حمّل رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، بعض قوى المجتمع الدولي المسؤولية عن عدم إجراء الانتخابات في بلاده، ودعا خلال حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة، إلى دعم الذهاب إلى صناديق الاقتراع «دون تدخلات».
وتحدث السياسي الليبي البارز عن رؤيته لـ«اتفاق الصخيرات» الذي قال إنه يجب عدم العودة إليه لتجاوز الأزمة الراهنة، معرباً عن اعتقاده أنه «من المستحيل» تنظيم لقاء بين قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج. واعتبر أن دعم قطر وتركيا لـ«إرهابيين» في طرابلس أحد مسببات تأخر حسم معارك الجيش، لكنه أشار إلى أن ذلك الدعم «لن يثني الجيش عن استمرار تحركاته». وفيما يلي نص الحوار:
> لماذا لا نرى تقدماً في المسار السياسي في ليبيا برأيكم؟
- المسار السياسي منذ البداية كان خاطئاً، ومن ثمّ فالنهايات بكل تأكيد خاطئة، وكان من المفترض أن يقوم المبعوث الأممي السابق، مارتن كوبلر، بمساعدة ليبيا على تفعيل القوانين التي تُنظم السلطات، خصوصاً أنها دولة مستقلة ولديها قوانين ومجلس نواب منتخب ودستور ومحاكم، وطريقة انتقال السلطة في هذه الحالات معروفة، لكن ما حدث أن جماعة «الإخوان» التي لم تحصل على مقاعد في مجلس النواب قلبت الأمور، وترك المجتمع الدولي الدستور ومجلس النواب المنتخب، وبدأ يتعامل مع حكومة قام باختيارها، وبالتالي لا يُمكن للشعب الليبي القبول بحكومة تم فرضها باتفاق دولي وليس وفق اختياره، والقرارات الدولية التي تم فرضها لا مبرر لها، وكان من المفترض أن يكون الوسيط الأممي وسيطاً عادلاً لكل الأطراف وليس مجرد موظف لدى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
> لكن اتفاق الصخيرات وافق عليه الجميع...
- لم يُفوض الشعب الليبي من شاركوا في اتفاق الصخيرات، لأن الشرعية تُمنح من الشعب وليس من الخارج، وكان من المهم العودة إلى الدستور والمحاكم المحلية، والجميع في ليبيا لا يعرف هؤلاء المغمورين الذين تم فرضهم على الشعب من الخارج، وهذه الأخطاء هي التي أدت إلى تأخر الحل السياسي في ليبيا، واليوم نحتاج إلى أن يرفع الجميع يده عن ليبيا، وأن تكون المساعدة في إجراء الانتخابات.
> هل يعني ذلك أنكم تريدون تجاوز اتفاق الصخيرات؟
- لن نعود لموضوع الصخيرات، حتى لا تظل الأزمة لسنوات، وإنما نريد الذهاب لإجراء الانتخابات، وإذا كان السراج يمتلك شعبية فليتفضل إلى صندوق الاقتراع.
> هل الموقف الراهن في ليبيا ملائم لإجراء الانتخابات؟
- في الواقع هناك 85 في المائة من الشعب الليبي مع الانتخابات، وهي الطريق الوحيدة للحل، كما أن الليبيين يرفضون كل ما يُفرض عليهم من الخارج، ونحن شعب واحد ونسيج اجتماعي متماسك، لكن الذي يعطل هو التدخل الخارجي، حيث تتعارض مصالح الدول، ومن ثم تعارض مصالح الليبيين، لذا فإن الحل هو طريق الانتخابات وتأمينها.
> كيف تصل ليبيا إلى مرحلة في إجراء الانتخابات؟
- عبر دعم بلا تدخل من المجتمع الدولي، لأننا في مرحلة دقيقة ومفصلية ولا تحتمل التأجيل والذهاب إلى مسارات ثبت فشلها حتى اليوم، كما أن الانتظار أكثر من ذلك يعني السماح للمجموعات الإرهابية بالعبث بأمن واستقرار ووحدة البلاد، وإطالة أمد الأزمة.
> على وجه الدقة؛ متى تتوقع إجراء الانتخابات؟
- في بداية العام المقبل أو خلال العام نفسه الذي يشهد تشكيل الحكومة.
> سبق وأن تم الإعلان عن إجراء الانتخابات في ليبيا غير أنها تعثّرت، لماذا حدث ذلك برأيكم؟
- للأسف المجتمع الدولي غير جاد في المسار المتعلق بالانتخابات، ونحن في مجلس النواب أصدرنا قانوناً للاستفتاء على الدستور منذ أكثر من 6 أشهر، وكان من المفترض أن يطلب المبعوث الأممي غسان سلامة من السراج (فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني) الذي يسيطر على المال في البنك المركزي تمويل العملية الانتخابية، ولكن لم يحدث لأنهم يعرفون مسبقاً أن نتائج الانتخابات لن تكون في مصلحة السراج ومجموعته، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات مرهون بكلمة واحدة؛ تحديد الموعد والتنفيذ.
> وإذا تأخرت هذه الكلمة، هل سيبقى الوضع على ما هو عليه حالياً؟
- لا طبعاً؛ فلدينا الجدية الكاملة في هذا الاتجاه بمجرد تحرير العاصمة، لأن من يعارض إجراء الانتخابات، المجموعات الإرهابية والمطلوبون دولياً ومحلياً الذين يقتلون المواطنين على مدار الساعة.
> ماذا عن البيئة الأمنية المناسبة للانتخابات... هل هي متوفرة؟
- من الممكن أن يتولى الأمر الجيش الوطني الليبي، والاتحاد الأفريقي، والمجتمع الدولي، وسبق أن أجريت انتخابات في العراق ووقعت عمليات تفجير، المهم ألا نترك الإرهاب يعبث بالبلاد والعباد.
> ما دور البرلمان في الحل السياسي حالياً؟
- بعد تحرير العاصمة لدينا اتجاه لتشكيل حكومة وطنية تضم في عناصرها ممثلين عن كل ليبيا مع توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين ثم الإعداد لإجراء الانتخابات، وإصدار القرارات المطلوبة ولن نخضع لمن يعطل المسار الديمقراطي في البلاد.
> هل من الممكن أن تنجح واشنطن في إتمام لقاء توافقي بين حفتر والسراج؟
- التوافق واللقاء بين حفتر والسراج مستحيل، خصوصاً بعد قتل الليبيين واتهام رئيس المجلس الرئاسي بذلك.
> كيف تنظرون لاستمرار حظر تسليح الجيش الليبي؟
- بكل أسف هذا من بين أسباب الخلل في التعامل مع الملف الليبي، أن يجري تمويل الميليشيات الإرهابية بأحدث الأسلحة المتطورة لنشر الفوضى والإرهاب، في حين أن «الجيش الوطني» أصلح ما لديه من طائرات لمحاربة الإرهاب.
> لكن مجلس الأمن أصدر أخيراً قراراً بمنع تهريب السلاح إلى ليبيا عبر البحر بعد الشحنة التركية التي تم ضبطها...
- العبرة بالتنفيذ وليس بإصدار القرارات التي تظل حبراً على ورق، وكذلك بمدى جدية المجتمع الدولي في تصحيح المسارات الخاطئة، ونحن نتمنى ذلك.
> وكيف تديرون العلاقة مع المبعوث الأممي غسان سلامة في البرلمان؟
- قمنا بتوجيه النصيحة له لتصحيح المسار، وهو ملتزم بحكومة الوفاق التي لا تعتبر طرفاً في الحوار، وسبق للبرلمان أن رفض هذه الحكومة ولم تحصل على الثقة، ومن المفترض أن يتم استبدال ما رفضه البرلمان المنتخب والشرعي، وأن يتم ترشيح من يحظى بالثقة داخل البرلمان.
> وماذا عن الحكومة الموازية (المؤقتة)؟
- في الحقيقة هي الحكومة الشرعية التي حصلت على ثقة البرلمان، وحكومة الوفاق هي التي تطلق عليها اسم «الحكومة الموازية»، وللأسف المبعوث الأممي يلتقي مع حكومة السراح 6 مرات، بينما يقتصر الأمر على اللقاء معنا مرة واحدة.
> ما ملاحظاتكم على تقرير المبعوث الأممي في مجلس الأمن؟
- لدينا تساؤل بشأن عدم الإعلان صراحة عن اسم تركيا بشأن شحنات السلاح التي يتم إرسالها عبر البحر والدعم الذي تقدمه، وكذلك لماذا لم يتحدث عن الرواتب التي يدفعها السراج للميليشيات من المال العام الليبي؟ وأيضاً لماذا لم يتناول تأمين الجيش الوطني الليبي لحقول النفط بينما يتم إيداع دخل النفط في البنك المركزي لدفع رواتب للميليشيات والمرتزقة؟ وبالتالي من المفترض أن يغير المبعوث الأممي سياساته، أو أن تعين الأمم المتحدة مبعوثاً جديداً لأنه حتى فكرة دعم حكومة السراج لم تعد مقبولة لدى المجتمع الدولي، وأصبح أمرها مكشوفاً للعالم كله بعد ضبط إرهابيين مطلوبين دولياً ومحلياً يقتلون المواطنين في طرابلس، كما أن السراج أمضى 4 سنوات ولم يفعل شيئاً وهي مدة كافية للتغيير.
> هل تعتقدون أن معركة طرابلس توشك على الانتهاء؟
- مدينة طرابلس مكتظة بالسكان، والحرب على الإرهاب ليست نظامية أو حتى حرب شوارع، وإنما تجري داخل المساكن، وفي الشقق والفيلات، وبالتالي الجيش لديه خطة محكمة للتحرك حفاظاً على أرواح المدنيين، ومن هنا فالتأني أمر مطلوب كما حدث في درنة، ومناطق أخرى.
> لكن رئيس حكومة الوفاق يتهم الجيش الوطني الليبي بالهجوم على طرابلس، ويرفض اعتباره حرباً ضد الإرهاب...
- المؤسسة العسكرية تعد صمام الأمان للوطن وضمان ووحدته وهي مسؤولة عن حماية الدستور ومؤسسات الدولة وحقوق وحريات المواطنين وأيضا مسؤولة عن حماية الديمقراطية عبر صناديق الانتخابات، وكذلك هي معنية بالحالة المدنية وانتقال السلطة للمدنيين... فهل من المعقول أن يبقى الجيش الليبي مكتوف الأيدي وغير قادر على التعامل مع ميليشيا فلان وعلان التي تعبث بالوطن والمواطنين؟!
> هل ترون دوراً لقطر وتركيا فيما يتعلق بدعم المجموعات التي يعتبرها الجيش «إرهابية» في طرابلس؟ وهل يؤثر ذلك على تأخر حسم المعارك؟
- هذا من المسببات، ولكنه لن يُثني الجيش الليبي عن القيام بواجبه تجاه أمن واستقرار الوطن.
> كيف تنظرون لردود الفعل الدولية على عملية طرابلس؟ تعتبرونها تفهماً أم هجوماً؟
- أظن أن المجتمع الدولي بدأ يفهم ما يحدث في ليبيا؛ ودليل ذلك أنه لم تحدث إدانة من مجلس الأمن لما يقوم به الجيش الليبي.
> وماذا عن دور الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية في الحل السياسي؟
- مع احترامي للجميع؛ فالحقائق غائبة عن صانع القرار، وهناك من لا يعرف حقيقة تركيبة الشعب الليبي، بينما كان الموقف الصريح والواضح منذ البداية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن أنه مع الشرعية، والجيش الوطني، والبرلمان ودوره في تصحيح المسار السياسي.
> هل اتفقت خلال لقائك مع الرئيس السيسي أخيراً على طبيعة ما تقدمه مصر لليبيا خلال المرحلة المقبلة؟
- الرئيس السيسي أكد تقديم كامل الدعم للجيش الوطني لمكافحة الإرهاب، ودعم احترام سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، ورفض أشكال التدخل كافة، وكذلك دعم دور البرلمان باعتباره المصدر الرئيسي للشرعية الفعلية في ليبيا، وكان اللقاء صريحاً وواضحاً.
> هل ترون الموقفين الفرنسي والإيطالي بشأن ليبيا متقاربين أم متضاربين؟
- حالة فرنسا مختلفة نسبياً، فهي مع المسار الديمقراطي وإجراء الانتخابات، أما إيطاليا فعلاقاتها مع طرابلس قديمة وترى أنها ليبيا، وتحاول الحفاظ على مصالحها بينما المصالح المتبادلة والتعهدات الدولية يحترمها الجميع، وليست مرتبطة بشخص السراج أو غيره.