فلول نظام البشير يحاولون العودة إلى السلطة عبر نافذة «العسكري»

ظلوا في نظام الإنقاذ حتى سقط ويطلبون المشاركة في بديله

الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
TT

فلول نظام البشير يحاولون العودة إلى السلطة عبر نافذة «العسكري»

الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)

عقب سقوط نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في الحادي عشر من أبريل (نيسان) الماضي، وجدت الأحزاب التي كانت تشاركه السلطة والامتيازات نفسها منبوذة ومعزولة من الشارع السوداني وقوى الثورة، ووُصمت بـ«ـسدنة النظام». ولتعود إلى المشهد السياسي من جديد، لتجد لها موطئ قدم في السلطة خلال الفترة الانتقالية، شرعت في مغازلة المجلس العسكري.
من أبرز الأحزاب الموالية لنظام البشير الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني، المرشد الأعلى لطائفة الختمية، وهي من كبرى الطرق الصوفية في البلاد، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه علي الحاج، وحركة «الإصلاح الآن» التي يقودها غازي صلاح الدين العتباني. وهذان الفصيلان منشقان عن الإسلاميين منذ سنوات، بالإضافة إلى عدد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات سلام مع النظام السابق، وعشرات الأحزاب الصغيرة المنشقّة أيضاً من الحزبين الكبيرين «الأمة» و«الاتحادي»، ويطلق عليها مسمى أحزاب «الفكة»، لأنها بلا ثقل جماهيري في الشارع السوداني.
في أواخر ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، عندما بدأت رقعة الاحتجاجات الغاضبة تتسع ضد حكم البشير، وأيقن الجميع بسقوط النظام أعلن 22 حزباً، منها حركة «الإصلاح الآن»، وحزب «الأمة» بقيادة مبارك المهدي، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين، تكوين تحالف «الجبهة الوطنية للتغيير» وفضّت الشراكة مع النظام السابق وانسحبت من أجهزة الحكومة التنفيذية والتشريعية وأيدت الحراك الشعبي، ورغم ذلك لم تجد القبول من قوى الحراك الثوري التي رأت في هذا الموقف محاولة للقفز من السفينة الغارقة.
أسست هذه الأحزاب مجتمعة تحالف «تنسيقية القوى الوطنية» وأعلنت رفضها جملةً وتفصيلاً للاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، ووصفته بالاتفاق المجحف كونه منح الأخيرة 95% من السلطة الانتقالية، وأقصى متعمداً بقية القوى السياسية في البلاد.
ونشطت هذه القوى في أعقاب خطاب رئيس المجلس العسكري الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، وحديثه عن إلغاء الاتفاق الموقّع مع «قوى الحرية والتغيير»، والذي أكد فيه أن الحوار سيشمل جميع القوى السياسية لإشراكها في المرحلة الانتقالية، وهو ما يتماهى مع رؤية الكيانات التي ترفض أن تكون «قوى الحرية والتغيير» الممثل الوحيد للثورة.
استغلت هذه الأحزاب الخلافات بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، حول هياكل السلطة الانتقالية، لتطرح نفسها بديلاً، وأعلنت دعمها وتأييدها للمجلس العسكري لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية، وفي ذات الوقت وجد فيها «العسكري» ضالّته لتمكين نفسه من السلطة واستخدامها كورقة في مواجهة «قوى الحرية والتغيير».
ودفعت هذه القوى بوثيقة تدابير الانتقال، التي طالبت فيها بتشكيل حكومة انتقالية لتصريف الأعمال من (التكنوقراط) تنتهي مهامها بإجراء انتخابات عامة في كل البلاد، وهي ذات الرؤية التي يطرحها المجلس العسكري.
واقترحت الوثيقة تكوين مجلس السيادة من العسكريين يشارك فيه عدد من المدنيين المستقلين على أن تكون رئاسة «السيادي» من القوات المسلحة لتشرف على عملية الانتقال.
ويقول القيادي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر: «أحزاب تنسيقية القوى الوطنية كانت من (فلول) نظام البشير حتى اللحظات الأخيرة لسقوطه، وهي مطالبة بمراجعة مواقفها السياسية لمشاركتها في السلطة، بدلاً أن تطرح نفسها بديلاً لـ(قوى الحرية والتغيير)».
ويضيف عمر لـ«الشرق الأوسط»: «ما يحدث الآن من تلك الأحزاب يعبّر عن اصطفاف آيديولوجي فرضته ظروف وجود العسكريين في السلطة». وتابع: «(قوى الحرية والتغيير) هي التي قادت الثورة التي أسقطت النظام، ولكن مشكلتها الإعلان الدستوري الذي صاغته لعملية انتقال السلطة الذي أظهر إقصاء واضحاً للآخرين».
ويشير إلى أن الموقف الصحيح الذي كان من المفترض أن تذهب إليه القوى السياسية التي كانت مشاركة مع النظام، أن تدفع في اتجاه نقاط التلاقي بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير» من أجل السودان، وليس البحث عن السلطة.
مصادر داخل تحالف تنسيقية القوى الوطنية أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن المجلس العسكري أجرى اتصالات بعدد من الأحزاب الموالية للنظام السابق، وتحريك بعض الجماعات السلفية لدعم خطواته المقبلة لمواجهة الضغوط التي تمارسها عليه «قوى الحرية والتغيير»، بل وعرض عليها أن تكون جزءاً من الحكومة المقبلة.
ويضيف القيادي -الذي فضّل حجب اسمه- أن دوافع بعض الأحزاب وبقايا الإسلاميين خاصة للوقوف إلى جانب «العسكري» تأتي من تخوفها من سيطرة اليسار داخل «قوى الحرية والتغيير» على السلطة، وهي التي كانت تغذّي الثورة المضادة. وينبه إلى أن رؤية تنسيقية القوى الوطنية تكاد تتطابق تماماً مع ما يطرحه المجلس العسكري، لتدفعه إلى التنصل من الاتفاق مع «قوى الحرية والتغيير»، ويشير إلى ذلك التطابق في دعوة الطرفين تشكيل حكومة تصريف أعمال من تكنوقراط، وإجراء انتخابات خلال فترة لا تتعدى الأشهر، وهذا التخطيط يقف وراءه الإسلاميون باختلاف كياناتهم خوفاً من أن تطالهم المحاسبة.
ويقول: «تسعى هذه الأحزاب بكل قوة لأن تكون حاضرة خلال الفترة الانتقالية، في محاولة منها لإعادة إنتاج نفس وجودها في الحكومات السابقة إبّان نظام البشير، والتي تقوم على المحاصصة الحزبية». ويتابع: «وهي تدرك تماماً أن حظوظها في الفوز بالانتخابات ضئيلة جداً لأنها لا تستند إلى قواعد شعبية».
ويقول نائب رئيس حركة «الإصلاح الآن» أسامة توفيق، إن «(قوى الحرية والتغيير) تصفنا بـ(سدنة النظام السابق) وتسعى لتصفية حساباتها مع الإسلاميين». وتابع: «حسب علمنا أن كشوفات التطهير جاهزة».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن تنسيقية القوى الوطنية تقترح عاماً واحداً للفترة الانتقالية تتوافق الأحزاب على ميثاق شرف مع المجلس العسكري حتى قيام الانتخابات الحرة الشفافة.
وقال إن وجود القوات المسلحة في الفترة الانتقالية أمر لا مفر منه حتى لا تؤدي الإشكالات التي تعاني منها البلاد إلى فوضى، وأضاف: «اقترحنا أن يكون المجلس السيادي مناصفة بين المجلس العسكري والأحزاب السياسية وأن يكون بلا صلاحيات تؤدي إلى تكريس السلطات في أيدي العسكريين، وأن يكون هنالك مجلس وزراء بصلاحيات واسعة».
وفي موازاة ذلك ينشط بعض الجماعات السلفية المتشددة المحسوبة على النظام السابق، تحت مسمى «تيار نصرة الشريعة» للحيلولة دون التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، وقد سيّر هذا التيار مسيرات حاشدة إلى القصر الجمهوري لقطع الطريق أمام التوافق بين الطرفين.
ويستغل هذا التيار المدعوم من بقايا النظام السابق الشعارات الدينية لخلق القطيعة بين الشعب السوداني و«قوى الحرية والتغيير» بدعوى سيطرة اليسار العلماني عليها.
وتتباين المواقف داخل «قوى إعلان الحرية والتغيير» في التعامل مع تلك القوى السياسية، بعضها يدعو إلى عزل الأحزاب التي شاركت في النظام السابق حتى زواله، وأخرى تدعو إلى التنسيق مع الأحزاب التي خرجت من النظام قبل سقوطه لسد الجبهات في الصراع مع المجلس العسكري.
كان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان -قطاع الشمال- ياسر عرمان، قد قال فور وصوله إلى البلاد الشهر الماضي: «نمد أيادينا بيضاء إلى الإسلاميين الراغبين في نظام جديد».
زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، يبدو متشدداً في ضرورة عدم مشاركة سدنة النظام البائد في المرحلة الانتقالية، وتجريد الأحزاب المتحالفة معه من كل الامتيازات غير المشروعة التي حصلوا عليها عن طريق التمكين الجائر، ويبدي مرونة من جهة أخرى في عدم عزل الأحزاب التي كانت لها مواقف مؤيدة للثورة، ويدعو لإشراكها في على الأقل في الجهاز التشريعي.



«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

أعاد الاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين الذي أُبرم في العاصمة العُمانية مسقط، برعاية أممية، ملف الأسرى والمختطفين إلى صدارة المشهد، مثيراً موجة من التفاؤل الحذر بين اليمنيين، في ظل آمال واسعة بأن يضع حداً لمعاناة آلاف الأسر التي تنتظر منذ سنوات عودة ذويها من السجون ومراكز الاحتجاز.

ويشمل الاتفاق الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف لدى طرفي الصراع، في خطوة وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، وتتقدمها قضية السياسي البارز محمد قحطان، المشمول بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، ما منح الاتفاق بُعداً سياسياً وإنسانياً في آن واحد، ورفع سقف التوقعات بشأن إمكانية تحويله إلى مدخل لإجراءات بناء ثقة أوسع.

وفي هذا السياق، استقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الخميس، رشاد العليمي، الوفد الحكومي المفاوض المعني بملف المحتجزين، برئاسة عضو مجلس الشورى هادي هيج، حيث استمع إلى إحاطة حول نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الجماعة الحوثية، والمسار الذي قاد إلى توقيع الاتفاق في مسقط.

العليمي يستقبل في الرياض الوفد الحكومي المفاوض بخصوص الأسرى والمحتجزين (سبأ)

وأشاد العليمي بنتائج المفاوضات، عادّاً أن الاتفاق يمثل خطوة إنسانية مهمة، من شأنها التخفيف من معاناة آلاف الأسر اليمنية التي عاشت لسنوات على وقع الغياب والانتظار.

وأكد أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يضعان ملف المحتجزين وحماية المدنيين ولمّ شمل الأسر ضمن أولويات ثابتة، بوصفها مسؤولية أخلاقية ووطنية لا تقبل المساومة.

كما ثمّن الجهود التي بذلها الفريق الحكومي المفاوض، والدور الذي لعبته السعودية وعمان، إلى جانب الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكداً أن هذه المساعي أسهمت في كسر جمود أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية.

وشدّد رئيس مجلس القيادة اليمني على أن الحكومة لن تدخر جهداً في سبيل الإفراج عن جميع المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً في سجون الحوثيين، داعياً إلى الالتزام بقاعدة «الكل مقابل الكل» دون انتقائية أو شروط، ومطالباً المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط لضمان تنفيذ الاتفاق، وإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بالقوة.

بين الأمل والشك

أثار الإعلان عن الاتفاق حالة من التفاؤل الحذر في أوساط سكان العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى، الذين أنهكتهم سنوات الحرب والانقلاب، وما خلّفته من أزمات إنسانية متفاقمة، يتصدرها ملف المحتجزين.

ويرى سكان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن الاتفاق، في حال تنفيذه الكامل دون عراقيل أو تمييز، قد يخفف من معاناة آلاف الأسر، مؤكدين أن ملف الأسرى يُعد من أكثر الملفات إيلاماً في الصراع، حيث لا تكاد تخلو أسرة من قصة احتجاز أو اختفاء قسري.

أسرى يمنيون أفرج عنهم سابقاً على متن طائرة دولية في مطار مأرب (رويترز)

ويقول سامي (اسم مستعار)، وهو عامل بالأجر اليومي من حي مذبح بصنعاء، إن الاتفاق يُنظر إليه بعيداً عن الحسابات السياسية، بوصفه «فرصة حقيقية لعودة آباء وإخوة وأبناء غابوا عن أسرهم لسنوات». لكنه في الوقت ذاته يُبدي تشككه في مدى التزام الجماعة الحوثية، في ظل تجارب سابقة لم تُنفذ كما أُعلن عنها.

من جانبه، يؤكد «أبو عبد الله»، وهو مدرس حكومي في ريف صنعاء، أن أي خطوة تعيد إنساناً إلى عائلته «تستحق الترحيب والدعم»، معبّراً عن أمله في أن يكون الاتفاق بداية لمعالجة بقية الملفات الإنسانية العالقة، وفي مقدمتها رواتب الموظفين وفتح الطرقات.

أسر تنتظر

تعكس شهادات ذوي المحتجزين في صنعاء مشاعر مختلطة بين الأمل والخوف من تكرار خيبات سابقة. تقول أم خالد، والدة أحد المحتجزين منذ تسعة أعوام، إن الأسر «سمعت كثيراً عن اتفاقات لم ترَ النور»، مطالبة بضمانات أممية حقيقية تضمن تنفيذ ما تم التوافق عليه.

أما سامية، زوجة أحد المحتجزين، فتشير إلى أن المعاناة لا تقتصر على غياب المعيل، بل تمتد إلى ضغوط نفسية واقتصادية قاسية، مؤكدة أن الأطفال «كبروا وهم محرومون من آبائهم»، وأن الأسر لم تعد تحتمل مزيداً من الوعود.

اجتماع يمني سابق في عمان بشأن الأسرى والمعتقلين (الأمم المتحدة)

ويرى مراقبون أن اتفاق مسقط جاء في ظل ضغوط دولية كبيرة لدفع الأطراف اليمنية نحو خطوات بناء ثقة، في وقت لا يزال فيه المسار السياسي الشامل متعثراً.

ويجمع المراقبون الحقوقيون على أن نجاح الاتفاق قد يخفف من حدة التوتر، ويفتح نافذة أمل في جدار الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من أحد عشر عاماً، شرط أن يُترجم الاتفاق إلى أفعال لا بيانات.


الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «الخروج السلس والعاجل للانتقالي»

لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
TT

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «الخروج السلس والعاجل للانتقالي»

لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

على وقع الإجراءات الأحادية لقوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» في المحافظات الشرقية لليمن، جاء البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، الخميس، ليُشكل نقطة ارتكاز حاسمة في مسار احتواء التصعيد، وتثبيت مرجعية الدولة اليمنية، وحماية مركزها القانوني؛ حيث حدّد مسار التهدئة بانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة وتسليم المواقع لقوات «درع الوطن».

البيان السعودي، الذي حظي بترحيب من رئيس «مجلس القيادة الرئاسي» الدكتور رشاد العليمي والحكومة اليمنية، وضع إطاراً عملياً لمعالجة الأزمة، مستنداً إلى الشراكة مع الإمارات في «تحالف دعم الشرعية»، وإلى مرجعيات اتفاق الرياض، وإعلان نقل السلطة، مع تأكيده أن أي معالجة لـ«القضية الجنوبية» لا يمكن أن تتم خارج الحل السياسي الشامل، أو عبر فرض أمر واقع بالقوة.

أكدت السعودية في بيانها دعمها الكامل لرئيس «مجلس القيادة الرئاسي» وأعضاء المجلس والحكومة اليمنية، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والسلام في اليمن، مشددة على أن التحركات العسكرية التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة تمت بشكل أحادي ودون موافقة «مجلس القيادة الرئاسي» أو التنسيق مع قيادة التحالف، الأمر الذي أدّى إلى تصعيد غير مبرر أضر بمصالح الشعب اليمني، وبالقضية الجنوبية نفسها، وبجهود التحالف العربي.

موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» خلال حشد في مدينة عدن (رويترز)

وأوضحت وزارة الخارجية السعودية أن المملكة آثرت خلال الفترة الماضية التركيز على وحدة الصف، وبذل كل الجهود للتوصل إلى حلول سلمية لمعالجة الأوضاع في المحافظتين، في إطار حرصها على تجنيب اليمن مزيداً من التوترات التي قد تنعكس سلباً على مسار السلام الهش.

وفي هذا السياق، كشفت الرياض عن تحرك عملي لاحتواء الموقف، من خلال العمل المشترك مع الإمارات، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية؛ حيث جرى إرسال فريق عسكري مشترك سعودي-إماراتي إلى عدن، لوضع الترتيبات اللازمة مع «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بما يضمن عودة قواته إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وشدّد البيان على أن الجهود متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، مع التعويل على تغليب المصلحة العامة، ومبادرة المجلس الانتقالي بإنهاء التصعيد والخروج السلس والعاجل من حضرموت والمهرة، بما يحفظ السلم المجتمعي، ويمنع الانزلاق نحو مسارات غير محسوبة.

ترحيب رئاسي وحكومي

وجدد العليمي في تدوينة على منصة «إكس» تقديره العالي للموقف الأخوي للسعودية، قيادةً وحكومةً وشعباً، إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية، مشيداً بجهودها الصادقة لخفض التصعيد في المحافظات الشرقية، وحماية المركز القانوني للدولة.

وأكّد العليمي التزام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بالشراكة الوثيقة مع السعودية على مختلف المستويات، والعمل المشترك لتوحيد الصف الوطني، بما يُحقق تطلعات اليمنيين في استعادة مؤسسات الدولة، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام.

جنود موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي» في اليمن يحرسون محيط القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

من جانبها، رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان السعودي، وعدّته موقفاً واضحاً ومسؤولاً إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة، مثمنة الدور القيادي الذي تضطلع به المملكة، بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لدعم مسار التهدئة ومعالجة الأوضاع بروح الشراكة والمسؤولية.

وأكدت الحكومة اليمنية أن استقرار حضرموت والمهرة، وسلامة نسيجهما الاجتماعي، يُمثلان أولوية وطنية قصوى، محذرة من أن أي تحركات أمنية أو عسكرية خارج الأطر الدستورية والمؤسسية، ودون تنسيق مع مجلس القيادة والحكومة والسلطات المحلية، تشكل عامل توتير مرفوضاً، وتحمّل البلاد أعباء إضافية في ظرف بالغ الحساسية.

إجماع حزبي

في موازاة المواقف الرسمية، أصدرت الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية بياناً مشتركاً استنكرت فيه الخطوات التصعيدية الخطيرة، سواء من قبل «المجلس الانتقالي الجنوبي» أو من بعض الوزراء والمحافظين الذين أعلنوا تأييدهم للإجراءات الأحادية، عادّة ذلك خروجاً صريحاً على الشرعية الدستورية، وإعلان نقل السلطة، ومرجعيات الحل السياسي المتوافق عليها وطنياً ودولياً.

وأكدت الأحزاب أن فرض مشروع سياسي بالقوة، وتقويض سلطة الدولة، يُمثل نكوصاً خطيراً عن الوفاق الوطني، وضرباً لأسس الشراكة، وإضعافاً مباشراً لوحدة القرار السيادي، ويمنح جماعة الحوثي فرصاً إضافية لإطالة أمد الحرب وتعقيد مسار السلام.

قوات تابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» في منطقة جبلية بمحافظة أبين (رويترز)

وأشادت الأحزاب بالموقف السعودي الداعم للشرعية الدستورية ووحدة اليمن أرضاً وإنساناً، وبجهود المملكة لمنع الفوضى في المحافظات الشرقية، كما رحّبت ببيان مجلس الأمن الدولي الذي دعا إلى خفض التصعيد، وبموقف الاتحاد الأوروبي الداعم لوحدة اليمن وسيادته.

على المستوى الحزبي الفردي، أكّد حزب «المؤتمر الشعبي العام» -جناح الخارج- أن المرحلة الراهنة شديدة الحساسية، وتتطلب اصطفافاً وطنياً حقيقياً، محذّراً من أن أي خطوات انفرادية لفرض أمر واقع لا تخدم قضية الجنوب ولا معركة استعادة الدولة، بل تصب في مصلحة الانقلاب الحوثي، وتُهدد الأمن القومي العربي.

ودعا جناح الحزب في الخارج جميع الأطراف إلى التراجع عن الإجراءات الأحادية، وتغليب الحوار، ولمّ الشمل، وتوحيد الجهود لمواجهة العدو المشترك، مع تأكيد أن القضايا الوطنية لا تُحل بالقوة أو الإكراه، بل بالحوار والتوافق.

الحوثيون المدعومون من إيران يتربصون بالحكومة الشرعية والمناطق المحررة (إ.ب.أ)

بدوره، شدد «الحزب الاشتراكي اليمني» على تمسكه بوحدة الحكومة واتفاق الرياض، ورفضه أي إجراءات تقوض التوافق الوطني، محذّراً من أن الزج بالحكومة في حالة الاستقطاب السياسي سيقود إلى العجز والشلل، وينعكس سلباً على حياة المواطنين ومعيشتهم.

وأكد الحزب أن حكومة الشراكة الوطنية تُمثل المنجز الأبرز لاتفاق الرياض، وأن الحفاظ على وحدتها شرط أساسي لمواجهة التمرد الحوثي ومشروعات التفكيك، داعياً إلى إنهاء الاحتقان داخل مؤسسات الدولة، واستعادة وحدة القرار السياسي والعسكري.

ويجمع سياسيون يمنيون على أن الرسالة السعودية حملت توازناً دقيقاً بين دعم الشرعية، واحترام خصوصية القضية الجنوبية، والتحذير من الانزلاق نحو مسارات قد تعصف بالسلم المجتمعي، وتبدد ما تبقى من فرص السلام، في وقت لا تزال فيه البلاد تخوض معركة وجودية ضد الجماعة الحوثية والتنظيمات المتخاصمة معها.


العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
TT

العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)

يصوت سكان العاصمة الصومالية ​مقديشو اليوم الخميس في انتخابات بلدية تهدف إلى تمهيد الطريق لأول انتخابات وطنية مباشرة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا منذ أكثر من نصف قرن.

وباستثناء انتخابات منطقة بونتلاند شبه المستقلة ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، أجرى الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1969، قبل أشهر من سيطرة الجنرال محمد سياد بري على السلطة في انقلاب. وبعد سنوات من الحرب الأهلية التي أعقبت ‌سقوط بري ‌عام 1991، تم تبني طريقة الانتخابات غير ‌المباشرة ⁠عام ​2004. ‌وكان الهدف هو تعزيز التوافق بين القبائل المتنافسة في مواجهة حركةٍ مسلحة، على الرغم من أن بعض الصوماليين يرون أن السياسيين يفضلون الانتخابات غير المباشرة لأنها تتيح فرصا للفساد.

وبموجب هذا النظام، ينتخب ممثلون للقبائل أعضاء البرلمان، الذين يختارون بعد ذلك الرئيس. ويتولى الرئيس بدوره مسؤولية تعيين رئيس بلدية مقديشو. ويُنظر لانتخابات مقديشو، المدينة التي ⁠يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة والتي تحسنت الأوضاع الأمنية بها خلال السنوات القليلة ‌الماضية على الرغم من استمرار وقوع ‍هجمات يشنها مسلحو «حركة الشباب» ‍المرتبطة بتنظيم القاعدة، على أنها بمثابة اختبار قبل إجراء انتخابات ‍مباشرة على المستوى الوطني.

وقال عبد الشكور أبيب حير عضو لجنة الانتخابات الوطنية إن حوالي 1605 مرشحين سيتنافسون اليوم الخميس على 390 مقعدا بالمجالس المحلية بمقديشو. وسيختار هؤلاء الأعضاء بعد ذلك رئيسا للبلدية. وذكر حير لرويترز «هذا يظهر أن الصومال يقف على قدميه ويمضي قدما... وبعد الانتخابات المحلية، يمكن وسيتم إجراء الانتخابات في جميع ⁠أنحاء البلاد».

وأعاد قانون صدر عام 2024 حق الاقتراع العام قبل الانتخابات الاتحادية المتوقعة العام المقبل. ومع ذلك، توصل الرئيس حسن شيخ محمود في أغسطس آب إلى اتفاق مع بعض قادة المعارضة ينص على أنه بينما سيتم انتخاب النواب مباشرة في عام 2026، سيظل البرلمان هو من يختار الرئيس.

وتقول أحزاب معارضة إن الانتقال سريعا لتطبيق نظام انتخابي جديد من شأنه أن يعزز فرص إعادة انتخاب محمود. ويتساءلون كذلك عما إذا كانت البلاد آمنة بما يكفي لإجراء انتخابات شاملة نظرا لسيطرة حركة الشباب على مساحات شاسعة من المناطق ‌الريفية فضلا عن أنها تشن غارات بشكل متكرر على مناطق سكانية رئيسية.