موسكو وكييف تشددان على صمود اتفاق وقف النار رغم وقوع انتهاكات طفيفة

قادة الانفصاليين مصرون على الاستقلال.. والخارجية الروسية تهدد بالرد إذا مضت أوروبا في فرض عقوباتها

عودة مظاهر الحياة العادية إلى مدينة ماريوبول الساحلية بجنوب شرقي أوكرانيا أمس غداة توقيع اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)
عودة مظاهر الحياة العادية إلى مدينة ماريوبول الساحلية بجنوب شرقي أوكرانيا أمس غداة توقيع اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)
TT

موسكو وكييف تشددان على صمود اتفاق وقف النار رغم وقوع انتهاكات طفيفة

عودة مظاهر الحياة العادية إلى مدينة ماريوبول الساحلية بجنوب شرقي أوكرانيا أمس غداة توقيع اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)
عودة مظاهر الحياة العادية إلى مدينة ماريوبول الساحلية بجنوب شرقي أوكرانيا أمس غداة توقيع اتفاق وقف النار (أ.ف.ب)

كشفت الساعات الأولى التي أعقبت التوقيع على «بروتوكول» وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في جنوب شرقي أوكرانيا عن عزم هذه الأطراف على تنفيذ بنود الاتفاق والسعي نحو تسوية القضايا الخلافية حول مائدة المفاوضات.
ورغم إعلان زعماء الانفصاليين عن وقوع بعض الانتهاكات التي وصفوها بالطفيفة، وعزوها إلى احتمالات عدم وصول الأوامر إلى المناطق مصدر هذه الانتهاكات، أكد إيغور بلوتنيتسكي رئيس «جمهورية لوغانسك الشعبية» أن لوغانسك وكذلك دونيتسك ملتزمتان ببذل كل ما في وسعهما من أجل بلوغ التسوية السلمية للنزاع القائم، مؤكدا أنهما تتوجهان عن وعي صوب وقف العمليات الهجومية، وهو ما يعتبره الضمانة الأساسية لتنفيذ التزام وقف إطلاق النار، فضلا عن أنهما تعربان عن يقينهما وثقتهما في إمكانية التعاون مع كييف الرسمية من أجل الحفاظ على أمن وسلامة جميع المواطنين. وأكد أن «تنفيذ الاتفاق لا يعني تراجع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك عن الرغبة في الاستقلال عن أوكرانيا، وأنهم سوف تواصلان العمل من أجل تحقيق هذا الهدف»، مشيرا إلى أن «تنفيذ وقف إطلاق النار إجراء اضطراري». وأضاف بلوتنيتسكي أن «تنفيذ بنود الاتفاق بشأن وقف إطلاق النار يتطلب توافر إرادة سياسية، وقد شعرنا بأن لدى الجميع الرغبة في تنفيذ هذا الاتفاق».
أما ألكسندر زاخارتشينكو رئيس حكومة «جمهورية دونيتسك الشعبية» فأشار إلى أن «المشاركين في مفاوضات مينسك لم يتطرقوا إلى بحث الوضع القانوني لجنوب شرقي أوكرانيا»، مؤكدا أن «هذه المسألة لا تشغل موقع الصدارة أو الأولوية، نظرا لأن الأهم الآن هو وقف إراقة الدماء».
وبينما رحبت إدارة الكرملين على لسان ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئيس فلاديمير بوتين، بالتوصل إلى توقيع اتفاق إطلاق النار وأعربت عن الأمل في تحول كل الأطراف إلى تنفيذ بقية بنود الاتفاق، أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أنه سيعمل اعتبارا من أمس السبت من أجل تطبيق مبدأ عدم مركزية السلطة وتطبيق الحرية الاقتصادية وتوفير الضمانات اللازمة لاستخدام اللغات غير الأوكرانية في هذه الأراضي دفاعا عن التقاليد الثقافية. وأعلنت الرئاسة الأوكرانية في وقت لاحق أن الرئيسين بوروشينكو وبوتين أعلنا في محادثة هاتفية أن وقف إطلاق النار «محترم بشكل إجمالي»، وأنهما «بحثا في الإجراءات التي يتعين اتخاذها ليكون لوقف إطلاق النار طابع دائم».
وكانت فصائل الانفصاليين بدأت إجراءات تسليم الأسرى والمحتجزين من القوات الأوكرانية اعتبارا من أمس، انتظارا لتسلم ما لدى الجانب الآخر من معتقلين وأسرى قالت كييف الرسمية إن تسليمهم سيجري اعتبارا من يوم غد الاثنين، بموجب نص الاتفاق حول ضرورة تبادل الأسرى والمحتجزين وفق مبدأ «الجميع مقابل الجميع». وكانت قيادة الانفصاليين أعلنت عن ضرورة أن يشمل الاتفاق المحتجزين من خارج حدود الجمهوريتين اللتين أعلنتا انفصالهما من جانب واحد، أي من مدن أوديسا وخاركوف وماريوبول وغيرها من المدن الأوكرانية. ونقلت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» عن المصادر الأوكرانية ما ذكرته حول أن المعارك التي دارت منذ بداية اندلاع المواجهة المسلحة أسفرت عن مصرع 2600 من الأوكرانيين بمن فيهم 837 من أفراد القوات الحكومية.
وتعليقا على بعض جوانب الأزمة الأوكرانية، انتقد غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسية، في حديث صحافي أدلى به إلى وكالة أنباء «ريا نوفوستي»، تجميد مشروع القرار الذي كانت تقدمت به روسيا إلى الأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في أوكرانيا. وقال إن «العمل على مشروع القرار الروسي حول الوضع الإنساني في أوكرانيا لا يزال مستمرا»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن عملية تنسيقه من قبل أعضاء المجلس تجمدت. وأشار المسؤول الروسي إلى أن بلاده سوف تواصل العمل من أجل معاودة النظر في هذه الوثيقة التي قال إن الشركاء الغربيين يواصلون التمسك بمواقفهم المعارضة لها، مشيرا إلى أنها «كانت تستهدف ضمنا توجيه جهود المجتمع الدولي إلى وقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي بين الطرفين». وفيما كشف عن معارضة بلاده لما تطرحه البلدان الغربية من تعديلات، لم يستبعد غاتيلوف مواصلة التعاون مع ممثلي هذه البلدان للتوصل إلى الحلول المنشودة. واستطرد ليقول إن موسكو أقرت إرسال المزيد من المعونات الإنسانية بما في ذلك عبر السكك الحديدية، وأبلغت بذلك الصليب الأحمر الذي تبحث معه حاليا تفاصيل ومسارات القافلة الثانية.
ومضى غاتيلوف ليشير إلى أن روسيا لم تحصل حتى الآن على رد الأمم المتحدة حول سير التحقيق في ملابسات مأساة أوديسا التي وقعت في 2 مايو (أيار) الماضي وأسفرت عن مصرع 48 من أبناء المدينة، إلى جانب أحداث ماريوبول، وغيرهما من الكوارث التي شهدتها أوكرانيا منذ اندلاع النزاع هناك. وقال أيضا «إن أمانة الأمم المتحدة لم تبلغ روسيا حتى اليوم بنتائج التحقيق في حادث استخدام المروحيات التي تحمل علامات الأمم المتحدة في العملية العسكرية التي تجريها القوات الأوكرانية».
وكانت المصادر الروسية تناقلت ما صدر عن الزعماء الغربيين، ومنهم الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حول تطبيق المرحلة الرابعة من العقوبات ضد روسيا. ونقلت وكالة «ريا نوفوستي» الروسية ما قاله أوباما حول أن «الولايات المتحدة وأوروبا تنهيان إعداد تدابير موجهة إلى تعميق وتوسيع العقوبات السارية على قطاعي المال والطاقة الروسيين ومجمعاتها الصناعية العسكرية»، مضيفا «أعلم أن الأوروبيين حتى هذه المرحلة يناقشون الصيغة النهائية لتدابير عقوباتهم». ومضت لتشير إلى ما قاله حول أنه «إذا تم تنفيذ جميع عناصر الخطة المتفق عليها فعليا، فمن الممكن رفع العقوبات المفروضة ضد روسيا»، وهو ما قال إن الولايات المتحدة ستتشاور بشأنه مع الشركاء الأوروبيين.
وكانت «ريا نوفوستي» أشارت أيضا، نقلا عن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى ما صدر عنهم من تصريحات تقول إن «العقوبات ضد روسيا يمكن أن ترفع إذا تمسك طرفا النزاع بوقف إطلاق النار عمليا وبدآ في تسوية الوضع». ومن جانبه، أعرب مكتب الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا عن ترحيبه بالاتفاق حول وقف إطلاق النار، مؤكدا ضرورة التزام الجميع بكل بنوده، فيما أشار المكتب في البيان الذي أصدره بهذا الشأن إلى أنه «سيواصل متابعة تطور الأحداث على الحدود الروسية الأوكرانية وانسحاب الوحدات العسكرية غير الشرعية وكذلك القوات التي تعمل في الأراضي الأوكرانية بشكل غير شرعي». وأكد مكتب الاتحاد الأوروبي كذلك «استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم كل الجهود الرامية إلى تنفيذ هذا الاتفاق بما في ذلك عبر منظمة الأمن والتعاون الأوروبي».
وأصدرت الخارجية الروسية أمس بيانا حذرت فيها من أنها سترد في حال فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية جديدة عليها، وذلك غداة إعلان الاتحاد الأوروبي عن اتفاق مبدئي بهذا الصدد بسبب دور موسكو في الأزمة في أوكرانيا. وجاء في بيان الخارجية الروسية أنه «بالنسبة لقائمة العقوبات الجديدة من الاتحاد الأوروبي، فإذا تمت المصادقة عليها فسيكون هناك رد بلا شك من جانبنا».



ميلي يدعو من روما إلى إقامة تحالف يميني عالمي

ميلوني وميلي في تجمع «إخوان إيطاليا» بروما السبت (أ.ب)
ميلوني وميلي في تجمع «إخوان إيطاليا» بروما السبت (أ.ب)
TT

ميلي يدعو من روما إلى إقامة تحالف يميني عالمي

ميلوني وميلي في تجمع «إخوان إيطاليا» بروما السبت (أ.ب)
ميلوني وميلي في تجمع «إخوان إيطاليا» بروما السبت (أ.ب)

دعا الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي إلى توحيد قوى اليمين العالمية في منظمة جامعة لـ«محاربة اليسار والاشتراكية، تكون مثل الكتائب الرومانية قادرة على دحر جيوش أكبر منها».

جاء ذلك في الخطاب الناري الذي ألقاه، مساء السبت، في روما، حيث لبّى دعوة رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، ليكون ضيف الشرف في حفل اختتام أعمال المهرجان السياسي السنوي لشبيبة حزب «إخوان إيطاليا»، الذي تأسس على ركام الحزب الفاشي. وقدّمت ميلوني ضيفها الذي يفاخر بصداقته لإسرائيل والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بوصفه «قائد ثورة ثقافية في دولة صديقة، يعرف أن العمل هو الدواء الوحيد ضد الفقر».

«مسؤولية تاريخية»

ميلوني لدى استقبالها ميلي في قصر شيغي بروما الجمعة (إ.ب.أ)

قال ميلي إن القوى والأحزاب اليمينية في العالم يجب أن تكون في مستوى «المسؤولية التاريخية» الملقاة على عاتقها، وإن السبيل الأفضل لذلك هي الوحدة وفتح قنوات التعاون على أوسع نطاق، «لأن الأشرار المنظمين لا يمكن دحرهم إلا بوحدة الأخيار التي يعجز الاشتراكيون عن اختراقها». وحذّر ميلي من أن القوى اليمينية والليبرالية دفعت ثمناً باهظاً بسبب تشتتها وعجزها أو رفضها مواجهة اليسار متّحداً، وأن ذلك كلّف بلاده عقوداً طويلة من المهانة، «لأن اليسار يُفضّل أن يحكم في الجحيم على أن يخدم في الجنة».

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث مع رئيس الأرجنتين خافيير ميلي في مارالاغو 14 نوفمبر (أ.ف.ب)

ليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها ميلي مثل هذه الفكرة، التي سبق وكررها أكثر من مرة في حملته الانتخابية، وفي خطاب القَسَم عندما تسلّم مهامه في مثل هذه الأيام من العام الماضي. لكنها تحمل رمزية خاصة في المدينة التي شهدت ولادة الحركة الفاشية العالمية على يد بنيتو موسوليني في عشرينات القرن الماضي، وفي ضيافة أول رئيسة يمينية متطرفة لدولة مؤسسة للاتحاد الأوروبي تحاول منذ وصولها إلى السلطة عام 2022 الظهور بحلة من الاعتدال أمام شركائها الأوروبيين.

جدل الجنسية الإيطالية

قال ميلي: «أكثر من شعوري بأني بين أصدقاء، أشعر أني بين أهلي» عندما أعلنت ميلوني منحه الجنسية الإيطالية، لأن أجداده هاجروا من الجنوب الإيطالي مطلع القرن الفائت، على غرار مئات الألوف من الإيطاليين. وأثار قرار منح الجنسية للرئيس الأرجنتيني انتقادات شديدة من المعارضة الإيطالية التي تطالب منذ سنوات بتسهيل منح الجنسية للأطفال الذين يولدون في إيطاليا من أبوين مهاجرين، الأمر الذي تُصرّ ميلوني وحلفاؤها في الحكومة على رفضه بذريعة محاربة ما وصفه أحد الوزراء في حكومتها بأنه «تلوّث عرقي».

ميلوني قدّمت الجنسية الإيطالية لميلي (رويترز)

وكان ميلي قد أجرى محادثات مع ميلوني تناولت تعزيز التعاون التجاري والقضائي بين البلدين لمكافحة الجريمة المنظمة، وتنسيق الجهود لمواجهة «العدو اليساري المشترك»، حسب قول الرئيس الأرجنتيني الذي دعا إلى «عدم إفساح أي مجال أمام هذا العدو، لأننا أفضل منهم في كل شيء، وهم الخاسرون ضدنا دائماً».

وانتقدت المعارضة الإيطالية بشدة قرار التلفزيون الرسمي الإيطالي بثّ خطاب ميلي مباشرةً عبر قناته الإخبارية، ثم إعادة بث مقتطفات منه كان قد دعا فيها إلى «عدم اللجوء إلى الأفكار لاستقطاب أصوات الناخبين» أو إلى عدم إقامة تحالفات سياسية مع أحزاب لا تؤمن بنفس العقيدة، «لأن الماء والزيت لا يمتزجان»، وشنّ هجوماً قاسياً على القوى السياسية التقليدية التي قال إنها «لم تأتِ إلا بالخراب». وأنهى ميلي كلمته، إلى جانب ميلوني وسط هتافات مدوية، مستحضراً شعار الدفاع عن «حرية وحضارة الغرب» الذي أقام عليه موسوليني مشروعه الفاشي لاستعادة عظمة الإمبراطورية الرومانية.