لا يزال الفقراء أقل حظا في الكليات الأميركية الراقية

نسب قبولهم شبه ثابتة بعد جيل كامل من الوعود بالزيادة

لا يزال الفقراء أقل حظا في الكليات الأميركية الراقية
TT

لا يزال الفقراء أقل حظا في الكليات الأميركية الراقية

لا يزال الفقراء أقل حظا في الكليات الأميركية الراقية

مع بدء الحياة في مساحات الحرم الجامعي الخضراء بجامعات الصفوة في الولايات المتحدة مع بداية العام الدراسي الجديد، لا تزال تلك المؤسسات التعليمية تمثل أحد «حصون الامتيازات». ووسط وعود بالسماح بقبول المزيد من الطلاب الفقراء، إلا أن الكليات الراقية لا تسمح إلا بتعليم نفس النسبة منهم على نحو ما كانت تصنع منذ جيل مضى. وذلك على الرغم من حقيقة أنه هناك الكثير من طلاب المدارس الثانوية قادمون من منازل ذات دخل منخفض ومحققين أعلى الدرجات الدراسية: أكثر من ضعف النسبة بين عامة السكان كما هو الحال في الكليات الراقية.
وخلصت سلسلة من المسوح الفيدرالية الأميركية أجريت على مجموعة منتقاة من الكليات إلى أنه لم يتم أي تغيير يذكر منذ حقبة التسعينات وحتى عام 2012 حيال التحاق الطلاب الفقراء – بنسبة أقل من 15 في المائة وفقا لبعض التقديرات – حتى مع وجود زيادة ملحوظة خلال تلك الفترة في عدد أولئك الطلاب الذين يلتحقون بالكليات. وهناك دراسات مماثلة بحثت في نطاق أضيق حول أفضل الجامعات الثرية أكدت مثل تلك النتائج. ومع الإجراءات المؤكدة والمستندة على العرق والتي تفقد حاليا زخمها القضائي والشعبي، حث الكثيرون الكليات الانتقائية على تحويل المزيد من التركيز إلى التنوع الاقتصادي.
ويرجع السبب وراء ذلك، بصورة جزئية، إلى أن الطلاب أكثر عرضة للتخرج واعتلاء سدة القيادة في تخصصاتهم الدراسية إذا ما التحقوا بالكليات التنافسية. حيث يعتبر قبول الطلاب من ذوي الدخول المنخفضة في الكليات الراقية من العوامل الحيوية للحراك الاجتماعي.
ولكن كما أوضح الدكتور أنتوني بي كارنيفالي، مدير مركز التعليم والقوى العاملة لدى جامعة جورج تاون: «صار التعليم العالي من القوى المؤثرة في تعزيز الامتيازات وانتقالها عبر الأجيال المتعاقبة».
من الصحيح أن نسبة التحاق الطلاب ذوي الدخول المنخفضة ببعض الكليات الراقية قد شهدت ارتفاعا طفيفا. وتشير بعض الدراسات إلى أن تلك الكليات تتمتع بنية حسنة ولكنها ببساطة غير فعالة من حيث التعامل مع التنوع الاقتصادي. ويشير قادة الكليات كذلك إلى بعض الدراسات تفيد بأن غالبية الطلاب ذوي الدخول المنخفضة والدرجات العالية ودرجات الاختبار المرتفعة لا يتقدمون إلى الكليات الانتقائية الراقية.
ولكن النقاد يؤكدون أنه على العموم، تشعر الكليات الراقية بنوع من القلق إزاء الإضرار بمصادر التمويل لديهم وترتيبهم بين باقي الكليات في مقابل موافقة خطابهم المعلن من حيث الرغبة في إدخال التنوع الاقتصادي حيز التنفيذ.
يقول ريتشارد د. كالينبيرغ، وهو زميل بارز لدى مؤسسة سينتشري التي تبحث في تنوع الكليات «ليس من الواضح لدي أن الجامعات لديها رغبة قوية في ذلك. فما الذي يمكن أن يحدث إذا أثبت الطلاب ذوو الدخول المنخفضة خداع الجامعات الانتقائية، وبدأوا في التقدم للالتحاق بها بأعداد كبيرة؟ هل ستكون أبواب تلك الجامعات مفتوحة لهم؟»
هناك كليات راقية، خصوصا وعامة، تستقبل ثلاثة أضعاف المستفيدين من منحة بيل – وهي المساعدة الفيدرالية الرئيسة للطلاب ذوي الدخول المنخفضة – كما تصنع بعض الكليات المناظرة، والتي يقول النقاد إنها دليل على أن الكليات الأخرى يمكنها تقديم المزيد. وقد نجح النظام لدى الجامعات المرموقة مثل فاسار، وأمهرست، وهارفارد، وجامعة كاليفورنيا في زيادة المقبولين من الطلاب ذوي الدخول المنخفضة.
ويقول مايكل ن. باستيدو، مدير مركز دراسات التعليم العالي وما بعد الثانوي لدى جامعة ميتشغان إن «الكثير من ذلك يدور حول المال، نظرا لأن التحاق كل طالب إضافي من ذوي الدخول المنخفضة سوف يكلف الكثير من ناحية المساعدات المالية. لن يأتي أحد ويتحدث بمنتهى الصراحة قائلا: أوه، إن الطلاب ذوي الدخول المنخفضة ليسوا من أولوياتنا. ولكن إدارة الالتحاق هي عملية معقدة بحيث إنهم يعرفون على وجه الدقة كم من المال سوف يكلفهم كل طالب جديد».
تنفق الكليات بوجه عام نسبة 4% إلى 5% من المنح على المساعدات المالية، مما دفع بعض المدراء إلى الاستشهاد بتلك المعادلة الرياضية الصارمة: إن مساعدة طالب فقير واحد الذي يحتاج إلى 45 ألف دولار في العام من المساعدات المالية يستلزم منحة قدرها مليون دولار مخصصة لذلك الغرض، ومساعدة مائة طالب منهم يستلزم وجود منح بمقدار مائة مليون دولار. ولا يمكن فعل ذلك إلا للكليات الثرية، وبناء مختبرات جديدة، وتجديد صالات الطعام، وتوفير الفصول الدراسية المصغرة، وتكاليف كبار الأساتذة.
ويلعب التصنيف الذي نشره موقع (U.S. News and World Report) وغيره من المواقع، دورا مؤثرا في ذلك. حيث يتعامل التصنيف من خلال معدلات الإنفاق على المرافق وهيئة التدريس، ولكن لا يولي البعض القليل أو أي اهتمام للمساعدات المالية والتنوع.
يقول الدكتور كارنيفالي «يقبع رؤساء الكليات تحت الضغط المتواصل لتلبية متطلبات الميزانيات، وتحسين معدلات التخرج، والارتقاء بمستوى التصنيف. وأسهل الوسائل لتنفيذ ذلك هو من خلال الارتقاء من الناحية الاقتصادية – عن طريق قبول الطلاب الذين يدفع آباؤهم أكثر».
ثمة جزء كبير من الارتقاء الاقتصادي يأتي من خلال «مساعدات الاستحقاق»، وهي فواصل الأسعار المعروضة على الطلاب بصرف النظر عن ثروات آبائهم. بضع عشرات من المدارس الراقية لا توفر مساعدات الاستحقاق، ولكنهم يعتبرون الاستثناء الوحيد من ذلك. من الناحية التاريخية، وفرت الكليات الأميركية الكثير من المساعدات للطلاب المحتاجين، ولكن مساعدات الاستحقاق تفوقت على ذلك اليوم.
منذ أواخر التسعينات، نفذت الكليات الراقية تحركات رفيعة المستوى لكي تصبح في متناول العائلات ذات الدخول المنخفضة. وقد جذبت التغييرات في سياسات الكليات الكثير من الزخم، ولكنها كانت ذات تأثير طفيف، حسبما خلصت الدراسات، لأن الطلاب، وإلى حد كبير، لم يكونوا يعلمون عنها شيئا.
ألغت جامعات هارفارد، وبرينستون، وفيرجينيا، ونورث كارولينا في تشابل هيل برامج القبول المبكرة والتي اعتبرت مخصصة لصالح الطلاب الأثرياء. وتوقفت بعض الكليات عن إدراج القروض في حزم المساعدات المالية، بحيث يجري قبول كل أشكال المساعدات في صورة منح دراسية. وبعض الكليات الأخرى خفضت من الأسعار لديها للجميع باستثناء العائلات الثرية، ولم تعد تستلزم دفع أي مساهمات مالية من الآباء دون مستوى معين من الدخل، مثل 65 ألف دولار في العام.
ولكن الكليات التي ألغت برامج القبول المبكرة أعادت العمل بها في غضون سنوات لاحقة، بعدما رفضت كليات راقية أخرى اتباع نفس النهج، مما وضعهم في وضع غير موات من حيث اجتذاب الطلاب المرموقين. ذهبت معظم المزايا الخاصة بسياسات منع القروض ومنع المساهمات العائلية إلى صالح العائلات ذات الدخول المتوسطة، وعلى أي حال، لم تعتمد كل الجامعات الثرية، مثل هارفارد، وبرينستون، وييل، وستانفورد، أيا من السياستين.
في عام 2006، وفي تصنيف الكليات الأكثر تنافسية من خلال عرض مؤسسة بارونز للكليات الأميركية والذي ضم 82 كلية، جاءت نسبة 14 في المائة من الطلاب الجامعيين الأميركيين من النصف الفقير من عائلات البلاد، طبقا للباحثين لدى جامعة ميتشغان وجورج تاون الذين عملوا على تحليل البيانات المستمدة من المسوح الفيدرالية. ولم يتغير ذلك الاتجاه منذ عام 1982.
وعلى نطاق أضيق، فإن مجموعة من 28 جامعة وكلية خاصة مرموقة، بما في ذلك الأعضاء الثمانية في رابطة إيفي، خلص الباحثون لدى كليات فاسار وويليامز إلى أنه في الفترة بين عام 2001 وعام 2009، وهي الفترة التي شهدت ارتفاع مستوى المساعدات المالية في تلك الكليات، ارتفعت نسبة التحاق الطلاب من نسبة 40 في المائة من العائلات ذات الدخول المنخفضة من 10 في المائة إلى 11 في المائة.
حتى مع توافر أفضل النيات، فإن انتقاء أفضل العناصر من بين مجموع الطلاب ذوي الأداء العالي والدخول المنخفضة يمكن أن ينطوي على الكثير من الصعوبات. وتشير الدراسات إلى الكثير من الأسباب وراء عدم تقدم الطلاب ذوو أوراق الاعتماد الجيدة للالتحاق بالكليات المتنافسة، مثل قلة الشجاعة في الموطن وفي الكلية، والتفكير (الصحيح أو بخلاف ذلك) حول عدم استطاعة تحمل التكاليف أو الاعتقاد أنهم سوف ينتهي بهم الأمر خارج الكلية، على المستوى الأكاديمي أو الاجتماعي.
إن أكثر ما يميز أولئك الذين يلتحقون بالكليات الراقية ليس مستوى دخل العائلة أو مستوى تعليم الأبوين، وفقا لدراسة رائدة نشرت العام الماضي، ولكنه الموقع. إن التعرض لفئة قليلة من الأقران ذوي الإنجازات العالية أو الحضور إلى مدرسة ثانوية لديها عدد قليل من المعلمين أو الخريجين الجدد الذين التحقوا بكليات انتقائية مرموقة يحدث فرقا كبيرا في الوجهة التي يقصدها الطلاب ذوي الدخول المنخفضة.
وكذلك الحال في المقابلات الشخصية لاختيار الطلاب. تقول كاثرين بوند هيل، رئيس كلية فاسار «يمكننا الإدلاء بتصريحات رنانة حول إمكانية القبول، وأن برامج القبول لدينا لا تلقي بالا إلا إلى المستويات الدراسية للطلاب، وأننا نمنح أسعارا منخفضة بالفعل لصالح الطلاب ذوي الدخول المنخفضة، ولكن حقيقة الأمر أننا لا نزال نقبل أعدادا قليلة للغاية من تلك الفئة من الطلاب. لا بد أن يكون هناك التزام بالخروج إليهم والعثور عليهم».
لكن مكاتب القبول لا يمكنها إلا زيارة جزء صغير من المدارس الثانوي البالغ عددها 26 ألف مدرسة على مستوى الدولة، ولهذا من النادر عليهم رؤية أولئك الطلاب المرشحين الممتازين ولكن المعزولين والذين يحتاجون إلى التشجيع لكي يتقدموا للكليات الراقية. تقول المدارس الراقية التي تمكنت من رفع معدل قبول الطلاب ذوي الدخول المنخفضة، مثل كلية كويست بريدج ومؤسسة بوسي، والتي هي مكرسة لاكتشاف الطلاب الممتازين غير المعروفين، إن أحد أهم العوامل كان التعاون مع بعض الجماعات غير الهادفة للربح في ذلك المضمار، حيث يعملون سويا في المدارس الثانوية ويعملون كهمزة وصل بينهم وبين الكليات الراقية.
يمكن أن تكون البرامج مكلفة للكليات، وقد يتقاعس الكثيرون أمام التكلفة العالية، رافضين الانضمام أو اتخاذ عدد ضئيل من الطلاب في كل عام. تقول ديبورا بيال، رئيسة مؤسسة بوسي، والتي تضم 51 كلية شريكة وتحاول اجتذاب المزيد «خلال العام الماضي، كان لدينا 680 مقعدا فقط لعدد 15 ألف طالب مرشحين من قبل المدارس والجماعات المحلية. يمكننا بكل سهولة مضاعفة ذلك العدد ثلاث مرات في القريب العاجل».
يقول تروي سيمون (21 عاما) إنه من دون المساعدة الحقيقية من اثنتين من الجماعات غير الهادفة للربح، لم يكن ليدرس حيث يدرس الآن، حيث يستعد لعامه الأول في كلية بارد. كان الطريق طويلا بالفعل من طفولته البائسة في القطاع الفقير من ولاية نيو أورليانز، حيث قضى سنوات تعليمه الأولى – حتى الآن، وفي واقع الأمر، أشادت السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما به كمثال على ما يمكن التغلب عليه في الحياة. يقول سيمون «كنت أميا، وكنت أقضي وقت المدرسة في العبث، ولم أكن أفهم ما يدور حولي، ولم يكن أحد يعبأ أو يسأل في المنزل عن فشلي في درجاتي الدراسية».
انفصل سيمون عن عائلته أثناء أحداث إعصار كاترينا، الذي دمر منزلهم تماما، ولجأ للعيش مع أولاد عمومته في مبنى مهجور. وبقي لفترة من الزمن داخل مدرسة في هيوستون، حيث قال إنه حينما بلغ 12 من عمره، بدأ بالفعل في تعلم القراءة، ولكن بعد عودته إلى نيو أورليانز، ألقي القبض عليه للاشتباه في السرقة.
ولكن في المدرسة الثانوية – حيث التحق بثلاث مدارس منها – التقطته جماعة تدعى كوليج تراك، ووفرت له التعليم الخصوصي، والاستعداد للاختبار، وتقديم المشورة والنصيحة حول التقدم للكلية. ومن ثم حصل على منحة مؤسسة بوسي الدراسية والتي سددت عنه تكاليف الكلية ووفرت له خدمات الدعم هناك.
وأضاف «بعضا من الصبيان الذين كنت أتسكع معهم في طفولتي كانوا أذكياء، منهم من مات الآن، وبعضهم في السجن، ومنهم من لديه أطفال لا يستطيع إعالتهم. إنني أعتبر نفسي محظوظا».
قبل عشر سنوات إلى 15 سنة، عندما كانت بعض الكليات أكثر جدية حيال التنوع الاقتصادي، كان هناك تصور أن زيادة المساعدات المالية قد يغير من الأمر، ولكن السيد مورتون أو. شابيرو، رئيس جامعة نورث ويسترن والرئيس السابق لكلية ويليامز، وهو مثل الدكتورة هيل من كلية فاسار، رجل اقتصاد متخصص في اقتصادات التعلم العالي، يقول «أعتقد أننا كنا سذجا بعض الشيء».
تظل التكلفة من العوائق، ولكن التصور يعتبر عائقا كذلك، حسبما أضاف قائلا إنه «أمر يتعلق بعلم النفس وعلم الاجتماع، مثله مثل الأسعار والتكاليف».
يفضل مدراء الكليات أن يقولوا إنه لا ينبغي على المستهلكين الخوف من أسعار التعليم المرتفعة، والتي تدور حول 60 ألف دولار في العام للكليات الراقية.
* خدمة «نيويورك تايمز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.