المجلات الثقافية العربية بين الأمس واليوم

المجلات الثقافية العربية بين الأمس واليوم
TT

المجلات الثقافية العربية بين الأمس واليوم

المجلات الثقافية العربية بين الأمس واليوم

طرقتْ د. ربيعة جلطي في مقالِها «تلك المجلات الأدبية المنقرضة»، المنشور في «ثقافية الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء 19 يونيو (حزيران) 2019، موضوعة المجلات العربية التي اندثرتْ وأسباب الاندثار، وبعض مظاهر الركود في المشهد الثّقافي العربيّ، وحسناً فعلتْ وأجادتْ، لكنَّ في الموضوع شجوناً أُخرى.
لا خلاف أنّ المجلات الثّقافية مؤشر من مؤشرات رقي المجتمعات وتقدمها، والاهتمام بها يعني الاهتمام بخلق الوعي العام الذي هو دعامة أساس من دعائم التحضر والمدنية. ولهذا يغدو وجودها دليلاً على أنّ الثقافة ليست مكملاً من مكملات الحياة العصرية، إنما هي ركن من الأركان المجتمعية، ينبغي أن يُحسب لها كلُّ الحساب.
وغياب المجلات أو عدم الاهتمام بها يعني انثلامّاً في الكيان الثقافي للمجتمع برمته، لا يمكن سدُّه ولا إصلاحه أو التعويض عنه بأي وسائل أخرى.
وهذا ما تؤكده سوسيولوجيا الثقافة وعلاقتها بالبنيات المجتمعية، التي ترى أنّ المجلات مظهر ثقافي مهم للمجتمع، ومنفذ من منافذ المعرفة التي بها يتقوى الوعي ويصبح أكثر عمقاً وتحصناً، نظراً لما تغرسه في نفوس القراء من رؤى اجتماعية وجمالية وفكرية، تجعل منهم متفاعلين ومنتجين.
ولا غرو أن المجلات الثقافية تستطيع أن تنمي المجتمع سوسيولوجياً واضعة الحلول لمشكلاته، ومشخِّصة عيوبه، ودافعة به نحو الارتقاء والتقدم، وهو ما لا تستطيعه المجلات التي تعكس أرستقراطية الثقافة ومظاهرها البراقة التي لا تهتم بالجمهور القارئ، ولذلك يظلُّ انتشارها محدداً بالنخبة.
وما يعانيه مجتمعنا العربي من الافتقار إلى المجلات الثقافية، له أسبابه، وأغلب تلك الأسباب مادية. علماً بأن الاستثمار الرمزي للثقافة هو الذي يمهد الطريق أمام الاستثمار المادي. وليس هذا القول من قبيل الطوباويات، بل هو أمر تأكد وبات من المسلمات، أدركته المجتمعات المتقدمة، واستوعبت دروسه، فجعلتْ الثقافة في مقدمة أولوياتها حتى صارت ذات شأن حقيقي يضاهي أي شأن من شؤون الحياة المادية العامة، بعكس المجتمعات الفتية والنامية والفقيرة التي ما زالت تتصور أن الثقافة ليست هي الحياة نفسها، والتي غابت عن قواميسها مقولة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، لذا هي سريعة الأزمات، وفي حالة مستمرة من الاصطراع والاحتراب، وضعف الوعي الذي لا سبيل لتقويته ودعمه سوى بالثقافة.
ومن سبل نشر الثقافة الكتب والصحف اليومية والأسبوعية والدوريات المختلفة، لكن المجلات تظل في المقدمة؛ أولاً سرعة انتشارها، وثانياً وجود التنويع الذي يلائم مختلف مستويات القراء وتوجهاتهم وإمكانياتهم المادية، وثالثاً قدرتها على مواكبة التسارع في عالم الفكر، ورابعاً سهولة تسويقها وسرعة انتشارها في مختلف البلدان، وخامساً أن قراءة المجلة لا تتطلب من القارئ وقتاً طويلاً كالذي تتطلبه قراءة الكتاب.
وإذا كان الحال المثالي الذي ينبغي أن تشهده أي حياة عصرية هو صناعة مجتمع واعٍ تترسخ فيه قيم الجمال؛ فإنَّ الواقع الثقافي العربي الراهن يخالف ذلك تماماً للأسف. ليظل الحال المثالي مجرد تطلع يسكن أذهان المثقفين، وما من سبيل إلى تحقيقه، ما دمنا غير واعين لأهمية الثقافة في ترسيخ الوعي الذي به يَصنعُ الإنسان ذاته.
ولو عدنا إلى الواقع الثقافي أبان خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، لوجدنا أن المجلات الثقافية كانت فاعلة متوفرة وتصدر بانتظام، وبموضوعات حيوية ومستجدة يكتبها أدباء ومثقفون صاروا فيما بعد من أقطاب الثقافة العربية وروادها. ومثالنا على ذلك مجلات «الأديب» و«الآداب» و«الرسالة» و«الثقافة» و«الفكر المعاصر» و«الهلال» و«الطليعة» و«فصول» و«الثقافة الأجنبية» و«المورد» و«شعر» و«حوار» و«المعرفة». وبعضها ظل محافظاً على مكانته النوعية كمجلة «فصول» و«الفكر المعاصر».
وأغلب هذه المجلات تولى إدارتها ورئاسة تحريرها مثقفون واعون وأدباء مرموقون. والمدهش أن هذه المجلات كانت تصل إلى عواصم المدن العربية في الشهر ذاته، وربما الأسبوع الذي تصدر فيه، ولذلك كان القراء يترقبون صدروها كل شهر. وبسبب الوفرة والانتظام والجدة والاحتراف، حققت هذه المجلات رواجاً كبيراً وسمعة طيبة جعلت الكتّاب يتبارون من أجل الظفر بالنشر فيها لا لشيء سوى إشاعة الثقافة.
ومنذ الثمانينيات أخذنا نشهد تراجعاً تدريجياً في واقع هذه المجلات، فلم تعد تصل إلى كل البلدان، وغابت عنها الوفرة والانتظام باستثناء القليل الذي استطاع أن يظل صامداً أمام عوامل التراجع. وفي العقدين الأخيرين من هذه الألفية أخذ بعض المتبقي من تلك المجلات يصيبه التقشف، وينال منه الركود، فتقلصت الأعداد والأحجام والأبواب، وبعضها غاب عن الصدور، كما حصل مع المجلات العراقية. ورغم ظهور مجلات جديدة رسمية وغير رسمية ورقية وإلكترونية، إلا أنها لم تستطعْ أن تسدَّ فراغ تلك المجلات الرصينة، فضلاً عن أنها لم تسلم أصلاً من التراجع الذي يعتري المشهد الثقافي العربي الراهن.
ولا يخفى أن وراء انتشار المجلات مردوداً مادياً هو بمثابة استثمار ثقافي لرأسمال رمزي، تعضد فاعليته الشبكة العنكبوتية بإمكاناتها التكنولوجية الهائلة التي إذا استثمرتْ بشكل فاعل حققت للمجلات رواجاً عند عموم القراء، ملبية حاجة الطالب والموظف والمتقاعد والشاب والطفل والمرأة.
فلماذا لا نجد مثل هذا الاستثمار الرمزي للثقافة في صورة مجلات ثقافية عربية، تجمع مثقفي الوطن العربي وأدباءه تحت مظلة معرفية واحدة؟ أهو نقصان الموارد الإبداعية والثقافية والمادية، علماً بأننا نشهد كل يوم تأسيس مجلة جامعية جديدة بترقيم دولي وإمكانيات أكاديمية ودعم مؤسساتي؟ وهل سيكون وراء قلة عدد المجلات الورقية وتزايد المجلات الإلكترونية عبء ثقافي سببه عزوف القراء عن متاحات الوسائط المتعددة التي تجعل القارئ ينفر عنها، إما لأنه لا يعرف تكنولوجيتها أو يعرفها ولكن لا يُتقنها؟
أليستْ المجلات تعبيراً عن وحدة عربية في التلقي الثقافي والتفاعل الفكري؟ ومن الذي له المصلحة في أن تنتكس المجلات العربية التي كانت بالأمس نشطة ومميزة؟ وما المانع من أن تسهم المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة والتعليم والمنظمات والهيئات والمراكز الثقافية غير الرسمية في الخروج من هذه الظاهرة، ووضع الحلول وإيجاد سبل حقيقية، بها تنتعش المجلات من جديد ليعود لها بهاؤها الغابر الذي عفت عليه سنون مضت؟
لا أعتقد أنَّ الأسباب سياسية أو فكرية، كما أنها ليست مادية، فلقد صدرت مجلات مصرية في وقت كان فيه هذا البلد يمر بمحنة الحرب العالمية الثانية والتحديات المصيرية التي تلتها. والأمر نفسه مع مجلات في بلدان عربية أخرى.
وإذا لم يكن السبب مادياً ولا سياسياً؛ فإنه بالتأكيد ثقافي ومعضلة المجلات معضلة ثقافية، وكثير من المجلات الموجودة اليوم لا تعنيها مسألة مخاطبة القارئ العربي، واستنهاض وعيه إزاء مشكلاته الثقافية، فضلاً عن عدم وجود خطط منهجية توحد عمليات النشر الورقي والإلكتروني لهذه المجلات، مع انقطاع التواصل بين المجلات الثقافية العامة والمجلات الجامعية المتخصصة.
من هنا يغدو مهماً العمل على إصدار مجلات تُعنى بالثقافة، تعيد للمشهد الثقافي العربي ماضيه المزدهر، وتسترد الحال والمآل الذي كانت عليهما مجلات الأمس العربية، ليكون لها شأنها في واقعنا الثقافي الذي هو بأمس الحاجة إلى مواكبة الجديد في حركة الفكر العالمي.
وليس أمام القارئ الحريص على التثقف الذي يريد أن ينجو من العمى الثقافي، الذي تسببه وسائل التواصل الاجتماعي، ويتحصن من تبعات الإعلام الموجه والمؤدلج، ويقاوم عولمة التكنولوجيا، سوى الارتكان إلى الثقافة النوعية التي تمثلها المجلات المتخصصة التي تحصن الوعي وترصنه، مزيلة حالة اللامبالاة والخدر التي يمر بها القارئ العربي اليوم.
إن ما نريده لمشهدنا الثقافي العربي هو مجلات تسير باتجاه جديد لا تكسبي، وبعلاقات عضوية مع القراء، ليست فيها برجوازية قرائية ولا أرستقراطية ثقافية، كي تكون متاحة بيسر لمختلف القراء، وقد استثمرت البعدين التقني والثقافي متمتعة بروح العصر ومعبرة عن همومنا الثقافية الذاتية والجماعية منفتحة على الآخر، بلا خشية ولا توجس. هذه أفكار عامة، وفي الذهن تصورات ورؤى أخرى لسد العوز الثقافي العربي، تحمل طابعاً حراً يزيل الحدود ويتقبل الآخر وجودياً جدلياً.
ولا ننكر هنا الدور الفكري والثقافي الفاعل الذي تقوم به بعض الجرائد والمجلات الصادرة في عواصم أوروبية. هذا الدور الذي ينعش في نفوسنا بعض الأمل في إمكانية استعادة مجلاتنا لدورها المشرِّف الذي كانت قد مارسته بالأمس.



رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
TT

رقصة هندية تلهم الروبوتات تعلّم حركات اليد المعقدة

عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)
عرضٌ تجريبيٌّ في المختبر (جامعة ماريلاند)

استخلص باحثون في جامعة ماريلاند الأميركية بمقاطعة بالتيمور (UMBC) العناصر الأساسية لإيماءات اليد الدقيقة التي يستخدمها الراقصون في رقصة «بهاراتاناتيام» الهندية الكلاسيكية، ووجدوا «أبجدية» للحركة أغنى وأكثر ثراء مقارنةً بمسكات اليد الطبيعية.

ووفق دراستهم المنشورة في مجلة «ساينتفيك ريبورتس» (Scientific Reports)، يمكن لهذا العمل أن يُحسّن كيفية تعليم الروبوتات حركات اليد المعقدة، وأن يُوفر للبشر أدوات أفضل للعلاج الطبيعي.

ركّز رامانا فينجاموري، الأستاذ في جامعة ماريلاند بمقاطعة بالتيمور والباحث الرئيسي في هذا العمل، مختبره على فهم كيفية تحكم الدماغ في حركات اليد المعقدة.

ابتكر فينجاموري نهجاً جديداً لاستخلاص العناصر الأساسية من مجموعة واسعة من إيماءات اليد الدقيقة، المسماة «مودرا»، المستخدمة في الرقص الكلاسيكي الهندي لتعزيز عنصر سرد القصص في هذا الإطار الفني.

ويُطور الفريق البحثي حالياً تقنيات «لتعليم» الأيدي الروبوتية أبجديات الحركات وكيفية دمجها لإنشاء إيماءات يد جديدة، وهو ما يُمثل انحرافاً عن الأساليب التقليدية لتعليم الروبوتات تقليد إيماءات اليد، ويتجه نحو أسلوب جديد لكيفية عمل جسم الإنسان ودماغه معاً.

ويختبر الباحثون هذه التقنيات على يد روبوتية مستقلة وروبوت بشري، يعمل كل منهما بطريقة مختلفة ويتطلَّب نهجاً فريداً لترجمة التمثيلات الرياضية للتآزر إلى حركات جسدية.

يقول فينجاموري: «الأبجدية المُشتقة من مودرا أفضل بالتأكيد من أبجدية الفهم الطبيعي لأنها تُظهر قدراً أعلى من البراعة والمرونة».

وأضاف في بيان نُشر الخميس: «عندما بدأنا هذا النوع من الأبحاث قبل أكثر من 15 عاماً، تساءلنا: هل يُمكننا إيجاد أبجدية ذهبية يُمكن استخدامها لإعادة بناء أي شيء؟».

ووفق نتائج الدراسة يمكن استخدام هذا المفهوم لتفكيك تنوع مذهل من الحركات إلى عدد محدود من الوحدات الأساسية.

بحث الفريق عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها (ساينتفيك ريبورتس)

وقبل أكثر من عقد من الزمان، بحث فينجاموري وشركاؤه عن العناصر الأساسية لحركات اليد وفهرستها، بالاعتماد على مفهوم يُسمى التآزر الحركي، إذ يُنسّق الدماغ حركات مفاصل متعددة باليد في آنٍ واحد لتبسيط الحركات المعقدة.

بدأ فينجاموري وطلابه بتحليل مجموعة بيانات تضم 30 مسكة يد طبيعية، تُستخدم لالتقاط أشياء تتراوح أحجامها بين زجاجات المياه الكبيرة وحبات الخرز الصغير.

اختبر الفريق بعد ذلك مدى قدرة التآزرات المستمدة من الإمساك الطبيعي على الجمع لإنشاء حركات يد غير مرتبطة مقارنةً بالتآزرات المستمدة من المودرا. وقد تفوقت التآزرات المستمدة من المودرا بشكل ملحوظ على تآزرات الإمساك الطبيعي باليد، وفق نتائج الدراسة.

يقول بارثان أوليكال، العضو المخضرم في مختبر فينجاموري الذي يسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب: «عندما تعرَّفت على مفهوم التآزر، أصبح لدي فضول كبير لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا استخدامه لجعل اليد الروبوتية تستجيب وتعمل بطريقة اليد البشرية نفسها».

ويضيف: «لقد كان من دواعي سروري أن أُضيف عملي الخاص إلى جهود البحث، وأن أرى النتائج».

يستخدم الفريق كاميرا بسيطة ونظاماً برمجياً للتعرُّف على الحركات وتسجيلها وتحليلها، وهو ما يُسهم بشكل كبير في تطوير تقنيات فعالة من حيث التكلفة يمكن للناس استخدامها في منازلهم.

في نهاية المطاف، يتصوَّر فينجاموري ابتكار مكتبات من الأبجديات المُخصصة لمهام روبوتية مُحددة، يُمكن استخدامها حسب الاحتياجات، سواءَ كان ذلك إنجاز الأعمال المنزلية اليومية من بينها الطهي أو طيّ الملابس، أو أي شيء أكثر تعقيداً ودقة، مثل العزف على آلة موسيقية.


تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
TT

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك برعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» (الألكسو)، حيث اختيرت مصر ضيف شرف المهرجان بوصفها صاحبة أقدم دار أوبرا في العالم العربي.

وتنطلق الدورة الأولى للمهرجان بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) خلال الفترة من 8 حتى 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقد تقرَّر تكريم عمر خيرت «تقديراً لعطائه وعرفاناً بدوره الرائد في إثراء ساحة الإبداع العربي»، وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية. ويقدِّم «أوركسترا القاهرة السيمفوني» بقيادة المايسترو أحمد عاطف حفلاً يتضمن مجموعة من المؤلفات المصرية لكل من علي إسماعيل، وفؤاد الظاهري، ويوسف شوقي، وعمار الشريعي، وحسن أبو السعود، وعمر خيرت، وأندريا رايدر.

وعدَّ الدكتور علاء عبد السلام، رئيس «دار الأوبرا المصرية»، اختيار الأوبرا المصرية ضيف شرف الدورة الأولى «تأكيداً لأعرقيَّتها عربياً»، مشيراً إلى أن ذلك «يُبرز عمق العلاقات بين الأشقاء ويعكس التطلعات إلى مستقبل أكثر إشراقاً للفنون في المنطقة». وأضاف أن «احتضان دولة قطر للمهرجان خطوة ثقافية رائدة تعكس تقديرها للمسار الفني العربي، وتُبرز أهمية تلاقي التجارب والمؤسسات الفنية في فضاء واحد تُصاغ فيه مشروعات جديدة وتُفتح آفاق رحبة للتعاون والإبداع».

«دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف «مهرجان الأوبرا» بقطر (وزارة الثقافة المصرية)

وقال الناقد الفني المصري أحمد السماحي إن «عمر خيرت يستحق هذا التكريم عن جدارة؛ فهو منذ بداياته يقدِّم نغمة مختلفة ومتجددة، وعمل على تطوير الموسيقى المصرية من خلال توزيعاته أولاً ثم من خلال مؤلفاته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «خيرت من أوائل من ساهموا في تطوير التوزيع الموسيقي في الوطن العربي، ونجح في جذب أجيال واسعة، خصوصاً من الشباب، إلى الموسيقى، وقدّم ألبومات موسيقية خالصة بأسلوب متفرد حظيت بنجاح وانتشار كبيرين».

وقدّم عمر خيرت عدداً كبيراً من الألبومات والمقطوعات التي ارتبطت بالدراما والسينما، وغنَّى من أعماله نجوم الطرب في مصر والعالم العربي، مثل علي الحجار، ومحمد الحلو، ومدحت صالح، وحنان ماضي، ولطيفة. ومن أشهر مقطوعاته السينمائية «قضية عم أحمد»، و«إعدام ميت»، و«ليلة القبض على فاطمة»، و«عفواً أيها القانون»، ومن موسيقاه في الدراما «ضمير أبلة حكمت»، و«البخيل وأنا»، و«غوايش».

وكان مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية، الذي عقد دورته الـ24 في الرباط (المغرب)، قد أقر إقامة «مهرجان الأوبرا العربية» في قطر، واختيرت «دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف دورته الأولى بالنظر إلى أسبقيتها التاريخية، إذ أسَّست مصر أول دار أوبرا في الوطن العربي، وفق بيان وزارة الثقافة.

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «تكريم عمر خيرت في (مهرجان الأوبرا العربية) الأول يعكس القيمة الكبيرة التي يُمثِّلها في الموسيقى العربية، وليس المصرية فقط»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الاختيار موفَّق جداً، سواء في تكريم خيرت أو في اختيار (دار الأوبرا المصرية) ضيفَ شرفٍ بوصفها الأقدم عربياً».

أُنشئت «دار الأوبرا المصرية» عام 1869 على يد الخديو إسماعيل ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس. وبعد أكثر من قرن كانت فيه الأوبرا الخديوية المنارة الثقافية الأبرز في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ احترق مبناها في أكتوبر (تشرين الأول) 1971. ومن ثَمَّ اختيرت أرض الجزيرة مقراً للمبنى الجديد بالتنسيق مع هيئة التعاون الدولية اليابانية (JICA) والاتفاق على تصميم معماري إسلامي حديث، ليُفتتح المبنى الجديد في 10 أكتوبر 1988.


«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
TT

«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)

تحت عنوان «حجر رشيد: مفتاح الحضارة المصرية»، أنتجت مكتبة الإسكندرية فيلماً وثائقياً جديداً هو الخمسون ضمن مشروع «عارف... أصلك مستقبلك» الذي يتناول موضوعات تاريخية وبيئية، ورموزاً في مجالات شتى، ويقدم رحلة بصرية شيقة تمزج بين دقة المعلومة التاريخية وسحر الحكاية.

الفيلم الأحدث بسلسلة الأفلام الوثائقية يتناول حجر رشيد؛ ليس كمجرد قطعة أثرية؛ بل كقصة حضارة خالدة ألهمت العالم أجمع، من خلال استعراض أن الحضارة المصرية قد بدأت قبل عملية التدوين.

يستعرض الفيلم تطور أنظمة الكتابة المصرية القديمة، عبر الخطوط الثلاثة المنقوشة على الحجر، وهي: الهيروغليفية (الرسم المقدس)، والهيراطيقية (خط الكهنة)، والديموطيقية (الخط الشعبي)، وصولاً إلى القبطية التي مثلت الجسر الصوتي للغة المصرية القديمة.

ويتتبع الفيلم رحلة الحجر الأثري، بدءاً من معبد «سايس» بمحافظة الغربية، ومروراً باستخدامه كحجر بناء في قلعة «قايتباي» ببرج رشيد خلال العصور الوسطى، حتى اكتشافه عام 1799 على يد الملازم الفرنسي بيار بوشار.

ويسرد الفيلم قصة الصراع اللاحق عليه بين القوات الفرنسية والإنجليزية، الذي انتهى بوجود الحجر في المتحف البريطاني حالياً.

ويُبرز الفيلم المعركة العلمية الطويلة التي دارت لفك طلاسم الحجر، مسلطاً الضوء على جهود العلماء الأوائل، مثل السويدي يوهان أكربلاد، والإنجليزي توماس يانغ. ويُظهر الوثائقي كيف نجح العبقري الفرنسي جان فرنسوا شامبليون في تحقيق الانتصار العلمي. ويكشف أن تفوق شامبليون جاء نتيجة إجادته للغة القبطية التي استخدمها لربط الصوت بالصورة في النصوص القديمة. ففي سبتمبر (أيلول) 1822، أعلن شامبليون نجاحه في فك أول رموز الكتابة المصرية القديمة. وبهذا الإنجاز، تحول حجر رشيد رسمياً من مجرد وثيقة ملكية قديمة للإعفاء من الضرائب إلى أيقونة عالمية، ومفتاح جوهري لفهم التراث الإنساني.

الكتابة المصرية القديمة ظلت لغزاً لزمن طويل (مكتبة الإسكندرية)

ووفق مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، بقطاع التواصل الثقافي في مكتبة الإسكندرية، الدكتور أيمن سليمان، فإن الاهتمام بإنتاج فيلم عن حجر رشيد يعود لأهمية هذا الحجر، ودوره في الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، بعد فك طلاسم لغتها ومعرفة أبجديتها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فمن خلال لوحة تعود للعصر اليوناني– البطلمي عبارة عن مرسوم ملكي للإعفاء من الضرائب، وُضعت في كل المعابد تقريباً، نقل جزء منها لإعادة بناء قلعة قايتباي على نهر النيل بمدينة رشيد، استطاع العلماء فك رموز الكتابة المصرية»؛ لافتاً إلى أن عالم الآثار الفرنسي جان فرنسوا شامبليون (1790– 1832) استطاع أن يترجم ويكشف عن اللغة المصرية القديمة، نظراً لمعرفته اليونانية والقبطية، وبالمقارنة استطاع أن يترجم منطوق اللفظ والكلمة من الخط المصري القديم؛ سواء المقدس (الهيروغليفي) أو الخط الشعبي (الديموطيقي).

وقدمت سلسلة «عارف... أصلك مستقبلك» 49 فيلماً وثائقياً من قبل، من بينها أفلام: «وادي حيتان»، و«بورتريهات الفيوم»، و«أبو العباس المرسي»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«حديقة الزهرية»، و«توت عنخ آمون الملك الذهبي»، و«أمير الخرائط».