«داعش» ينفي مسؤوليته عن اغتيال «أحرار الشام».. والمعارضة تتحفظ على الاتهام

مصادر مطلعة لـ {الشرق الأوسط} : التفجير نتيجة اختراق للحركة..وجهات استخباراتية قد تكون وراءه

مقاتل سوري أثناء عمله في مصنع للأسلحة بإدلب أمس (رويترز)
مقاتل سوري أثناء عمله في مصنع للأسلحة بإدلب أمس (رويترز)
TT

«داعش» ينفي مسؤوليته عن اغتيال «أحرار الشام».. والمعارضة تتحفظ على الاتهام

مقاتل سوري أثناء عمله في مصنع للأسلحة بإدلب أمس (رويترز)
مقاتل سوري أثناء عمله في مصنع للأسلحة بإدلب أمس (رويترز)

عين مجلس شورى الطوارئ لـ«حركة الشام الإسلامية»، المهندس هاشم الشيخ المعروف بـ«أبو جابر» قائدا عاما للحركة، و«أبو صالح طحان» قائدا عسكريا لها، بعد اغتيال قائدها العام حسان عبود المعروف بـ«أبو عبد الله الحموي» والقائد العسكري للحركة المعروف بـ«أبو طلحة»، والمسؤول الشرعي المعروف بـ«أبو عبد الملك» وعدد من القياديين خلال اجتماع استهدفهم في إدلب (شمالي غرب) مساء أول من أمس.
وفي حين أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع عدد القتلى الذين سقطوا في التفجير إلى 47، معظمهم من قياديي الصف الأول والصف الثاني، وصف مراقبون هذا الاستهداف بأنه «أقوى ضربة» تتلقاها المعارضة السورية منذ انطلاقتها وقد تؤدي إلى تفتت أو إضعاف «الجبهة الإسلامية».
وكان أكثر من 50 قياديا من «حركة أحرار الشام»، إحدى أبرز مكونات «الجبهة الإسلامية»، مجتمعين بمقر للحركة في قبو أحد المنازل في بلدة رام حمدان عندما استهدفهم الانفجار مساء أول من أمس، وفق المرصد.
وقد رجحت مصادر مطلعة أن يكون عدد القتلى فاق العدد الذي أعلنت عنه «أحرار الشام». وأشارت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن التفجير نتيجة اختراق كبير أصاب الحركة، لافتة إلى أن جهات استخباراتية قد تكون وراء تنفيذه، وأوضحت في الوقت نفسه أن النظام و«داعش» هما المستفيدان الأساسيان من هذه الخسارة التي أصابت فصيلا عسكريا عرف بمقاتلته ضد «داعش» و«النظام»، مع العلم، بأن قياديا آخر في «أحرار الشام» هو أبو خالد السوري، كان قد قتل في تفجير انتحاري في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكان قد قاتل إلى جانب مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقريبا من الزعيم الحالي لـ«القاعدة» أيمن الظواهر.
وتضم «الجبهة الإسلامية» عددا من الألوية والكتائب الإسلامية، أبرزها، «حركة أحرار الشام» التي تأسست عام 2011 وانضمت إلى «الجبهة» عام 2013، وهي تعد أقدم المجموعات المسلحة في المعارضة التي تقاتل بفاعلية على جبهتي النظام وتنظيم «داعش».
وتضاربت المعلومات حول طبيعة استهداف «قادة أحرار الشام»؛ إذ في حين قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «الانفجار نتج عن متفجرات وضعت في ممر يقود إلى غرفة الاجتماع الواقعة تحت الأرض، ما تسبب بمقتل البعض بشظايا، والبعض الآخر اختناقا بسبب عدم قدرتهم على الخروج»، وصفت بعض المصادر الاستهداف بأنه «هجوم بالغاز» وقال «أبو براء» وهو من جماعة متحالفة مع «أحرار الشام» إن الطبيب الذي عاين الجثث لم يجد آثار إصابات خارجية كثيرة، مشيرا إلى أن الطبيب رأى زبدا يخرج من أفواه الضحايا وسوائل تسيل من العيون والأنوف، مضيفا أن الاجتماع كان في قبو شديد التحصين تحت الأرض، وفق ما ذكرت، وكالة «رويترز».
ونعت «أحرار الشام»، في بيان لها، قادة الحركة، مشيرة إلى مقتل القائد العام أبو عبد الله الحموي وعدة قادة آخرين و42 حارسا شخصيا.
وفيما نفى «داعش» مسؤوليته عن الهجوم بعدما وجهت أصابع الاتهام إليه من قبل البعض، لم توجه المعارضة العسكرية والسياسية؛ وأبرزها «الحركة» و«الجبهة الإسلامية» و«رئاسة الأركان» و«الجيش السوري الحر» و«الائتلاف الوطني» التي نعت جميعها القادة، أي اتهام إلى أي جهة بالوقوف وراء الانفجار.
ووجه بيان للحركة رسالة لمن سماهم «مجاهدي بلاد الشام»، مؤكدا فيها استمرار الحركة في محاربة النظام السوري و«داعش» الذي قالت عنه إنه «دولة الغدر»، وقالت في البيان إن هذا «الحدث الجلل» لن يزيد الحركة إلا «إصرارا على المضي في طريق تحرير الأمة».
وفي حين اتهم الأمين العام للائتلاف الوطني السوري المعارض نصر الحريري النظام السوري بتدبير التفجير، عادّا إياه «استهدافا واضحا من نظام بشار الأسد لصوت الاعتدال في سوريا الذي تقوده (حركة أحرار الشام) في مقابل صوت التطرف الذي يقوده تنظيم الدولة الإسلامية»، قال الائتلاف إن «مرتكب هذه الجريمة النكراء أيا كان ليس إلا عدو الشعب السوري وثورته العظيمة». وأدان في بيان له ما سماها «الجريمة النكراء»، مؤكدا أن «الشعب السوري سيستمر في كفاحه من أجل الحرية»، وأن «العدالة ستطال المجرمين وجميع من تلطخت أيديهم بدماء السوريين». وأضاف: «لقد تصدى أبو عبد الله الحموي برفقة قادة الحركة وجنودها لمهام الدفاع عن المدنيين وحمايتهم من بطش نظام الأسد، وكان لهم مساهمات كبيرة في الثورة، وفيما يتعلق بقيادة العمل المسلح في مختلف أنحاء سوريا، والدفاع عن حقوق الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة».
كذلك، ندد «مجلس قيادة الثورة في سوريا» بمقتل قيادات «حركة أحرار الشام» مشددا في بيان بث على مواقع المعارضة «على أن الحادث سيزيد الإصرار على مواصلة العمل بقوة والضرب بيد من حديد وقطع الطريق أمام العابثين بالثورة السورية».
وفي أول تصريح له بعد تعيينه، أصدر «أبو جابر»، بيانا مصورا نعى فيه مقتل قادة «الحركة» ووصفهم بأنهم «دعاة اجتماع ووحدة لا دعاة اختلاف وفرقة». ووجه أبو جابر كلمته إلى مقاتلي «أحرار الشام»، قائلا لهم: «لا تزعزعكم المحنة ولا تفرقكم المصيبة.. فالله غايتنا، والقادة وسائلنا، فإن مضى منا رجل، خلفه رجال، وأنتم الرجال». وختم حديثه: «على العهد باقون، وعلى الطريق التي خطها إخواننا بكلماتهم ودمائهم».
وذكرت مواقع معارضة أن هاشم الشيخ، من أبرز قيادات الحركة في محافظة حلب، وكان يعمل مهندسا في البحوث العلمية في بلدة مسكنة قبل الثورة، فيما يعد «أبو صالح طحان» واسمه الحقيقي، محمد صالح طحان، الذي عين قائدا عسكريا لـ«أحرار الشام» خلفا لـ«أبو طلحة الحموي (عبد الناصر الياسين)»، من القيادات العسكرية للحركة في ريف إدلب، ومسقط رأسه مدينة تفتناز، وقد كان سابقا قائدا لكتيبة «أحفاد علي» التي تعد من أكبر تشكيلات الحركة في إدلب، كما تولى في وقت سابق، لفترة شهرين، القيادة العسكرية لمعركة «الفرقة 17» عند وجود الحركة في الرقة بعد تحريرها.
ويرى خبراء أن مقتل قادة «حركة أحرار الشام الإسلامية» ضربة موجعة للمعارضة المسلحة في سوريا قد تؤدي إلى تفتت أو إضعاف «الجبهة الإسلامية»، أبرز المجموعات المقاتلة ضد النظام السوري وضد تنظيم «داعش» المتطرف. وقد ينقسم أعضاء هذا الائتلاف العسكري بعد الضربة التي وجهت إلى «حركة أحرار الشام» التي تحظى بشعبية واسعة في الأوساط الشعبية في الداخل السوري، بين معتدلين ينضمون إلى الكتائب المدعومة من الغرب، مثل «جبهة ثوار سوريا»، ثاني أكبر قوة مقاتلة، وبين عناصر أكثر تطرفا يذهبون إلى «جبهة النصرة» أو حتى إلى «داعش».
وتضم «حركة أحرار الشام» ما بين 10 آلاف و20 ألف مقاتل. وتعد من أكثر مجموعات المعارضة المسلحة تنظيما. وهي تنادي بنظام إسلامي لسوريا أساسه الشريعة، لكن مؤسسها وقائدها الذي قضى بالتفجير «أبو عبد الله» كان قال في أحد أحاديثه الصحافية إن الحركة «تضمُ في صفوفها شبابا ثائرا قد يكون عندهم تقصير في بعض الصفات الإسلامية مثل التدخين والتقصير في أداء صلاة الجماعة والاستماع للأغاني»، لكن قيادة التنظيم تسعى «إلى ترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة البعيدة عن التشدد بالتدريج وإعذار من يخالفها».
مع العلم بأن الحركة، ككل «الجبهة الإسلامية»، كانت قد صنفت في موقع وسط بين الإسلاميين المتطرفين والمقاتلين المعتدلين ومنهم فصائل الجيش السوري الحر.
وفي مقال لمركز «كارنيغي» للأبحاث، كتب الباحث آرون لوند: «قد يكون من الصعب إصلاح (الجبهة الإسلامية)، ما لم تتمكن (حركة أحرار الشام) من النهوض والبقاء قوة إسلامية أساسية»، مشيرا إلى أن «تفكك الجبهة الإسلامية قد يجري لصالح مجموعات أكثر تطرفا أو أكثر اعتدالا»، إلا أنه أشار إلى أن النتائج العسكرية على الأرض لما حصل «لن تكون مرئية على المدى القصير».
ويرى الباحث في «مجموعة الأزمات الدولية» نوا بونسي ردا على سؤال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن تنظيم «داعش» قد يفيد من الضربة التي تعرضت لها «حركة أحرار الشام»، ويقول: «(أحرار الشام) مكون رئيس للقوات المقاتلة ضد (داعش) في الشمال، وسيعمل التنظيم على استغلال أي تفتيت محتمل لها».
في المقابل، قد يصب ذلك أيضا في مصلحة النظام الذي يسعى إلى تقديم نفسه «بديلا أوحد عن الإرهاب»، بحسب ما يقول الاختصاصي في الشؤون السورية بجامعة أدنبره توما بييريه؛ إذ يرى أن «الجبهة الإسلامية» و«حركة أحرار الشام» خصوصا من ألد أعداء التنظيم المتطرف. ومن شأن تراجع قوتهما على الأرض أن يساهم في تقديم النظام كأنه «العقبة الوحيدة» أمام تنامي نفوذ التنظيم المعروف باسم «داعش».



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.