تساؤلات حول مصير الميليشيات الشيعية في إطار برنامج العبادي السياسي

بدلا من «حماية المراقد» في سوريا أصبحت محاربة «داعش» في العراق مهمتها الرئيسة

عناصر في ميليشيا «سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر خلال عملية ضد مسلحي «داعش» في منطقة جرف الصخر جنوب غرب بغداد أول من أمس (إ.ب.أ)
عناصر في ميليشيا «سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر خلال عملية ضد مسلحي «داعش» في منطقة جرف الصخر جنوب غرب بغداد أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

تساؤلات حول مصير الميليشيات الشيعية في إطار برنامج العبادي السياسي

عناصر في ميليشيا «سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر خلال عملية ضد مسلحي «داعش» في منطقة جرف الصخر جنوب غرب بغداد أول من أمس (إ.ب.أ)
عناصر في ميليشيا «سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر خلال عملية ضد مسلحي «داعش» في منطقة جرف الصخر جنوب غرب بغداد أول من أمس (إ.ب.أ)

خلط تنظيم داعش أوراق الجميع؛ فالمجتمع السني المتمثل بالمحافظات الغربية الخمس من العراق (الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى) كان من بين أبرز أسباب احتجاجاته طوال عام 2013، عدم وجود جيش عراقي مهني ممثل لكل الطوائف، مع اتهامات واضحة للكثير من قطعات هذا الجيش بالقيام باستفزازات ذات طبيعة طائفية، لا سيما في المناطق المختلطة، وبخاصة العاصمة بغداد.
في مقابل ذلك وجد الشيعة الذين يمسكون بمقاليد الحكم في العراق منذ عام 2003 أنفسهم حيال إشكالية تتمثل في كيفية قيادة الدولة من خلال مؤسسة عسكرية وأمنية قادرة على مجابهة التحديات، في حين يتطلب الأمر استيعاب ودمج العشرات من الميليشيات والفصائل المسلحة، سواء تلك التي تشكلت في زمن المعارضة لنظام صدام حسين، مثل منظمة بدر التي كانت الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم قبل انفصالها عنه قبل سنتين، ويتزعمها حاليا هادي العامري، أو تلك التي تكونت بعد الاحتلال الأميركي، وأبرزها جيش المهدي الذي أسسه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أو حركة عصائب أهل الحق التي انشقت عنه ويتزعمها قيس الخزعلي، أو تلك الميليشيات والفصائل التي تشكلت على قاعدة الحرب في سوريا بذريعة حماية الأماكن والمراقد الشيعية المقدسة هناك، وأبرزها لواء أبو الفضل العباس.
كان استيلاء تنظيم داعش في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي على محافظتي نينوى وصلاح الدين وأجزاء من محافظة ديالى، فضلا عن مدينة الفلوجة في الأنبار، وتمدده حتى إقليم كردستان شمالا وناحية حرف الصخر جنوبا، قريبا من مدينتي كربلاء والحلة، مفاجأة على مستوى الصدمة؛ فالانهيار السريع للجيش العراقي واحتمال قضم «داعش» لأراض عراقية أخرى وتهديده المراقد الشيعية المقدسة في سامراء وبغداد وكربلاء والنجف، أدى إلى إصدار المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني فتوى «الجهاد الكفائي» لمواجهة التنظيم. وبينما بدت هذه الفتوى نوعا من الحل الاضطراري لمواجهة «داعش»، فإنها وفي ظل الإنهاك الذي تعانيه المؤسسة العسكرية العراقية مثلت حاضنة مثالية للميليشيات الشيعية مقابل تمدد الميليشيات المحسوبة على السنة، وفي المقدمة منها «داعش» نفسه، من منطلق أن حاضنته سنية.
لكن المرجعية الشيعية وطبقا لما أعلنه لـ«الشرق الأوسط» الأكاديمي ورجل الدين المقرب من الحوزة العلمية عبد الحسين الساعدي، «عملت على تقنين الفتوى بشكل واضح وقاطع، حيث إنه يجب أن نفهم أن ما صدر عن السيد السيستاني لا يرقى إلى درجة فتوى، وإنما هو أمر أو توجيه لحماية المراقد المقدسة بعد أن جرى تهديدها من (داعش) علنا»، مشيرا إلى أن «الأمر جاء مقننا بمستوى من الفاعلية والعلمية من زاويتين صارمتين، الأولى هي التطوع حسب الكفاية وليس بالمطلق، وهو أمر تحدده الجهات المسؤولة، والثاني هو أن المتطوعين، أو من باتوا يسمون بالحشد الشعبي، يرتبطون بالجيش والمؤسسة العسكرية حصرا». ويضيف الساعدي أن «البعض من أفراد الميليشيات وقادتها يحاولون خلط الأوراق بتصوير أمر المرجعية على أنه فتوى، والتالي ملزمة للجميع، وهذا أمر غير صحيح؛ إذ إن هدف المرجعية كان ولا يزال حفظ السلم الأهلي؛ لأن الاعتداء على المراقد المقدسة للمسلمين الشيعة سوف يشعل نار الفتنة الطائفية، وهو ما يسعى إليه (داعش)».
ولا يبدو هناك نشاط واضح للميليشيات الشيعية على صعيد العمل داخل الأراضي السورية بعد يونيو الماضي عندما ألغى «داعش» الحدود بين العراق وسوريا بعدما كانت اللافتات السوداء قبل ذلك التاريخ تملأ شوارع الكثير من المدن العراقية، وهي تشير إلى قتلى من أتباع هذه الميليشيات لقوا حتفهم في سوريا. فبدلا من ذلك، فإن النشاط الأبرز لهذه الميليشيات اليوم هو في إطار الحشد الشعبي بعد تزايد خطر «داعش». والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بعد تشكيل حكومة حيدر العبادي الذي ورث تركة ثقيلة من حكومتي نوري المالكي السابقتين، وفي المقدمة منها تغلغل الميليشيات وتغوّل بعضها في مؤسسات الدولة، هو: ما مستقبل الميليشيات؟
في تاريخ العملية السياسية العراقية جرى دمج الميليشيات مرتين.. المرة الأولى بعد عام 2003 طبقا لقانون أصدره الحاكم المدني الأميركي السابق بول بريمر الذي يحمل رقم 91 الصادر عام 2003، والثاني هو ما صدر على لسان العبادي في ضوء وثيقة البرنامج الحكومي التي تضمنت تشكيل «الحرس الوطني» في المحافظات، وهو ما يعني تشكيل جيوش محلية بتسليح أقل من تسليح الجيش ومهمات محدودة.
وفي هذا السياق يرى عضو البرلمان العراقي عن التحالف المدني الديمقراطي فائق الشيخ علي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الورقة التي قدمها العبادي باسم البرنامج الحكومي تحمل تناقضا واضحا؛ ففي الوقت الذي يقول فيه العبادي، وهو ما ينص عليه الدستور، بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وعبر القوات المسلحة فقط، فإنه يعلن عن تشكيل قوات حرس وطني في المحافظات، وهو ما يعني أن هذا الحرس الوطني سيكون من المتطوعين وجماعة الحشد الشعبي، وهذا يعني أننا نخرج الميليشيات من الباب ونعيدها من الشباك».
لكن القيادي في تحالف القوى العراقية السنية محمد الخالدي يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تشكيل هذا الحرس سيحد من سلطة الميليشيات وتدخلها؛ لأن حرس كل محافظة سيكون هو المسؤول عن أمن المحافظة، وفي إطار التنسيق مع الجيش، وهو أمر أصبح لا بد منه في ضوء ما نعيشه الآن من ممارسات استفزازية للميليشيات يتحتم وضع حد لها في المستقبل».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.