إيداع رئيس الوزراء الجزائري السابق أويحيى السجن المؤقت

على خلفية وقائع فساد مرتبطة برجال أعمال مقربين منه

جزائريون يلتقطون صورا لأويحيى داخل سيارة الأمن قبل اقتياده للسجن أمس (أ.ف.ب)
جزائريون يلتقطون صورا لأويحيى داخل سيارة الأمن قبل اقتياده للسجن أمس (أ.ف.ب)
TT

إيداع رئيس الوزراء الجزائري السابق أويحيى السجن المؤقت

جزائريون يلتقطون صورا لأويحيى داخل سيارة الأمن قبل اقتياده للسجن أمس (أ.ف.ب)
جزائريون يلتقطون صورا لأويحيى داخل سيارة الأمن قبل اقتياده للسجن أمس (أ.ف.ب)

قال مسؤول قضائي بـ«المحكمة العليا» بالجزائر لـ«الشرق الأوسط»، إن قاضي التحقيق بها أمر أمس بإيداع رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الحبس المؤقت بتهم فساد مرتبطة برجال أعمال مقربين منهم.
وقضى «رجل المهام القذرة»، كما يسمي هو نفسه، أمس، أول ليلة له بسجن الحراش، الواقع بالضاحية الجنوبية للعاصمة، حيث يقبع رجال الأعمال الذين كان سببا في ثرائهم غير المشروع، بحسب التهم التي وجهتها له النيابة العامة.
واستغرقت جلسة استجواب أويحيى من طرف قاضي التحقيق بالمحكمة العليا ثلاث ساعات. ودار التحقيق خلالها حول امتيازات تفضيلية تخص مشروعات وصفقات حكومية، منحها عندما كان رئيسا للوزراء للملياردير محيي الدين طحكوت، الذي سجن الاثنين، رفقة ابنه واثنين من أشقائه بتهم غسل أموال، ولرجل الأعمال الكبير علي حداد، وللإخوة كونيناف الثلاثة، أصحاب ثروة كبيرة كونوها خارج القانون.
ورد على التهم نفسها وزير الأشغال العمومية سابقا عبد الغني زعلان، الذي ظل بمكتب قاضي التحقيق لساعات طويلة قبل أن يوضع قيد الرقابة القضائية أمس. وكان زعلان مديرا لحملة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عندما ترشح لولاية خامسة، تخلى عنها في النهاية تحت ضغط الحراك الشعبي ثم استقال.
وسأل قاضي تحقيق في أعلى هيئة بالقضاء المدني في الجزائر، رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، أمس، بصفته متهماً، عن علاقته بملياردير يوجد حالياً بالسجن، وعن المشروعات التي مكّنه منها خارج القانون، والتي كوّن بفضلها ثروة كبيرة. ويواجه أويحيى تهماً عدة تعود إلى فترتي رئاسته الحكومة (2008 - 2010) و(2017 - 2019)، أخطرها «منح امتيازات غير مستحقة لرجال أعمال، مقابل رشوة».
ودخل أويحيى إلى «المحكمة العليا» بعد منتصف النهار، محاطاً بحرسه الشخصي، الذي احتفظ به بعد مغادرته السلطة في مارس (آذار) الماضي. ولوحظ وجود مكثف لوسائل الإعلام ورجال الأمن بالمكان، الذي شهد أمس تسليم وتسلم مهام؛ بين رئيس المحكمة العليا القديم سليمان بودي المحسوب على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ورئيسها الجديد رشيد طبي.
في المقابل؛ أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن أويحيى أبعد عن نفسه كل شبهة فساد، ونقل عنه قوله أثناء التحقيق إن كل الصفقات والمشروعات، التي فاز بها محيي الدين طحكوت كانت في إطار قوانين الاستثمار والصفقات الحكومية، مشيرا إلى أن رجل الأعمال، الذي بدأ مساره بائع خضراوات ولحوم - شارك في مناقصات تخص مجال نشاطه مع رجال أعمال ومستثمرين، وفاز بها من دون تدخل أي جهة حكومية لصالحه.
وأوضح المصدر القضائي أن رجل الأعمال البارز محيي الدين طحكوت ذكر لقاضي التحقيق، قبل أن يودعه رهن الحبس المؤقت الاثنين الماضي، أنه استفاد من صفقات حكومية ضخمة بفضل قربه من أويحيى، خصوصاً مشروع نقل الطلبة عبر آلاف الحافلات التي يملكها، وهو نشاط حصري له منذ سنين طويلة. وقد أشيع في وقت سابق أن أويحيى شريك له في مؤسسة نقل الطلبة. لكن رئيس الوزراء السابق نفى ذلك منذ سنوات خلال مؤتمر صحافي.
يذكر أنه تم أيضاً سجن ابن طحكوت واثنين من أشقائه. كما تجدر الإشارة إلى أنه لأول مرة يمثل رئيس وزراء أمام هيئة قضائية متهماً.
وكانت النيابة العامة قد استجوبت منتصف مايو (أيار) الماضي أحمد أويحيى ومسؤولين آخرين في قضية فساد، المتّهم الرئيسي فيها هو علي حداد، رجل الأعمال المقرّب من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والموجود رهن الحبس منذ توقيفه في 31 مارس الماضي، بينما كان يحاول مغادرة الجزائر عبر الحدود التونسية.
واستفاد حدّاد وطحكوت من صفقات حكومية ضخمة، وكانا من أبرز الممولين للحملات الانتخابية طوال 20 سنة من حكم بوتفليقة، خصوصاً في انتخابات 2014.
وأعلنت المحكمة العليا في وقت سابق عن متابعة رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال، ووزراء عديدين، وولاة سابقين، بتهم فساد مرتبطة برجال أعمال، من بينهم «الإخوة كونيناف» الثلاثة (رهن الحبس المؤقت).
في غضون ذلك، يبدي قطاع واسع من الجزائريين شكوكاً في جدية هذه المتابعات، ويعدّونها «تصفية حسابات بين أجنحة النظام». فيما يراها آخرون «طريقة لكسب رضا الحراك عن طريق إيهام الملايين بأن السلطة بصدد تحقيق مطالبهم»، ومن بينها محاسبة رموز «النظام البوتفليقي».
وفي هذا السياق، ثار جدل سياسي وقانوني كبير حول أهلية الجهة القضائية التي تتابع أويحيى وسلال؛ إذ لا يجوز دستورياً متابعة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلا من طرف «المحكمة العليا للدولة»، وهي هيكل قضائي لم ينصب منذ أن جاءت به مراجعة الدستور عام 1996. لكن تحت ضغط الحراك المطالب بـ«إنزال العقاب على رموز الفساد»، اختارت السلطة أعلى مؤسسات القضاء المدني لمتابعتهما.
كما يثار جدل كبير حول الجهة التي أمرت بهذه المتابعات، وهي قيادة المؤسسة العسكرية التي يمنعها الدستور من التدخل في شؤون السياسة والقضاء.
وكان الجنرال قايد صالح، رئيس أركان الجيش، قد صرَح في 20 مايو الماضي بأن «التحدي الكبير الذي تواجهه الدولة يتمثل في محاربة الفساد، الذي أصبحت له امتدادات سياسية ومالية وإعلامية، ولوبيات متعددة متغلغلة في مؤسسات البلاد»، مؤكدا أن «النهج المتبع في مجال مكافحة الفساد استلزم رصد وتفكيك كافة الألغام المزروعة في مختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها، وهو نهج يرتكز على أساس متين وصلب، لأنه مبني على معلومات صحيحة ومؤكدة، ويستند إلى ملفات ثابتة القرائن... ملفات كثيرة وثقيلة؛ بل وخطيرة، مما أزعج (العصابة)، وأثار رعبها».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».