميهم مقاتلو «داعش» بالرصاص.
وجرى تداول هذه الصور على نطاق واسع في سوريا، مما أدى إلى إثارة الصدمة لدى مؤيدي الحكومة الذين تعودوا على رؤية الجيش في مشهد بطولي. وتظهر عملية المونتاج التي يجريها التلفزيون الحكومي بانتظام الجنود وهم يسيرون في صفوف منضبطة ويهبطون على الجدران باستخدام الحبال، مع موسيقى تصويرية توحي بالنصر.
وقالت شخصية مهنية تبلغ من العمر 31 عاما، وتؤيد الحكومة بقوة لفترة طويلة في مقابلة أجريت معها عبر الهاتف من مدينة طرطوس الساحلية: «إذا فقدنا المزيد من المناطق، سيكون مآلنا الفشل»، مضيفة: «بعد ثلاث سنوات أصبح الجيش منهكا ومستنزفا».
وقالت الشخصية، التي تحدثت شريطة عدم ذكر اسمها تجنبا لأعمال انتقامية من كلا الجانين: «إننا نترنح ونرقد فوق بركان». وأضافت: «كثير من الأشخاص الذين يكنون المحبة والاحترام للأسد غاضبون منه الآن. لقد نفد صبرهم».
وقالت إن ابن عمها، وهو جندي، سُجن لمدة ثلاث أسابيع بعد أن تحدث في القاعدة عن الهزائم الأخيرة. وتعرض خمسة نشطاء مؤيدون للحكومة للاعتقال مؤخرا بسبب إطلاقهم حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن جنود مفقودين يُطلق عليها «أين هم؟». ودافع آخرون بجرأة عنهم عبر الإنترنت باعتبارهم «وطنيين».
وما زالت تقول امرأة طرطوس وغيرها من المؤيدين للحكومة السورية إنهم لا يرون بديلا للسيد الأسد لحمايتهم من داعش.
ومع ذلك يقول مسؤولون بالولايات المتحدة وبعض الدبلوماسيين الغربيين إنهم يأملون في أن تتمكن الغارات الأميركية ضد «داعش»، إلى جانب المساعدات الجديدة المقدمة إلى المعارضين غير المنتمين للتنظيم، من التخفيف من حدة المخاوف بين صفوف المؤيدين للحكومة، وبالأخص بين الأقلية العلوية التي تشكل قاعدة الأسد. وفي المقابل، يأملون أن يسفر ذلك عن طمأنة العلويين، الذي يتمتعون بالنفوذ، بما فيه الكفاية من أجل إلهامهم، أو الحلفاء الرئيسين للأسد، المتمثلين في إيران وروسيا، من أجل الضغط عليه للتنحي أو تقاسم السلطة.
ولكن يسود بين الدبلوماسيين الغربيين الآخرين، بمن فيهم الكثير من الذين انتقلوا منذ فترة طويلة من دمشق إلى بيروت، شعور بالاكتئاب والاعتقاد بأن التركيز الجديد على «داعش» أفسد ما تبقى من الإرادة السياسية الغربية للإطاحة بالأسد أو تعزيز مسار التسوية السياسية في وقت قريب. وبطرح سؤال حول ما إذا كانت الحكومات الغربية ستبذل الآن الكثير من الجهد إزاء هذه المشاريع، أجاب أحدهم: «بالتأكيد لا. لقد انتهى الأمر. أشعر بالأسف لقول ذلك».
وطرح بعض المسؤولين السوريين وجهة نظر أقل تفاؤلا مقارنة بالأسد والمقربين له بشأن قوته السياسية والعسكرية، وذلك بحسب ما أفاد به حديثا محلل سياسي مؤيد للحكومة ومطلع على الأوضاع بشكل جيد.

* خدمة «نيويورك تايمز»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.