الروائيون الجدد في السعودية: خطاب جريء اختطفته الآيديولوجيا

ندوة في جدة تناولت ملامح نتاجاتهم وخطابهم الروائي

د. سحمي الهاجري  و معجب العدواني  .... أغلفة روايات سعودية
د. سحمي الهاجري و معجب العدواني .... أغلفة روايات سعودية
TT

الروائيون الجدد في السعودية: خطاب جريء اختطفته الآيديولوجيا

د. سحمي الهاجري  و معجب العدواني  .... أغلفة روايات سعودية
د. سحمي الهاجري و معجب العدواني .... أغلفة روايات سعودية

شهد النادي الأدبي الثقافي بجدة، مساء الأحد الماضي ندوة بعنوان «الروائيون الجدد»، شارك فيها كل من الناقدين: الدكتور معجب العدواني، والدكتور سحمي الهاجري، وأدارها القاص محمد علي قدس، وحضر الندوة الدكتور أحمد قران الزهراني الذي عيّن أخيرا مديرا عاما للأندية الأدبية السعودية.

* الرواية بوصفها خطابا متجددا

* الدكتور سحمي الهاجري، ركّز في ورقته على «دوافع الكتابة»؛ معداً أن عنوان الندوة «الروائيون الجدد».. يستحقُ لقبَ «العنوان الصامد»، فهو عنوان ما فتئ يستعاد منذ بدايةِ الألفية الثالثة؛ لأن كُتابَ الرواية الأولى، أو الأسماء الجديدة من الروائيين والروائيات ظلت دائماً تشكلُ الأكثرية بين الإصدارات الروائية المتلاحقة؛ وهو أمرٌ يدلُّ على أن بواعثَ هذه الظاهرة، والعواملَ المؤثرة فيها، ما زالت مستمرةً هي الأخرى.
وعرّف المعنى من الروائيين الجدد، بوصفه «الحديث عن تيار عام (..) ينتمي إلى خطاب أدبي جديد، وما زال في طور التشكل»، مشيراً إلى أن «صفة الروائيين الجدد تكاد تنطبق بصورة متوالية على جميع الروائيين والروائيات منذ البداية، فكل منهم مرّ بهذه الصفة في مرحلة من المراحل، قبل أن يصبح لبعضِهم معتمدُه الخاص فيما بعد».
أما لماذا استحق هذا العنوان لقبَ «العنوان الصامد» فـ«يعود غالباً لطبيعةِ الخطاب السائد، وجمود منظوماته الفكرية والقيمية والأخلاقية، أما الروايات ذاتهُا فليست مكرورة بالضرورة، كما يبدو في الظاهر، لأنها تستبطن منطقاً عميقاً لسيرورة متطورة تتشكلُ تدريجياً».
الدكتور الهاجري لاحظ «أن الطفرة الروائية المحلية في عمومها، لم تحدث نتيجةً لتطورٍ معرفي أو فكري أو فلسفي أو جمالي؛ بقدر ما هي وعي حاد بغياب هذا التطور»، وإن «فراغاً واسعاً حدث نتيجة لذلك الغياب، فسُنةُ الحياة تكرهُ الفراغ، ومن الدلالات المهمة في هذا السياق أن المادة المستدعاة لملء الفراغ صفتُها الأساس كبرُ الحجم.. ثم مع الاتساع المتزايد للفراغ، غدت مسألةُ الحجم وحدها لا تكفي؛ مما استدعى مزيداً من التكاثر الكمي المتواصل؛ مما يجعلنا نستعيدُ عبارة إمبرتو إيكو من «أن الكونَ السردي أقل دائماً من الكونِ الواقعي».
وقال: «نحن نرى الرواياتِ الجديدة، لأنها مشاهدة وملموسة، ولكننا لا نرى ما هو أكبر منها، وهو حجمُ الطلب عليها أو حجم الفراغ المفتوح، وهذا ما أدركه الناشرون بحسهم التجاري بصرف النظر عن قوة العمل أو ضعفه من الناحية الفنية».

* لماذا الرواية؟

* تحت هذا السؤال، تحدث الدكتور سحمي الهاجري عن أجناسُ الأدب الأخرى، معداً «أن الشعر والقصة القصيرة وحتى المقالة فنون ذاتية في المقام الأول، وتدل على الوعي الفردي أكثر مما تدلُ على الوعي الجماعي، ولأنها فنونٌ قديمة تاريخياً، فإنها مع الزمن تصالحت بصورة أو بأخرى مع خطاب التخلف، وأهم من هذا وذاك أنها فنون من صفاتها الاختصار والاختزال وتقديم الخلاصات النهائية؛ وقضية الخلاصات النهائية هي المشكلة، لأنها تُذكر بخلاصات الثقافة الأبوية، وهي خلاصات تجاوزها الزمن من جانب، ولا تكفي لسد الفراغ المفتوح من جانب آخر، فلم يعد الكاتب هو ذلك الكاهن أو الحكيم الذي يطل على الناسِ من شاهق، فلا جدال أن هذا العصر هو عصر المتلقي، وهو متلق بات يشارك في إنتاج الثقافة من منازلهِم على نطاق واسع، وبما يناسبُه وليس بما يُفرض عليه».
أما موضوع الكاتب، فرأى أنه جدير بالدراسة، لأنه «ينفتح على قضايا عدة مثل: قضية «دوافعِ الكتابة»، ومن دوافعِ الكتابة تنبثق قضيةُ «القصدية»، وقضية القصدية صاحبت الرواية منذ ظهورها، وغدت جزءاً من تعريفها، ثم تأتي قضية «مقولةِ الراوي» بوصفها مقولةً سردية، ومقولةُ الراوي تعود بنا مجدداً إلى القصدية، لأن الراوي هو الموجه الأول لآيديولوجيا النص».

* دوافع الروائيين الجدد

* وباستعراضه لشهادات الروائيين والروائيات الجدد عن العواملِ التي دفعتهم للكتابة، لاحظ الناقد الهاجري أن استقراء دوافع الكتابة تظهر عبارات دالة على أن الرواية تمثل بالنسبة لأحدهم «مسألة وجود»، أو أنها «تعادل الحرية»، أو أن الرواية «غدت المتنفس الكتابي والنفسي»، أو «أن كتابةَ الرواية ملاذٌ من الضياع»، وأنها بالنسبة للمرأة المتهمة بالضعف «القبضة القوية التي تملكها».
كما تبرز أسباب أخرى مثل التضييق الاجتماعي والثقافي؛ حيث تعبر عنها بعض الشهادات بأن: «الرواية تستوعب كلَ جنونِك وفنونِك.. تستوعب نثرَك وشعرَك.. وتستوعب فلسفتَك وحلمَك.. وكلَ مواهبك الكتابية»، ويشترك الكتاب والكاتبات في عبارات مثل: «كتبتُ الرواية لإعادة التوازن بين الداخلي والخارجي»، أو «كتبت الرواية لإعادة ترتيب داخلي بطريقتي، لا كما رتبها المجتمع والعائلة». كما يشترك بعضُ الكتاب والكاتبات أيضا في الدوافع أو الحوافز الثقافية، مثل قول أحدهم: «كتبتُ الرواية لأنها تتصدرُ الحركة الأدبية»، أو قول إحداهن: «كتبتُ الرواية لحبي للعائلة الثقافية»، ولاحظ الهاجري، أن «من الأمور الدالة أيضاً، أن الدوافع الفنية تأتي في ذيل القائمة، وفي إشارات عابرة».
وفي تحليله لهذه الدوافع قال الهاجري: «نحنُ – إذن - في كل الأحوال، أمام خطابٍ متجدد ومقتحم وجريء غمر الساحة الثقافية، وبث فيها حيوية جديدة ومستدامة بواسطة مجموعة من الرموز، والأفكار، والقيم الجمالية، والأخلاقية الحية، من خلال هذا الكم الكبير من النصوص الروائية المتمردة على مرحلة العماء السابقة لظهور الطفرة الروائية».
وبشأن الروائيات قال الهاجري: «ولأن المرأة هي حاضنةُ الحياة وراعيتُها وممثلتُها الأولى، فإن مشاعرَها وأفكارها تأتي في الغالب واضحة ومشبوبة ومحددة، في حين نجدُ التردد والتعثر والشتات يسيطرُ على الرجال، وهو ما تعكسه الروايات والشهادات بكل جلاء، ربما لأن الامتيازات الرجالية تمثل جزءاً عميقاً وغائراً في بنية الخطاب التقليدي الذي يحاورونه، فيختلط الذاتي والموضوعي لديهم بطريقة مربكة».
وفي ختام ورقته، أكد الهاجري، أن «الرواية المحلية، كانت ولا تزال، تعتمد على أن السياق أقوى من النصوص، وأن دلالات النصوص ما هي إلا مؤشرات إلى دلالاتٍ أكبر منها، وهي دلالاتُ السياق».

* فخ الأدلجة!

* أما الدكتور معجب العدواني، فقال إن مصطلح «الروائيون الجدد» هو «مصطلح غير بريء»، لأنه «يركز على الذوات، ويهمل أفعالها، ويستبيح تحديد الزمن وتقسيمه بالصورة التي نتطلع إليها، ويبدي مراوغة وانحيازًا في سكه، وفي اختياره».
مع ذلك، فقد وافق على أن المصطلح يمكنه أن «يحيلنا إلى التركيز على منجز أولئك الروائيين الفاعلين وغير الفاعلين خلال حقبة منصرمة منذ عقد أو يزيد»، مع تشديده على أن «ذلك كله يخلق حالة من القلق في إحلال العام في موقع الخاص، والجمعي في موقع الفردي».
بدايةً، شدد الدكتور العدواني على أنه «لا يمكن النظر إلى الروائيين الجدد بوصفهم طبقة واحدة؛ إذ أميل إلى تشكيلهم في اتجاهين لا يربط بينهما رابط، ولا يجمعهما جامع سوى التسمية والسجال»، متحدثاً عن فئتين من الروائيين الجدد، وهما: الروائيون الجدد الذين يصبون إلى معالجة الفعل الإنساني باجتياز الأدلجة إلى صوغ الفن والجمال، وقد راجت أعمال هذه الفئة رواجا تحقق بفضل ثورة المعلومات وانتشار وسائل التواصل، لكنها لم تحظ بحضورها المرتجى عربيا إلا في حالات قليلة.
أما الفئة الثانية فهم الروائيون الخاضعون لأدلجة ما، «إنهم أولئك الذين يكتبون الرواية بوصفها نصا ينطلق من آيديولوجية مضادة لموقف أو نص أو شخص، وتجبرك هذه الفئة على تناولها، على الرغم من ضعف الجمالية وضحالة الفكر، وذلك لكونها تمثل اتجاها قام بفرضها، ولها قراؤها المتعصبون، ولديها منصات النشر الخاصة بها».
وقال إن هذه الفئة «ظهرت تاريخيًا بعد ظهور رواية (بنات الرياض) ورواجها، وتنامي الحركة الروائية السعودية، لتتجلى بوصفها تيارا مضادا للمنجز، محاولة تشويهه وإرهاب كتابه، هي رواية (تطرف) بامتياز، ومن أمثلة ذلك (زوار السفارات)، و(المرآة المنعكسة)، و(حتى لا يضيع الحجاب)، ولا خلاف على أن هذه الأعمال رتيبة وغير متجاوزة وتفتقر إلى الدربة والاحترافية».

* البعد الأبوي للنقد

* ثم تحدث الدكتور العدواني عن البعد الأبوي للنقد، وقال: «لا تخلو زاوية النظر إلى الرواية السعودية، وتحديدًا الرواية الجديدة منها، من 3 وجهات نظر أساسية، تتمثل الأولى في نظرة تعتمد على منظومة الثناء والتمجيد والتبجيل، والثانية تحرص على أن تفتح أفقها لتراوح بين الثناء والكشف، والثالثة تركز على كشف العيوب وتفكيك العمل وسياقاته».
وهنا، انتقل الناقد العدواني إلى النقاد، جاعلاً إياهم «في رأس قائمة المسؤولين عن إسدال غطاء الوهم الذي روّجه النقد منذ البدء؛ إذ إن مسؤولياتهم في النظر إلى منجز الروائيين الجدد - كما أراها - ليست كما يقال عن ضرورة حضور نقد المواكبة، ولكن الأهم توفر عنصري الإثارة والرغبة، فليست كل الأعمال الروائية قادرة على فعل الإثارة، ولن يكون كل الفعل النقدي قادرا على فعل الرغبة».
وصنف مراحل النقد (هنا) إلى 3 مراحل: فقد «كانت بواكير النقد الروائي قليلة ولا سيما في مرحلة الحداثة في الثمانينات، (..) ويعود إلى غياب الروائيين والروائيات عن الانخراط في هذه المجموعة التي توهجت شعرًا ونقدًا، (..) لقد كان للرواية بفضل إمكاناتها المتصلة بالجنس الأدبي، وبدعم التنظيرات النقدية المصاحبة، أن تكون الملجأ المناسب للتجربة النقدية قي حقبة الثمانينات بعيدًا عن الأجناس الأخرى التي تمتح من العراقة في الثقافات التقليدية كالشعر، أو الأشكال النثرية الأخرى كالقصة القصيرة».
المرحلة الثانية، كانت «في منتصف فترة التسعينات؛ حيث كانت الأعمال الروائية لا تزيد عن سبعين عملا، ولكن الدراسات النقدية للرواية السعودية بدأت تتسع وتزيد، بسبب عاملين رئيسين: الأول يتصل بزيادة الوعي بدور الرواية، وكونها تنفي الأحادية وتنمذج التعددية. والعامل الثاني يعود إلى محاولة التأصيل للبعد الوطني، في الإطارين؛ المحلي والعربي».
وقال: «مع شيوع الفن الروائي في القرن الجديد، وتعدد قنوات النشر، وظهور حرفة الكتابة في الفنون مهما تباينت، ولم تعد الحاجة إلى النقد كبيرة، فقد تحول الروائيون أنفسهم إلى نقاد لأعمال آخرين»، مضيفاً: «كل هذه السياقات تبرز مسؤولية النقد، وتؤكد عظم دوره في تكريس غطاء التزوير، وخلق حالات الوهم».
* العلاقة مع الأجيال الروائية
* ولاحظ الدكتور العدواني «أن الرواية السعودية وقعت في السجال، وفي توتر صنعته التيارات المتطرفة، التي رفعت شعار الكراهية ضد من يقدم عملا روائيا في التسعينات، فحملوا على الروائيين، مثل: غازي القصيبي، وتركي الحمد، وعبده خال، ويعود ذلك لوعي أولئك بكون الرواية الجنس الأدبي القادر على التغيير الذي يرفضونه».
ثم قارن الناقد بين تجربتي السعودية والكويت في علاقة جيل الروائيين الجدد مع الأجيال السابقة.. ففي حين «نلمح علاقة إيجابية بين جيل الرواد في الكويت، ممثلا في: إسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، وليلى العثمان، مع الروائيين الجدد، مثل: سعود السنعوسي، ووليد الرجيب، وسعداء الدعاس؛ حيث نلحظ ورود أسماء الجيل القديم في روايات الجدد، ومثال ذلك رواية (ساق البامبو)، وفي المقابل نلحظ أن تشجيعا كبيرا وواضحا للروائيين الجدد من الرواد في أمسياتهم وكتاباتهم، وقد نتج عن ذلك الدعم فوز بعض أولئك الشباب بجوائز كبرى»، فإن التجربة السعودية مختلفة، فالعلاقة «تميل إلى التوتر، وتنحو إلى الإلغاء، وهما مساران طبيعيان ناتجان عن تصور كبت للتجربة في عمومها».
وقال: «لو أردنا أن نحدد سمات الجماهيرية لدى هاتين الفئتين، سنراها متمثلة في نزق ردود بعضهم، وسرعة انفعالهم، والمبالغة والشطط في الردود العاطفية، والعجز عن الاعتدال، والابتعاد عن الاستجابة النقدية، ويقود ذلك بحسب فرويد إلى وحدة مشاعر يمكن أن تكون أساسا لتشكيل عشائري جديد».



جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
TT

جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)

أعلنت جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، عن إطلاق الدورة الثالثة عشرة للجائزة، المخصصة للعمانيين فقط، وتشمل فرع الثقافة (في مجال دراسات الأسرة والطفولة في سلطنة عُمان)، وفي فرع الفنون (في مجال الخط العربي)، وفي فرع الآداب في مجال (القصة القصيرة).

وجاء الإعلان في ختام حفل توزيع جوائز الدورة الـ12 للجائزة، الذي أقيم مساء الأربعاء بنادي الواحات بمحافظة مسقط، برعاية الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة، بتكليفٍ سامٍ من السُّلطان هيثم بن طارق.

وتمّ تسليم الجوائز للفائزين الثلاثة في مسابقة الدورة الثانية عشرة، حيث تسلّمت «مؤسسة منتدى أصيلة» في المغرب، عن مجال المؤسسات الثقافية الخاصة (فرع الثقافة)، وعصام محمد سيد درويش (من مصر) عن مجال النحت (فرع الفنون)، والكاتبة اللبنانية، حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب).

واشتمل الحفل على كلمة لمركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ألقاها حبيب بن محمد الريامي رئيس المركز، استعرض فيها دور الجائزة وأهميتها، مؤكداً على أن الاحتفال اليوم يترجم استحقاق المجيدين للثناء، ليكونوا نماذج يُحتذى بها في الجد والعطاء.

حبيب بن محمد الريامي رئيس مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم (العمانية)

وأشار إلى أن المدى المكاني الذي وصلت إليه الجائزة اليوم، والاتساع المستمر للحيز الجغرافي الذي يشارك منه المبدعون العرب على مدار دوراتها، يأتيان نتيجة السمعة الطيبة التي حققتها، واتساع الرؤى المعوّل عليها في مستقبلها، إلى جانب الحرص المتواصل على اختيار لجان الفرز الأولي والتحكيم النهائي من القامات الأكاديمية والفنية والأدبية المتخصصة، في المجالات المحددة للتنافس في كل دورة، ووفق أسس ومعايير رفيعة تكفل إقرار أسماء وأعمال مرموقة تليق بنيل الجائزة.

كما تضمن الحفل أيضاً عرض فيلم مرئي تناول مسيرة الجائزة في دورتها الثانية عشرة وآلية عمل اللجان، إضافة إلى فقرة فنية قدمها مركز عُمان للموسيقى.

يذكر أن الجائزة تأتي تكريماً للمثقفين والفنانين والأدباء على إسهاماتهم الحضارية في تجديد الفكر والارتقاء بالوجدان الإنساني، والتأكيد على الإسهام العماني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في رفد الحضارة الإنسانية بالمنجزات المادية والفكرية والمعرفية.

الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة العماني يكرم ابنة الفائزة حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب) (العمانية).

وتُمنح الجائزة بالتناوب بشكلٍ دوري بحيث تخصّص في عام للعُمانيين فقط، وفي العام الذي يليه تكون للعرب عموماً، ويمنح كل فائز في الدورة العربية للجائزة وسام السُّلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره مائة ألف ريال عُماني (260 ألف دولار)، أما في الدورة العُمانية فيمنح كُل فائز بالجائزة وسام الاستحقاق للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره خمسون ألف ريال عُماني (130 ألف دولار).

وأنشئت الجائزة بمرسوم سلطاني، في 27 فبراير (شباط) 2011، اهتماماً بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيداً على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي، ودعماً للمثقفين والفنانين والأدباء خصوصاً، ولمجالات الثقافة والفنون والآداب عموماً، لكونها سبيلاً لتعزيز التقدم الحضاري الإنساني.


إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم
TT

إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم

قد تكون العلاقة العاطفية التي جمعت بين كلّ من الكاتب والمعالج النفسي الأميركي إرفين يالوم، ومواطنته مارلين كونيك، الباحثة في شؤون الأدب المقارن والمرأة والحب، واحدة من أنجح العلاقات التي جمعت بين باحثين كبيرين في القرن المنصرم، وبداية القرن الحالي. على أن ثبات العلاقة بين الطرفين في وجه الزمن لم يكن ليتحقق لولا تصميمهما الراسخ على تخليص ارتباطهما الزوجي من طابعه النمطي الرتيب، وجعله مساحة للصداقة والتكامل الفكري وتشاطر النجاحات والخيبات.

الأرجح أن العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن المنصرم، واللذين جمعهما الحب في سن مبكرة، يتمثل في دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه ومشروعه الفكري والإبداعي. ففي حين عملت مارلين في جامعة ستانفورد الأميركية، باحثةً في شؤون المرأة والحب وتاريخ النساء والأدب المقارن، عمل إرفين في الجامعة نفسها، منصرفاً إلى التعليم والطب النفسي والكتابة الروائية. والأهم في كل ذلك أن أحدهما لم ينظر إلى الآخر بوصفه خصماً أو منافساً ينبغي تجاوزه، بل بوصفه شريكاً عاطفياً وإبداعياً، ومحفزاً على المزيد من التنقيب المعرفي والإيغال في طلب الحقيقة.

إرفين يالوم

وإذا لم يكن بالمستطاع التوقف المتأني عند أعمال مارلين المهمة، وبينها «شقيقات الدم» و«تاريخ الزوجة » و«ميلاد ملكة الشطرنج»، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعمال قد لاقت رواجاً واسعاً في أربع رياح الأرض، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 20 لغة عالمية، فيما نال كتابها الشيق «كيف ابتكر الفرنسيون الحب» جائزة المكتبة الأميركية في فرنسا.

أما كتاب مارلين المميز «القلب العاشق»، فهو واحد من أفضل الكتب التي تصدت لموضوع القلب، سواء من حيث كون هذا الأخير عاصمة الجسد ومركزه ومنظم شؤونه، أو من حيث اعتباره عبر التاريخ منزل الحب ومقر الروح، والدريئة التي يسدد إليها كيوبيد سهام الحب، وفق الأسطورة اليونانية. ولأنه كذلك فقد تم تكريس دوره العاطفي المركزي في مختلف الأديان والفلسفات والمجتمعات، واحتفى به الشعراء والفنانون، وبات الشفرة الموحدة لعيد العشاق وهدايا المحبين. وفيما حرص إرفين من جهته على استثمار شغفه بالطب النفسي في الانغماس بالكتابة الروائية، فقد آثر عدم الابتعاد عن دائرة اختصاصه، ليصدر أعمالاً عميقة وفريدة في بابها، من مثل «علاج شوبنهاور» و«مشكلة سبينوزا»، ولينال جوائز عدة أهمها «جائزة سيغموند فرويد للعلاج النفسي».

وإذا كانت رواية إرفين المميزة «حين بكى نيتشه» قد حققت قدراً عالياً من الذيوع والانتشار، فليس فقط لأن مؤلفها تصدى لأحد أبرز فلاسفة الغرب النابغين بالقراءة والتحليل، بل لأن ذلك العمل دار على محورين بالغي الأهمية، محور العلاقة العاطفية الأحادية واليائسة التي جمعت بين نيتشه والكاتبة الروسية الجميلة على ذكاء مفرط لو سالومي من جهة، ومحور اللقاء الافتراضي بين صاحب «غسق الأوثان»، الغارق في تصدعه النفسي وآلامه الجسدية ويأسه الانتحاري، والطبيب النفسي اللامع جوزف بروير من جهة أخرى. وإذ عثر عالم النفس الشهير في مريضه الاستثنائي على واحد من أبرز فلاسفة الغرب وأكثرهم فرادة وجرأة، فقد عرض عليه صفقة رابحة للطرفين، تقضي بأن يعمل الطبيب على شفاء الفيلسوف من آلام الجسد، فيما يعمل الفيلسوف على شفاء الطبيب من آلام الروح.

وفي كتابه «التحديق في الشمس» الذي يستهله بمقولة دو لاروشفوكو حول تعذر التحديق في كلٍّ من الشمس والموت، يقدم إرفين لقرائه كل الحجج والبراهين التي يمكنهم من خلالها تجاوز مقولة الفيلسوف الفرنسي، والتغلب على رعبهم من الموت بوسائل عديدة ناجعة. وفي طليعة هذه الحجج تأتي حجة أبيقور ذات المنطق المحكم، ومفادها أن خوفنا من الموت لا معنى له، لأننا لا نوجد معه في أي زمان أو مكان، فحيث نكون لا يكون الموت، وحيث يكون الموت لا نكون نحن.

ويطرح يالوم في السياق نفسه فكرة الموت في الوقت المناسب، وعيش الحياة بالكامل، بحيث «لا نترك للموت شيئاً سوى قلعة محترقة»، كما فعل زوربا اليوناني. وإذ يذكّرنا المؤلف بقول هايدغر «إن الموت الحقيقي هو استحالة وجود احتمالية أخرى» يدعونا في الوقت نفسه إلى فتح أبواب الحياة أمام ضروب كثيرة من احتمالات العيش وخياراته، وعدم حصر الحياة في احتمال واحد. كما يخصص إرفين الجزء الثاني من كتابه للحديث عن الجهود الشاقة التي بذلها في مساعدة مرضاه، بخاصة أولئك الذين طعنوا في المرض والعمر، على التخلص من رهاب الموت وفكرة العدم، مشيراً إلى أنه حقق نجاحات ملموسة في بعض الأحيان، وأخفق في أحيان أخرى.

العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن الماضي دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه

إلا أن إصابة مارلين بسرطان نقي العظم بدت بمثابة الحدث الزلزالي الذي كان إرفين يظن نفسه بمنأى عنه، كما هو حال البشر جميعاً، حتى إذا وقع في بيته وإلى جواره، بدت المسافة بعيدة بين النظرية والتطبيق، وأوشك بناؤه البحثي على التهاوي. وفي أوج الوضع الحرج للطرفين، اقترحت مارلين على زوجها، وبضربة ذكاء حاذقة، أن يقوما بمراوغة الكوابيس السوداء للمرض، من خلال القيام بوضع عمل سردي مشترك، يعرضان فيه ليوميات المواجهة الضارية مع السرطان، فيما يتكفل العمل من ناحية أخرى بحفظ اسميهما وتجربتهما العاطفية المشرقة في ذاكرة الأجيال.

وإذا كانت أهمية الكتاب المذكور الذي وضعا له عنوان «مسألة موت وحياة»، قد تجسدت في ما أثاره الزوجان من أسئلة وهواجس متصلة بقضايا الحب والصداقة والحياة والمرض والموت، وصولاً إلى معنى الوجود على الأرض، فإن المفارقة الأكثر لفتاً للنظر في الكتاب، لا تتمثل في تناوبهما الدوري على إنجاز فصوله فحسب، بل في الطريقة الهادئة والعقلانية التي تقبّلت بها الزوجة المريضة فكرة الموت، مقابل حالة الهلع والإنكار التي بدت على إرفين، وهو الذي طالما نصح مرضاه بأن يتقبلوا الزائر الثقيل بروح رياضية وتفكير رصين.

وفيما يتابع الزوجان في الكتاب ما تكابده مارلين من آلام، وما يطرأ على وضعها من تغيرات، يعمدان في بعض الأحيان إلى الهروب مما يحدث على أرض الواقع، عبر نقل المشكلة إلى إطار آخر يتعلق بمشكلات نظرية شائكة، أو الانكفاء باتجاه الماضي بحثاً عن الأطياف الوردية لسنوات زواجهما الأولى. كما يتبدل عصب السرد وأسلوبه تبعاً لحالة الزوجة، التي تقع فريسة القنوط القاتم في بعض الأحيان، فيما تحاول تجاوز محنتها أحياناً أخرى، عبر اللجوء إلى الدعابة السوداء والسخرية المُرة، فتكتب ما حرفيته «إننا نشكل زوجاً جيداً، فأنا مصابة بالسرطان النقوي، وهو يعاني من مشكلات في القلب واضطراب التوازن. فنحن عجوزان في رقصة الحياة الأخيرة».

أما المفارقة اللافتة في الكتاب، فلا تتمثل في سعي الزوجة المتألمة إلى إنهاء حياتها بواسطة ما يعرف بالموت الرحيم، أو بمكاشفة إرفين لمارلين برغبته في إنهاء حياته معها، وهو المصاب ببعض أعراض النسيان وبمرض في القلب، بل في رد مارلين المفعم بالدعابة والتورية اللماحة، بأنها «لم تسمع في كل أنحاء أميركا عن تابوت تقاسمه شخصان اثنان». والأرجح أن الزوجة المحتضرة، التي ما لبثت أن رحلت عن هذا العالم عام 2019، كانت تهدف من خلال إجابتها تلك لأن توصل لزوجها الخائف على مصيره رسالة مبطنة مفادها أنه لن يلبث أن يفعل إثر رحيلها ما يفعله الرجال في العادة، وهو الارتباط بامرأة أخرى تخفف عنه أثقال الوحشة والعجز والتقدم في السن. ومع أن الزوج الثاكل قد برر تراجعه عن فكرة الانتحار، برغبته في عدم خذلان مرضاه أو خيانة مسيرته المهنية، فإن لجوءه بعد رحيل زوجته إلى الزواج من الطبيبة النفسية ساكينو ستيرنبرغ، وهو في الثالثة والتسعين من عمره، كان سيقابل من قبل مارلين، لو قُدِّر لها أن تعلم، بأكثر ابتسامات النساء اتصالاً بالحيرة والإشفاق والدهشة الساخرة.


«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني
TT

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

تستحضر الكاتبة العمانية شريفة التوبي في روايتها «البيرق... هبوب الريح»، التي وصلت مؤخراً إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية 2026، التاريخ بوصفه عنصراً رئيساً في مجمل أعمالها، مستلهمة الكثير من الحكايات التراثيّة، وقد أُعيد تشكيلها وبثّ الروح فيها من جديد.

تسبر التّوبي، في روايتها الجديدة، وهي خاتمة ثلاثية بعنوان البيرق، أغوار السّرد الشفاهي العُمانيّ، وتبحث في دهاليزه وعوالمه عن حكايات تتواءم مع الأفكار التي تريد مشاركتها مع القارئ، مقدمة نموذجاً في اشتباك الروائي المعاصر مع التاريخ والموروث الشفاهي.

في هذه الرواية التي صدرت هذا العام عن «الآن ناشرون وموزعون»، في عمّان، وجاءت في نحو 600 صفحة، بغلاف من تصميم الفنانة العُمانية بدور الريامي، تعود التّوبي إلى تلك الحكايات التي كان يرويها جدّها عن ذلك التاريخ القديم لعُمان.

تصوّر الروائيّة في الجزء الأول مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، في خمسينات القرن الماضي، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائيّةُ خيوطها، وقدّمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفنيّ فقدمت وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس.

وتتناول التّوبي في الجزء الثاني أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، التي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959». إذ تقوم حبكة هذا الجزء على وقع الحرب التي دارت رحاها في خمسينات القرن العشرين وستيناته، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.

وتستكمل التّوبي في الجزء الثالث «هبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضاً إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلّق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجاً آيديولوجيّاً أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.

تعتني التّوبي في روايتها الجديدة بالجانب الاجتماعي، بالمرأة، بالعائلة، بزوجة السجين أو المناضل وأمه، في النصف الثاني من عمر القرن الماضي، وقد سلّطت الضوء على المشاعر الداخلية التي يعيشها ذلك الإنسان الفقير الذي تغرّب في بقاع الأرض، باحثاً عن لقمة العيش وعن التعليم، وتفاجأ أن الحياة خارج الحدود لا تشبه داخل الحدود.

تحكي الرواية عن ذلك الإنسان الحالم بالتغيير في مرحلة زمنية كانت تعج بالأفكار الثورية التي سيطرت على مختلف أنحاء العالم، في مرحلة صعبة عاشها مجتمعنا العُماني، مرحلة لاقى فيها الفكر الشيوعي لدى الشباب العربي والخليجي قبولاً في تلك الفترة، وكان من السهل انسياق هؤلاء الشباب المغتربين لهذه الأفكار الجديدة.

وترصد الرواية الأسباب التي دفعت ثلّةً من الشباب للانضمام إلى «الفكر الجديد»، والتي كانت نابعة من حلمهم بالتغيير، فضلاً عن أن لكلٍّ منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: «أحمد سهيل»، و«عبد السلام»، و«أبو سعاد»، و«باسمة»، و«طفول» الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.

ويجد المتلقي نفسه يخوض في «هبوب الريح» تفاصيل الأحداث المفصلية كما خاضها الأبطال مع مجتمعهم وعائلاتهم وأنفسهم، وسيعيش أحداث تلك المرحلة من تاريخ عُمان، وسيعثر على إجابات لأسئلة حول مصائر الشخصيات التي التقاها في الجزأين، الأول (حارة الوادي)، والثاني (سراة الجبل).